الاختلالات والعجز الحقيقي و سوء الحكامة الصحية لقطاع الصحة العمومية بالمغرب
الانوال بريس
قطاع الصحة يحتاج فعلا إلى كفاءة وطنية تجسد اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب وتستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين في الرعاية الصحية والعلاج مرة أخرى يحتل المغرب مرتبة مخجلة على مستوى صحة مواطنيه ومواطناته وهو ما يتطلب حقيقة مراجعة جذرية وعميقة لهدا القطاع الحيوي الذي خصص له جلالة الملك في عدة مناسبات حيزا هاما من خطاباته وتوجيهاته وطالب الحكومة بمراجعة جذرية للمنظومة الصحية، كنظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود.
فأسباب الاختلالات والفشل والعجز الحقيقي في قطاع الصحة العمومية ليس بالضروري مالي؛ بل ناتج أساسا عن انعدام الكفاءة والتجربة والقدرة على الاجتهاد والابتكار لدى المشرفين على القطاع في مختلف مستوياته؛ بسبب عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؛ وضعف التخطيط الاستراتيجي وتعديله من حكومة إلى أخرى علاوة على سوء الحكامة والهذر والفساد؛ وسوء استغلال الموارد المتاحة وتوزيعها اللامتكافئ بين الجهات؛ مما زاد في تفاقم العجز وتعقيد الإشكاليات الصحية والاستمرار في سياسة الحلول الترقيعية بدل إشراك الفاعلين الصحيين بالقطاعين العام والخاص والدوائي والمجتمع المدني في في مجلس أعلى للصحة تسند له صلاحيات إعداد و بلورة مشروع ميثاق صحي في إطار المشروع الوطني التنموي والمصادقة على الإستراتيجية الصحية الوطنية وخطط عمل جهوية ومشروع قانون اطار لتنفيذه، يعرض على البرلمان للمصادقة عليه حتى تصبح لدينا خارطة طريق لتنفيذ أهداف الميثاق الصحي في إطار منظومة صحية متكاملة.
ومن اجل تحقيق أهداف الميثاق الصحي وخطط العمل الجهوية الصحية من الضروري اعتماد منهجية تشاركيه عملية بإشراك العاملين الصحيين من أطباء وممرضين وأطر إدارية وتقنية وخبراء من الميدان؛ للتشجع على العمل والمردودية وجودة الخدمات الصحية و لتوفير ظروف العمل اللائق لكل العاملين الصحيين، وتحسين أجورهم والحفاظ على صحتهم وعلى جودة الرعاية التي يقدمونها في بيئة آمنة وصحية فقطاع الصحة عانى ولازال في السنوات الأخيرة من ضعف الحكامة وسوء التدبير والهذر للإمكانيات المتاحة و قلة المردودية.
فالعديد ممن تم تعينهم في مناصب القيادة والمسؤولية في المراكز الاستشفائية كمؤسسات عمومية والمستشفيات وفي منصب مدراء المستشفيات والمديريات الجهوية ، لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة والتجربة ولا على روح المسؤولية؛ ولا يلتزمون بالشفافية وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين .
بل يتم التعامل باستخفاف كبير مع منصبهم والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم ولا يعيرون أي اهتمام بمتطلبات الحكامة الجيدة لتحقيق أهداف المؤسسة الاستشفائية بأبعادها التدبيرية والصحية و الاجتماعية والإنسانية. وهنا لابد من إعادة التذكير بخصوصية مغربية في مجال إسناد المسؤوليات في قطاع الصحة العمومية وفي المصحات والتي أبانت عن فشلها و شكلت احد الأسباب الرئيسية في عدم تأهيل المستشفيات العمومية وما تعاني منه بعض المصحات الخاصة على مستوى التدبير والحكامة ويتعلق الأمر هنا بمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب.
اذا لا يعقل اليوم وفي عصر الرقمنة لعلوم التدبير أن تنفق الدولة والمجتمع ملايير الدراهم على تكوين أطباء وأساتذة أطباء جامعيين من اجل خدمة المجتمع في مجالات التشخيص والعلاج والتكوين و التأطير والبحث العلمي؛ ويتركون كل هذه المهام والمسؤوليات الطبية والعلمية والإنسانية؛ لتسند إليهم؛ مسؤوليات لا علاقة لهم بها. في إدارة المستشفيات وتدبير ماليتها ومواردها البشرية ومختلف الخدمات المؤسساتية وهو عالم له أطره و كفاءاتة المتخصصين في إدارة المستشفيات؛ كما هو عليه الأمر في جميع دول المعمور .
فكيف يعقل أن تشكي وزارة الصحة من الخصاص في عدد الاطباء وهي تسند المسؤوليات الإدارية التدبيرية لما يفوق 1200 طبيب يعملون في المكاتب الإدارية بالدارة المركزية والأقاليم والجهات؛ ولا علاقة لهم بالمرضى؟ في أية دولة يقع مثل هذا الهذر الحقيقي من الكفاءات الطبية التي من الواجب على الدولة وضعها رهن اشارة المواطنين من اجل رعاية صحتهم سواء في القطاع العام أو الخاص بدل تعينهم في مناصب إدارية.
علما أن اغلب التعيينات في المناصب السامية بوزارة الصحة لا تتحكم فيها مساطر ومعايير واضحة وشفافة وعادلة، بل هي مبنية أساسا على العلاقات الحزبية والعائلية فضلا عن المركزية المفرطة التي تعطل كل المشاريع بسبب استحواذ الإدارة المركزية على كل المشتريات و الصفقات العمومية. تعلق الأمر بمشتريات وصفقات الأدوية أو التجهيزات الطبية والمستلزمات الطبية. فضلا عن تدخل لوبيات الشركات في توجيه مسار قطاع الصحة؛ مما جعل منه مصدرا للاغتناء لعدد كبير من الجهات والمؤسسات فقطاع الصحة وصل الى درجة من الضعف والتدني ما يستوجب معه إعادة النظر في المسؤوليات للبحث عن الكفاءات ذات التكوين العالي، ولها تجربة ميدانية بقطاع الصحة و تتحلي بروح المسؤولية العالية، ولها مؤهلات التواصل الفعال والتخطيط الاستراتيجي، والقدرة على تدبير المشاريع. فـي التجاوب مع التوجيهات الملكية لابد من اختيار أشخاص من ذوي الكفاءة العالية والتجربة والمهنية ونظافة اليد والقدرة على الاجتهاد والابتكار ووضع استراتيجيات قابلة للإنجاز في إطار ميثاق صحي يستمد قوته من تشخيص للواقع ورؤية مستقبلية يتبناه مجلس أعلى للصحة بعيدا عن الحسابات السياسية والانتخابية الضيقة.
تنبني فقط على ثقافة التعاقد المؤسس على الالتزام بما تقتضيه المسؤولية وبالأهداف، والاحتكام إلى المردودية والنتائج فقطاع الصحة يزخر بهده الكفاءات سواء بالقطاع العام أو الخاص لتحمل أعلى المسؤوليات بالوزارة. ومن بين هذه الأطر والكفاءات والتي أظهرت تفوقها ونجاحها في عدة تجارب ومحطات نخص بالذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ الدكتور رشيد البقالي المدير التنفيذي لمؤسسة للاسلمى للوقاية وعلاج السرطان الذي كان مندوبا لوزارة الصحة على إقليم تطوان وما خلفه من نتائج جدا مشجعة وانفتاحه على المجتمع المدني .
أوكي..