بن شماش يُحذر من تبعات فشل إدماج الشباب في النسيج السياسي والاجتماعي واستمرار النزاعات طويلة الأمد

الانوال بريس
حذر الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حكيم بن شماش، من التبعات الخطيرة لفشل الحكومات في إدماج الشباب في الحياة الحزبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، واستمرار النزاعات الاجتماعية طويلة الأمد، معتبرا أن من شأن استمرار هذه الظواهر أن يشكل تهديدا للأمن والاستقرار الاجتماعيين، وعائقا أساسيا أمام النمو المنشود والتطور الإيجابي للمجتمع.
وحدد بن شماش، خلال مداخلته ضمن فعاليات الندوة التي نظمتها الأمانة الإقليمية للحزب بسيدي البرنوصي، مساء أول أمس(السبت)، أربعة تحديات مطروحة أمام الفاعل الحزبي في علاقته وتفاعله مع التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، أبرزها فشل الحكومات المتعاقبة في الدمج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي للشباب. وذكرفي هذا الصدد، استنادا إلى دراسة أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،وأصدرهافي السنة الماضية(2018)، أن 66 بالمائة من الشباب المنتمين للشريحة العمرية (من 15-34) هم خارج المسارات الدراسية، و20 بالمائة في وضعية بطالة، و50 بالمائة يتلقون أجورا منخفضة، و75 بالمائة لا يتوفرون على تغطية اجتماعية، و20 بالمائة منهم يعانون من اضطرابات نفسية، و91 بالمائة من المهنيين المنتمين للفئة العمرية الأقل من 35 سنة يودون ويتمنون العمل بالخارج، وواحد بالمائة فقط من هذه الفئة منخرطون في أحزاب سياسية أو منظمة نقابية.
واستحضر بن شماش، في هذا السياق، ما سماه الباحث المغربي محمد الشرقاوي بثلاثي الأزمة التي تشكل مآزق الشباب اليوم، والمتمثلة فيالحكرة والحريكوهاشتاغ، مبرزا أنهينبغي النظر إلى هذه المآزق على ضوء التوسع الكبير للمجال العمومي الافتراضي الذي يسائل اليوم منظوراتنا الكلاسيكية بشأن التمثيليةوبناء الشرعيات، والوساطة والتواصل السياسي، ومشيرا إلى أن عدد الهواتف النقالة المستعملة بالمغرب سنة 2019 ، وصل إلى 43 مليون و760000، فيما بلغ عدد مستعملي الإنترنيت 22 مليون و570 ألف، أي بنسبة اختراق تمثل 62 بالمائة، وعدد مستعملي وسائط التواصل الاجتماعي هو 17 مليون، بمعدل يومي يتمثل في ساعتين ونصف لكل مستعمل.
في السياق ذاته، نبه بن شماش، إلى التداعيات الخطيرة لاستمرارأشكال الصراعات والنزاعات الاجتماعية طويلة الأمد. واستشهد، في هذا الإطار، بفقرة من مؤلف الباحث السوسيولوجي الأمريكي (آزارادوارد)المعنون "تدبير الصراع الاجتماعي طويل الأمد"، والتي ورد فيها أن "مسار الصراع الاجتماعي طويل الأمد يشوه ويؤخر التشغيل الفعلي للمؤسسات السياسية...ويقوي ويضاعف التشاؤم على مستوى المجتمع، ويحبط معنويات القادة، ويكبح البحث عن حلول سلمية، ولقد لاحظنا أن المجتمعات التي تعيش صراعا اجتماعيا طويل الأمد، تجد صعوبة في تلمس طريقها إلى البحث عن أجوبة لمشاكلها وشكاواها".
وقال بن شماش إنه تعمدقراءة هذه الفقرة وتقاسمها مع الحضور، في ضوء ما أنتجته الخيارات المعتمدة من طرف الحكومة منذ 2012 وحزبها الأغلبي على وجه الخصوص، من كوارث اقتصادية واجتماعية وثقافية وحقوقية، كانت سببا مباشرا في تزايد الطلب المشروع، في إطار الديناميكيات الاحتجاجية المختلفة على الولوج إلى الحقوق بمختلف أنواعها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و البيئية. وأضاف أن الحكومة والمركب الاقتصادي المصالحي- الريعي المرتبط بها، ساهمت بتدبيرها لهذه الطلبات بمنطق الصراع، في إضعاف عمل آليات بناء التوافق التي يتيحها الدستور (آليات التشاور العمومي، آليات الوساطة الحزبية والنقابية والمدنية والترابية، مؤسسات الحكامة ) أو القانون (آليات الحوار الاجتماعي)، بل وفي هدر زمن ثمين كان يتعين استثماره في أجرأة مبادرات ملكية ذات طابع استراتيجي، تشكل من حيث الرؤية و المقاربة التي صيغت بها، مفتاح حلول لصراعات اجتماعية مختلفة (النموذج التنموي، السياسة المندمجة للشباب، مأسسة الحوار الاجتماعي، تطوير عرض التكوين المهني، التسريع بأجرأة الجهوية، إعادة بناء منظومة الحماية و الدعم الاجتماعيين).
