نجيب محفوظ ...التصوف لم يجعلني أنفصل عن الحياة أو أزهد فيها

الأنوال بريس
يتعانق المفهوم الفلسفي باتجاهاته المتعددة، مع المفهوم الإنساني والإبداعي والحياتي إلى حد كبير في الكتابات السردية لعميد السرد العربي “نجيب محفوظ”، مع الحس الصوفي المتغلغل، والذي يغلِّف كل الأطر الساعية إلى تجسيد حالة سردية مرتبطة بالواقع .
يجمع الروايات الثلاث من خيط صوفي روحاني يتردد في جنبات السرد/ الواقع ليعطي هذا الزخم الذي يتضافر مع سؤال الوجود وسؤال اليقين والشك والإيمان وضده المتردد في كل نص من تلك النصوص العامرة بالصراع وآليات المواجهة والانسحاب من على وجه الحياة على حد السواء، والصراع القائم بين الممكن تحقيقه والصعب تحقيقه والمستحيل تحقيقه من غايات الإنسان/ الفرد في مواجهة آلة المجتمع، وهذا الخيط الشفيف الذي يربط بين ذاك التوجه الفلسفي، وهذا الفيض النوراني الروحاني الذي لا يكاد يكتمل تأثيره أو دوره الفاعل في إحداث التغيير على ساحة الوعي.
تبدو الإلماحات الأولية لعلاقة نجيب محفوظ بالتصوف كسمة حياة من خلال قوله: “لقد أخذت التصوف في البداية على أنه أدب روحي رفيع لكني تأثرت به تأثرًا خاصًا، فالتصوف بالنسبة لي لم يجعلني أنفصل عن الحياة أو أزهد فيها، بل العكس جعلني أتخذ من تربيته الروحية وسيله لتحسين علاقتي بالحياة ومن ثم بالناس وبالعمل”
وكذا إلى جانب تبئير للحالة الصوفية التي تتجلى ليكون لها الكلمة العليا من خلال المكان ومن خلال رمزه الأكبر ودواله المتناثرة التي تقيم أساس العلاقة الناشئة من العدم على مستوى الشخص أو مستوى المكان أو الإحالات التي يلعب عليها في ملحمة “الحرافيش” بنموذجها المضيء عاشور الناجي وما تطرحه هذه الشخصية من جدلية العلاقة بين الفلسفة الذاتية/ أسطورة الذات مع تجليات الحالة الصوفية الفطرية المتكاملة.....لقد أثر – التصوف – في بعض المضامين التي حوتها أعمالي، وكذلك في بعض الأساليب, وقد ظهر ذلك بشكل واضح في روايات “الطريق” و”ثرثرة فوق النيل” و”ليالي ألف ليلة” و”ملحمة الحرافيش”، وفي هذه الأعمال كان التصوف موجهًا أيضًا نحو الحياة ولم يكن هروبًا من الحياة.
تلك التي يكتمل بها ملمح مهم من ملامح الصوفية والذهنية العالية لفلسفة الوجود والوعي الحاد بالحياة في نصوص “أصداء السيرة الذاتية” التي تمثل انقلابًا مهمًا ومحوريًا على مستوى كتابة النص السردي القصير الماكر الذي يفجر فضاءات مدوية للروح وتجلياتها وفلسفة تعامل الذات مع الحياة بذاك الوعي الحاد المشرب بالحكمة والرؤية التي تجمع في ثقابتها بين الرؤى والأحلام والنظرة المستشرفة للقادم بوعي شفيف، وفلسفة الوجود التي تعطي لكل ذي قدر قدره من خلال لماحية عالية ولغة مختزلة قد تعبر إلى حد بعيد عن العلاقة الوطيدة بين الفلسفة ولغتها المعبرة والأدب ولغته الإشارية الدالة والتصوف الذي ينفخ تلك الروح في هذين العنصرين، والتي ربما اختزلت في قول النفري: “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”..
وكما تقول الدكتورة نعمات أحمد فؤاد عن علاقة نجيب محفوظ بالتصوف: “يشبه فن نجيب محفوظ التصوف الذي يحبه؛ فهو مليء مثله بالإشارات والأسرار والرموز؛ فالتاريخ الواسع الصبر والأغوات الذين يصنع لهم التاريخ ، والشيخ الظريف، والقبر الذي يتساوي عنده المساكين والجبابرة، وإنسان الفقاعة في مجتمع فقاقيع, واحترام إنسانية الإنسان الذي لا يحيا بالخبز وحده، وموت الأموات وموت الأحياء والبحر الذي استراح وأخلد إلي أحلام اليقظة وأسراب السمان التي تتهادى إلى مصير محتوم عقب رحلة شاقة مليئة بالبطولة”.
أوكي..