في كتاب..الفريق النيابي للبام يقدم حصيلته
الأنوال بريس
أصدر الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة برئاسة السيد محمد اشرورو كتابا من 574 صفحة هو بمثابة حصيلة للفريق خلال دورة أكتوبر 2018. ويتضمن الكتاب بالإضافة إلى المقدمة أربعة محاور وهي العمل التشريعي ، والعمل الرقابي، والدبلوماسية البرلمانية، وأخيرا الأيام الدراسية التي نظمها الفريق وغطت العديد من المواضيع والقضايا ذات راهنية برلمانية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
وتشير مقدمة الكتاب-الحصيلة إلى أنه وباختتام أشغال دورة أكتوبر من السنة التشريعية الثالثة برسم الولاية التشريعية العاشرة وافتتاح الدورة الربيعية، يكون النصف الأول من هذه الولاية قد أُسْدِل ستارُه؛ وهي مناسبة لتقديم فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب تقييما لحصيلة أدائه واشتغاله، بمنطق إحداث التراكم في الفعل، واستخلاص الدروس، وبحث سبل التطوير والإغناء والتعميق.
ولئن كانت الحصيلة التشريعية لدورة أكتوبر غنية بما تضمنته من أشغال داخل الجلسات العمومية أو اللجان القطاعية، سواء على مستوى مراقبة السياسات العمومية أو على مستوى التشريع، فإن مضمون تحركات فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، ومحتويات مختلف تدخلاته، وموضوعية كل اقتراحاته، كانت في مستوى التجاوب مع ما يعتمل في الواقع من أحداث ووقائع، وما تثيره من قضايا وملفات ومشاكل.
بل إن مواقف الفريق لم تكن صادرة إلا عن الإرادة الفعلية له في ترجمة حاجات وانتظارات مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، في كل الجهات والأقاليم والمناطق، من موقع المعارضة البناءة، التي تضع نصب أعينها أولوية البحث عن سبل توفير شروط التنمية والدمقرطة والتحديث في بلادنا بشكل عام.
فقد شكل تجاوب أعضاء فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب مع قضايا المجتمع، ومع المواضيع التي شغلت الرأي العام وطنيا ومحليا، منطلقا أساسيا في ممارسة رقابته على العمل الحكومي من خلال تفعيله لكل الآليات الرقابية، وكذا المداخلات والكلمات التي تفضل أعضاؤه بإلقائها في مختلف المحطات والجلسات والاجتماعات واللقاءات.
وفي هذه اللحظة الفارقة التي تجتازها بلادنا، والتي تنتظر كافة فئات وشرائح الشعب المغربي من الحكومة الشيء الكثير لتحقيق حلمها في العيش الكريم، لابد وأن نقدم، كفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، خلاصات تقييمنا للأداء الحكومي في دورة أكتوبر، ونوضح مواقفنا السياسية كأول فريق في المعارضة تقع على عاتقه مسؤولية خاصة في مراقبة أعمال الحكومة وتقييم سياساتها العمومية، في ظل سياق سياسي مشحون، وواقع اجتماعي موبوء، وتدبير حكومي معطوب.
فإذا كانت التجارب الناجحة في تحقيق الإقلاع الاقتصادي وخلق الثروات وتوزيعها بشكل عادل وخلق فرص الشغل، أبانت أن نماذجها الاقتصادية والتنموية الناجعة ارتكزت على الاستثمار الاستراتيجي في التعليم والمعرفة والابتكار والاختراع والتكنولوجيا والثروة اللامادية، وعلى بناء مناخ جذاب للأعمال، وقضاء مستقل وكفء ونزيه وإدارة رقمية، والاهتمام الكبير بالثروة البشرية، فإن السياسات العمومية لهذه الحكومة تتجه عكس هذا التوجه، بل تكرس عدم استجابة سياستها لحاجيات مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية المحبطة من التدبير الحكومي، سواء المستثمرين أو الطبقة العاملة أو الفلاحين أو الشباب أو النساء أو العاطلين أو المعدمين أو الفقراء أو المظلومين أو المهمشين والمقصيين...
