معطيات صادمة حول عمل نساء وأطفال في “التهريب المعيشي” بين المغرب وسبتة المحتلة
الأنوال بريس -الطاهر الطويل -
يعيد عمل النساء والأطفال المغاربة في مجال تهريب السلع بين المغرب وسبتة المحتلة، إلى الواجهة موضوع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يتحدث عنها الدستور المغربي انسجاما مع المواثيق الدولية، كما تطرح قضية الحريات نفسها بإلحاح، إذا أخذ بعين الاعتبار الظروف المهينة والمأساوية التي ترافق تنقل ممتهني التهريب في الحدود مع سبتة المحتلة.
ودق مراقبون ناقوس الخطر، في بحر الأسبوع، مع معطيين متزامنين، أولهما صدور تقرير في البرلمان المغربي يتضمن معلومات وصفت بالخطيرة حول تداعيات التهريب، وثانيهما تبني قرار رسمي يقضي بوقف نشاط التهريب ظرفيا لمدة شهر ونيف.
فقد أفادت مصادر بأن السلطات المغربية والإسبانية توصلتا إلى اتفاق يقضي بمنع أنشطة التهريب المعيشي في معبر باب سبتة الفاصل بين التراب المغربي والمدينة المحتلة من طرف إسبانيا. وسيدخل القرار حيز التنفيذ في 29 من يوليو الحالي، وسيمتد إلى غاية 3سبتمبر المقبل، بما يعني أن النشاط التجاري سيتوقف لأكثر من شهر.
ولاحظت صحف محلية أن هذا القرار نزل كالصاعقة على ممتهني التهريب المعيشي الصغار الذين يعتمدون بشكل كلي على إخراج السلع من المدينة المحتلة لضمان القوت اليومي لعائلاتهم، وتساءلت الصحف عما إذا كانت الحكومة المغربية أعدّت حلولا وبدائل لظاهرة التهريب التي أصبحت المصدر الوحيد لمجموعة من العائلات.
معطيات صادمة
في السياق نفسه، كشف تقرير أنجزته “لجنة الخارجية والدفاع والوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج” في البرلمان المغربي، عن معطيات صادمة حول ظروف عمل النساء المشتغلات في تهريب البضائع بباب سبتة المحتلة، إذ صرّحن لأعضاء اللجنة البرلمانية الذين قاموا بالمهمة الاستطلاعية بأنهن يتعرضن لكافة أنواع الاستغلال، ويشتغلن في ظروف تنعدم فيها أبسط شروط الكرامة الإنسانية.
وسجل تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة لمعبر باب سبتة أن من بين النساء اللواتي يعملن في التهريب المعيشي من يضعن المناديل الصحية النسائية، لعدم وجود مراحيض في معبر باب سبتة، كما أنهن يتعرضن للسباب والشتم والاعتداءات الجسدية.
ولم يسمّ التقرير الجهاتِ التي تكيل للنساء العاملات في التهريب المعيشي بباب سبتة كل أنواع الإهانة والسب والاعتداء، إذ اكتفى معدّوه بإلقاء المسؤولية على “المنظمين” من دون تحديد ما إن كان الأمر يتعلق بالشرطة المغربية أو الإسبانية، أو هما معا.
ولاحظت صحيفة “هسبريس” الإلكترونية التي أوردت ملخصا للتقرير البرلماني أن السيارات التي تدخل إلى مدينة سبتة المحتلة من أجل تهريب البضائع، وعددها يناهز 1000 سيارة يوميا، لا تعود للمهربين فقط، بل إن عشرات منها، قدّرها أعضاء لجنة المهمة الاستطلاعية التي أنجزت التقرير، بمئتي سيارة، تعود ملكيتها لرجال الأمن والجمارك.
وحسب ما جاء في التقرير، فإن سيارات رجال الأمن والجمارك التي تدخل إلى مدينة سبتة المحتلة بهدف تهريب البضائع يحظى أصحابها بمعاملة خاصة، من حيث سهولة العبور، وكذلك في ما يتعلق بالمراقبة، وهو ما يطرح، حسب الوثيقة ذاتها، سؤال الخسائر الاقتصادية الفادحة التي يتكبدها المغرب جراء التهريب.
وتضمن التقرير معطيات وصفت بالخطيرة لاتصالها بالأمن الداخلي للمغرب، حيث كشف أن أكوام المواد المهربة لا تخضع للمراقبة، إذ إن الرّزم التي تحملها النساء اللواتي يتولّين التهريب، والتي يصل وزنها أحيانا إلى 140 كيلوغراما، تحمل رموزا معيّنة تحيل على أصحابها من المهربين، وتمر بمنتهى السهولة عبر الجمارك قبل أن تدخل إلى المملكة.
وتطرح السهولة التي تمر بها البضائع المهربة من مدينة سبتة المحتلة سؤال وجود تواطؤ بين مافيات التهريب والجهات المسؤولة عن المراقبة.
ونقلت الصحيفة الإلكترونية المذكورة أجواء النقاش الذي دار في البرلمان المغربي، الثلاثاء الماضي، بين الحكومة وأحزاب الأغلبية والمعارضة، حيث قالت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، تعليقا على تصريح لإحدى النساء العاملات في التهريب المعيشي، في ربورتاج أعدته اللجنة الاستطلاعية، قالت فيه: “الطريق خالصة (مدفوعة الأجر) إن هذه الجملة تلخص كل شيء” مضيفة: “من هي هذه الجهات التي تدفع أموالا لتسهيل تمرير البضائع؟ ومَن يتسلم السلع المهربة؟”
وذهبت الحقاوي، التي حضرت إلى جانب وزير الصحة، أنس الدكالي، جلسة مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة بمعبر بباب سبتة، في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج، إلى وصف ما يجري في باب سبتة بأنه “وصمة عار في جبيننا جميعا”.
