المغرب: حراك الريف وقلب الحقائق من لدن الدولة
الأنوال بريس بقلم :المعطي منجب
محاولة التصفية المعنوية الرسمية لربيع الريف، وهو حراك اجتماعي دام حوالي تسعة أشهر خلال سنتي 2016-2017، كُلفت بها شخصية عمومية كانت معروفة حتى حدود نشر تقرير موقع باسمها عن أحداث الحسيمة، بخطابها الحقوقي وبنوع من الاستقلالية الفكرية عن النظام. هذه الشخصية هو السيد شوقي بنيوب المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان وهو يتمتع بوضعية وزير على المستوى المادي. وعلى ذكر مندوبية حقوق الإنسان يجب أن نذكر أن هناك تضخماً حقيقياً للمؤسسات الرسمية المدافعة عن حقوق الإنسان. فبالإضافة إلى المندوبية الوزارية هناك المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهناك وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، ومن وجهة النظر البروتوكولية تأتي وزارة الدولة مباشرة بعد رئاسة الحكومة، كما أن لديها الإمكانية السياسية في التدخل والتنسيق مع كل الوزارات بما فيها وزارة الداخلية التي أصبحت تضبط الاشتغال الحكومي أكثر فأكثر.
لماذا هذا التضخم المؤسساتي الخاص بحقوق الإنسان؟ للجواب على هذا السؤال علينا التذكير بأن ما نسميه تضخماً زامن تردي الوضعية الحقوقية والسياسية بالمغرب. فكل التقارير الدولية، بما فيها بعض التقارير الرسمية الصادرة عن المنظمات البين-حكومية وهي في الغالب محايدة أو تحذو حذو الدول الأعضاء، تنبه الحكومة المغربية أن الوضعية العامة بالبلاد، وخصوصاً وضعية حقوق الإنسان، في انحدار خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة. وحتى تقرير كتابة الدولة الأمريكية وهي تعامل المغرب كدولة صديقة، أشار إلى ممارسة التعذيب ضد معتقلي الرأي مع تزايد أعداد هؤلاء الأخيرين بشكل استثنائي منذ سنة 2017.
كما ركز التقريرعلى التراجع الكبير لحرية الصحافة ومراقبة الإعلام وتحويل جزء منه إلى إعلام يمارس التشهير بالمعارضين والحقوقيين والمنتقدين للسلطة.
التضخم الحقوقي الرسمي يقابله في نفس الوقت وخصوصاً منذ سنة 2013 سياسة مستدامة لخنق الجمعيات المدنية المستقلة والعاملة في نفس الميدان، كما أن عصا السلطة ضد المجتمع أصبحت أضخم وأشد إن الأنظمة السلطوية على العموم تمارس خطاباً يكون نقيضاً لفعلها على الميدان، فها هي الإمارات العربية المتحدة تخلق سنة 2016 وزارة للسعادة ـ نعم للسعادة، ليس وزارة عادية، بل "وزارة دولة" يا ناس…غريب، أليس كذلك؟ مع أن التعاسة والشعور العام بتحول البلاد إلى سجن كبير، هو الإحساس الطاغي خصوصاً لدى المواطنين الأصليين. الأمر لا يقتصر على شعب الإمارات بل تعاني منه النخبة نفسها فهاهن بنات وزوجات الأمراء أنفسهم يهربن بطرق هوليوودية ويلجأن إلى الخارج وأحياناً يعاد القبض عليهن بطرق لا قانونية وتتم إعادتهن إلى البلاد غصباً عنهن، وهذا يحدث كذلك لبعض أمراء السعودية البلد الأقرب سياسياً و«حقوقياً» للإمارات. في المغرب كذلك، ورغم أن الأمور أقل سوءاً بكثير من بلدان الخليج، فإن التضخم الحقوقي الرسمي يقابله في نفس الوقت وخصوصاً منذ سنة 2013 سياسة مستدامة لخنق الجمعيات المدنية المستقلة والعاملة في نفس الميدان، كما أن عصا السلطة ضد المجتمع أصبحت أضخم وأشد.
تقرير بنيوب أُريد منه تصفية نشطاء الريف معنوياً فصفى من حيث لا يعلم محرره الرئيس وهذا مؤسف لأن الرجل جدير بالاحترام كما أنه في بداية مشواره الحكومي، فمن أين سيأتي بمصداقية جديدة ليتابع خدمته في تبييض وجه الدولة وهو ليحصل على مصداقيته الأصلية قضى سنوات معانياً من ضغوط الأمن السياسي وعقوداً من الاشتغال في النضال الحقوقي؟ كيف للسيد بنيوب أن يتكلم في تقريره لغة الأمن نافياً استعمال العنف ضد المتظاهرين والتعذيب ضد بعض المعتقلين ونافياً بجرة قلم آثمة الإهانات الجنسية التي تعرضوا لها وهي حاطة بالكرامة الآدمية للضحايا وللجلادين معاً. هذا رغم أن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الرسمي المسرب، يعترف بحالات التعذيب وهذا التقرير الطبي المحايد حرره ووقع عليه أطباء شرعيون رسميون.
أفبعد هذا سيثق أحد فيما يقول وسيقول السيد المندوب الوزاري ولو من زملائه في الحكومة والمتعاملين معه في الأمن؟ كيف يدعي السيد بنيوب أن انطلاق العنف تسبب فيه الشاب ناصر الزفزافي لما "عرقل ـ حسب قوله- صلاة الجمعة…مما مثل مساً سافراً بحرمة المسجد وتعطيل ممارسة العبادة، وهو فعل مجرم..". هذا قلب للحقائق لاغير. فقرات الخطبة التي أثارت غضب بعض المصلين ومنهم الزفزافي لم تكن ذات طابع ديني بل ذات طابع سياسي محض، إذ شهرت بحراكيي الريف وأشبعتهم سباً وشتماً (نصها منشور ويمكن الرجوع إليه). كما أن الخطبة تجاوزت شظاياها وتعابيرها البذيئة فضاء المسجد لكل الحي، حيث كانت مكبرات الصوت توصلها لكل الناس. الخطبة طبعاً لم يحررها «الإمام»، بل حررتها الدولة العميقة ومررتها عبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهكذا يقوم النظام بخلط الدين بالسياسة رغم أنه يمنع ذلك عن معارضيه. ولا بد من القول هنا، إن النشطاء، ورغم صغر سنهم وتواضع التجربة السياسية للكثير منهم، قد تفادوا استعمال المساجد كفضاء للتعبئة السياسية رغم إغراء الفعالية الذي يمثله هذا التكتيك. هذا ما فعلته الدولة فيما أصبح معروفاً بقضية المسجد.
أوكي..