بالإضافة إلى ذلك، هناك غياب لرؤية واضحة فيما يخص تقديم بديل ديمقراطي بنفس اجتماعي وإنساني، يستجيب لطموحات القوى الحية بالبلاد، ولانتظارات القوى الصامتة المعارضة المنتشرة في مختلف مناطق المغرب العميق.
الكل اكتوى بنار السياسات اللاشعبية واللااجتماعية للحكومة، والكل يتعرض مباشرة للهجمات الشرسة للمركب الحكومي المصالحي المناهض للعدالة الاجتماعية والمجالية، والرافض لضمان وإعمال الحقوق والحريات، المنصوص عليها في القوانين الوطنية الملاءَمَة مع منظومة العهود والمواثيق الدولية.
وفي هذا المقام، يحرص فريق الأصالة والمعاصرة على التذكير بأنه في غياب عدالة اجتماعية ومجالية، وفي ظل عدم القدرة على بلورة طموح مجتمعي مشترك، وفي إطار الابتعاد عن منطق البناء المشترك للفعل، يبقى تملك أي إصلاح والانخراط فيه مؤجلا إلى حين.
لأن الترافع على الإصلاح، والمساهمة في بلورة ظروفه وشروطه، والانخراط في أجرأته وتنفيذه وتقويم اعوجاجاته، كل ذلك يتطلب قناعة وإرادة تنطلق في البدء من تملك الإصلاح ذاته، والتمكن من مقوماته وخصائصه وآليات تصريفه. وهو ما يفتقد في هذه الحكومة للأسف.
وطيلة مراحل هذه الدورة، وفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب يسجل بأننا نعيش فترة من الضبابية والانتظارية فيما يخص الحسم في العديد من القضايا، من قبيل تأجيل المصادقة على القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والقانون المتعلق بالإضراب الذي عمر طويلا بالمجلس، وكذا القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجال الحياة العامة، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، بالإضافة إلى عدم التزام الحكومة بوعدها المتعلق بتسقيف سعر المحروقات إلى غير من القضايا التي بقية بدون معالجة.
ولعل السبب في ذلك يرجع في أحد عوامله إلى صراع مكوناتها، والتناقضات الحاصلة في مواقفها بخصوص الكثير من القضايا والملفات والقوانين المطروحة على أجندتها، والفشل الذريع في إيجاد حد أدنى من التوافق فيما بينها لتيسير سبل الاشتغال والحسم واتخاذ القرار، وهو ما يضعفها، ويضعف خطابها أمامنا كمعارضة خصوصا، وأمام الرأي العام عموما. بل وهذا ما يزيد من حدة التأثير السلبي على أدائها، إذا ما أضيف إلى باقي عوامل العجز المزمن في منظورها ومنهجية اشتغالها وطرق وكيفيات أدائها.
وها نحن بعد انتهاء دورة أكتوبر وانطلاق دورة أبريل، لا زلنا نؤكد على أن هذه الحكومة فاشلة في تحقيق مستلزمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وغير مُحترِمة لوعود مكوناتها الانتخابية وبرنامجها الحكومي، وعاجزة عن معالجة مظاهر الاحتقان الاجتماعي، بل وأصبحت حصيلتها حافلة بقرارات لا شعبية ولا اجتماعية.