وأكد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة أن التدبير الصراعي للنزاعات الاجتماعية والهدر الزمني المشار إليه، أدى إلى تآكل منسوب الثقة ورأس المال الاجتماعي للفاعلين المؤسساتيين من جهة، والصعوبات المتزايدة لبناء توافقات اجتماعية مبنية على الحوار.
وأثار بن شماش في مداخلته التي اقترح أن تكون مساهمة منه في الاعداد الأدبي للمؤتمر الوطني المقبل، تحديا آخر يتجلى في ما سماهبعوائق توطيد موقع الطبقة الوسطى والآثار السلبية لهذه العوائق على التماسك الاجتماعي.
وذكر في هذا الصدد، استناداإلى إحصائيات أوردها الاقتصادي المغربي العربي الجعيدي، أن دخل 10 بالمائة من الفئة الأعلى دخلا، يفوق 12.7 مرة دخل 10 بالمائة الأدنى دخلا. ويكفي هذا المؤشر الإحصائي لإبراز أن ضمان التماسك الاجتماعي حول الطبقة الوسطى تمت إعاقته بفعل إنتاج وإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية، وهي فوارق ذات أبعاد مجالية وجيلية أيضا، ويظهر أيضا في ضعف الحركية الاجتماعية والموقع المحدود (اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) للطبقة الوسطى.
ودعا بن شماش مناضلات ومناضلي الحزب إلى الانشغال والتفكير في قضايا أساسية، على رأسها، توضيح أزمة التمثيلية الحالية، على ضوء وجود المؤسسات التمثيلية محاصرة بين السندان والمطرقة : بين سندان نمط من التمثيل الأعياني يفقد بشكل تدريجي ولكن بسرعة دوره التأطيريودوره في الوساطة، وبين مطرقة خطيرة للتمثيل الشعبوي الذي يستثمر في الرأس مال الرمزي للدين الإسلامي والذي يستمد مقومات استدامته من خارج النسق الانتخابي (الأذرع الدعوية، الأذرع الجمعوية، العمل الخيري، مصادر رمادية للتمويل...) وقد يتحول إلى أردوغانيةمغربية. وتساءل في هذا الإطار:كيف يمكن إذن التفكير في نمط اقتراع يخرج مؤسساتنا التمثيلية، ولو بشكل تدريجي من المطرقة و السندان، وباحترام مبادئ القانون الدستوري للانتخابات؟. كما تساءل عن سبل تقوية الأدوار التواصلية للأحزاب، وأدوارها في مجال بناء عروض برنامجية على ضوء التحولات المجتمعية المشار إليها.
ونبه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلى أن الفاعل الحزبي والنقابي لم يعوداوسيطا أوحد، بل ظهرت إلى جانبهما أشكال تعبئة وعمل جماعي غير اتفاقية (تنسيقيات، ائتلافات موضوعاتية، ...)، إلى جانب الفاعل الجمعوي ذي الأدوار الدستورية المعترف بها، فكيف يمكن تجديد النسيج الوطني للواسطة الاجتماعية والسياسية والترابية على قاعدة تكامل الأدوار والإدماج المؤسساتي للديناميات الاحتجاجية، والبناء المشترك لمنصات ترافع وائتلافات ذات طابع موضوعاتي ، بما يقوي الدعامة الاجتماعية الحاملة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي؟ وكيف يمكن للقوى الحاملة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، بما فيها مختلف النخب، أن تقدم الدعم اللازم للخيارات التحديثية للعهد الجديد، والتي استبقت، ضمن منطق تحويلي وتغييري وتحديثي، دينامية المجتمع خلال العقدين الأخيرين، فيما يمكن اعتباره عهد (ميجي) مغربيا، لا زال واعدا بالكثير من الإصلاحات التحديثية؟
وتساءل بن شماش ضمن المنطق نفسه، عما إذا كان ممكنا إجراء التعديلات المؤسساتية والدستورية التي تمكن من دعم آليات القيادة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية للأوراش المهيكلة، وضمان الترابط المنطقي بين النموذج التنموي والسياسات العمومية المتخذة أجرأة له، وبناء توافقات وطنية، بشأن الاختيارات الأساسية، وفق منطق عابر للاصطفافات السياسية الظرفية في المجالات التي تعتبر ذات طابع استراتيجي، وتتجاوز زمن الانتدابات الانتخابية والحكومية، بل ويتوقف عليها صمود المغرب كدولة-أمة في القرن الواحد والعشرين (الجهوية، التدبير المستدام للموارد الطبيعية، مواجهة آثار التغيرات المناخية، إعادة بناء منظومة الحماية الاجتماعية، التعليم، تدبير التنوع الثقافي، إدماج الشباب)؟.
أوكي..