وكشف وزير الصحة أن أطباء مغاربة تدخلوا خلال عام 2018، لمعالجة 84 حالة من النساء اللواتي كن يعانين مشاكل صحية خلال تنقلهم بين المغرب وسبتة، فيما لقيت اثنتان منهن حتفهما بعد ذلك.
تواطؤ مع “مافيات” التهريب
واعترف نواب برلمانيون من أعضاء اللجنة التي أشرفت على إنجاز التقرير بأن هناك تواطؤا بين المسؤولين ومافيات تهريب البضائع من مدينة سبتة المحتلة، إذ قال عبد الفتاح العوني، النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، إن مسؤولين صرحوا لأعضاء لجنة المهمة الاستطلاعية بأنهم يعرفون إلى أين تتوجه البضائع المهربة، وهذا يعني، بحسبه، أن “هناك تواطؤا مع مافيات التهريب”.
ويطرح التواطؤ مع مافيات التهريب أيضا سؤال التهديد الذي تشكله البضائع المهربة على الأمن الصحي للمغاربة، إذ إن السلع التي تدخل إلى المغرب، وخاصة منها المواد الغذائية، تكون على وشك نهاية مدة صلاحيتها، حسب عبد الودود خربوش، النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، بينما قال عبد الفتاح العوني إن المواد الاستهلاكية المهربة “تكون مخصّصة لتصديرها إلى المغرب، ولا يتم ترويجها في إسبانيا، نظرا لتردي جودتها”.
وحمّل نواب المعارضة الحكومة مسؤولية المعاناة التي تلاقيها النساء العاملات في التهريب المعيشي بباب سبتة، إذ قال علال العمراوي، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال: “نحن قمنا بواجبنا، ومهمتنا تنتهي عند هذا الحد، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، لأن من غير المعقول أن تظل عاجزة ومكتوفة اليدين إزاء مافيات التهريب”.
وأجمع النواب البرلمانيون أعضاء لجنة المهمة الاستطلاعية على أن التهريب بمعبر باب سبتة ليس تهريبا معيشيا، “بل هو تهريب منظم تستفيد منه مافيات” حسب تعبير عبد الودود خربوش، منتقدا التساهل مع هذه المعضلة بقوله: “إذا عجزنا، كدولة، عن وضع حد لنشاط مافيات التهريب فينبغي، على الأقل، أنْسنة ظروف عمل النساء المغربيات المشتغلات في معبر باب سبتة، بتوفير المراحيض لهن، وأماكن مغطاة تحميهن من المطر في فصل الشتاء والشمس في الصيف” مضيفا: “النساء يشتغلن هناك في ظروف لا إنسانية، وقد سمعنا عبارات السب والشتم في حقهن من المسؤولين المغاربة”.
اقتراحات وتوصيات
أولت صحف إسبانية اهتماما كبيرا لتقرير اللجنة البرلمانية المغربية، حيث أوضحت أن هذه الأخيرة قامت بزيارات ميدانية للمعبر الحدودي عدة مرات بين تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر 2018 وخلصت إلى أن 3500 امرأة و200 قاصر يمتهون التهريب المعيشي ويشتغلون من يوم الاثنين إلى الخميس. فيما تلج المدينة 1000 سيارة يوميا، من بينها سيارات لرجال الجمارك والأمن.
وكشف التقرير عن الظروف “اللاإنسانية” التي يعيشها ممتهنو التهريب المعيشي المغاربة الذين يلجون سبتة لنقل البضائع على ظهورهم في حزم يزيد وزنها عن وزنهم، كما تتعرض النساء للتحرش والإهانة والاعتداءات الجسدية، وتغيب كذلك الشروط الصحية.
وجاء في التقرير أن أكوام المواد المهربة لا تخضع للمراقبة، إذ أن الرزم التي تحملها النساء، تحمل رموزا معينة تحيل على أصحابها من المهربين، وتمر بمنتهى السهولة عبر الجمارك قبل أن تدخل إلى المغرب.
بالإضافة إلى ذلك، وقف التقرير على تدهور خدمات إدارة المعابر الحدودية التي تشرف عليها أجهزة الجمارك والأمن، واقترحت اللجنة البرلمانية تدابير مؤقتة لإضفاء الطابع الإنساني عليها وغيرها من التدابير لإنهاء التهريب بشكل نهائي.
وأوصت اللجنة بتعيين المزيد من الموظفين المدربين على احترام حقوق الإنسان في المعبر الحدودي وتزويدهم بالمعدات التكنولوجية المتطورة لضمان سيولة ولوج العاملات والعمال لسبتة المحتلة.
واقترحت أيضًا إجراء دراسة اجتماعية اقتصادية للوقوف على احتياجات الفئات الاجتماعية التي تمتهن التهريب المعيشي، من أجل تزويدهم بالبدائل المناسبة.
واقترحت أيضًا إنشاء منطقة صناعية في المنطقة لتوظيف حمالين يعملون في الغالب مع مهربين كبار مقابل أجر يومي يتراوح بين 100 و200 درهم
أوكي..