وهو ما لا يدع مجالا للشك في أنها لن تنجح في تنفيذ التعليمات الملكية بشأن إعادة ترتيب الأولويات المستعجلة للمرحلة الدقيقة التي تجتازها البلاد، في ميدان العدالة الاجتماعية والمجالية، والحوار الاجتماعي، وإنعاش الاستثمار المنتج للثروة والتشغيل؟
ونحن، في فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، إذ نسجل مواقفنا بهذا الوضوح التام من الأداء الحكومي المتبع، ومن موقع المعارضة البناءة، لا يفوتنا أن ننبه الرأي العام إلى أمر غاية في الأهمية، بحيث أثبتت نتائج التقييم والمراقبة التي قامت بها العديد من المؤسسات الوطنية صدق ما اتخذناه من مواقف جريئة بهذا الخصوص، خاصة حين اعتبرت تقاريرها أن السياسات الحكومية صادمة ومخيبة للآمال، ووقفت على أن لهذه الحكومة مخططات وبرامج واتفاقات لم تنفذ أصلا، أو لم تنفذ على الوجه المطلوب، مع تسجيل غياب المحاسبة الممنهجة، وممارسة سياسة التمويه عند صياغة مشاريع قوانين المالية ضربا للشفافية المطلوبة، خاصة في علاقتها بالبرلمان، ومع مؤسسة الرقابة العليا على المال العام بالمملكة.
كما لا يفوتنا أن نسجل بأن هذه الحكومة تدعي بأن ميزانياتها هي ميزانيات اجتماعية بتركيزها على الحقوق الاجتماعية؛ كالتعليم والصحة والسكن وتشغيل الشباب وتقليص الفوارق الاجتماعية وتشجيع الاستثمار المنتج للثروة والتشغيل... غير أن ما يلاحظ هو العبث بهذه الحقوق عند أجرأة وتنفيذ قوانين المالية المصادق عليها داخل هذه المؤسسة التشريعية؛ بل التنكر إليها أحيانا، كما حدث بخصوص مقتضيات المادة 145 ومواد أخرى من قانون المالية والتي أدرجت فئة التجار الصغار ضمن قائمة الملزمين بالضريبة.
فمشاريع قوانين المالية تعبر بقوة عن غياب التوجه الاجتماعي للسياسة الحكومية، التي لا تعطي الأولوية لتحسين المؤشرات الاجتماعية، ولا تقوم سوى بالمحافظة على التوازنات الماكرو- اقتصادية الكبرى. كما لا تلجأ الحكومة قبل صياغة مشاريع القوانين إلى عقد أية دورة مع الفاعلين الاجتماعيين، ولم تعتمد المقاربة التشاركية فيما يخص التشاور مع الفاعلين السياسيين، وتتجه فقط إلى إضفاء طابع اجتماعي شكلي على المشروع من خلال الإشارة إلى محاور، قد تكون دالة في منطوقها وفارغة في مضمونها.
دون أن نغفل بأن هذه الحكومة على مستوى الحوار الاجتماعي مثل سابقتها، جمدت هذا الورش المحوري في ضمان السلم الاجتماعي، وفي التحفيز الأساسي للاستثمار في بلادنا؛ بل انخرطت في سجال وصدام مع النقابات وممثلي المقاولات، التي نعتبرها محركا أساسيا لعجلة الاقتصاد والتشغيل وخلق الثروة ببلادنا.
بل الأكثر من ذلك، هذه الحكومة لا تتجاوب مع توصيات تقارير المجلس الأعلى للحسابات بشأن اختلالات عدم الالتقائية وعدم النجاعة الاقتصادية والاجتماعية للسياسات العمومية؛ كما أنها عودتنا وعودت المغاربة على تحقيق نسب تنفيذ أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير مطمئنة كما هو الحال في تنفيذ قوانين المالية للسنوات الماضية.
إن سياسات هذه الحكومة غير قادرة على خلق جيل جديد من الإصلاحات المرتكزة على التفعيل وفق قيم الديمقراطية، وعاجزة على خلق طفرة حقيقية في مجال الاستثمار المتجه رأسا إلى إنتاج الثروة وخلق فرص الشغل، بل وعديمة الرؤية والتصور فيما يخص المساهمة في توفير شروط قفزة اجتماعية عنوانها العريض "الضمان الاجتماعي للجميع".
ونحن، في فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، مقتنعون بأن الأمر متعلق بأزمة حكامة وحكومة عند تفعيل مقتضيات الدستور في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وفي التطبيق العادل للقانون، والتفعيل الملموس والممنهج لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتصدي الحازم لمظاهر الريع والفساد وتبخيس القاعدة القانونية عموما.
كما أن الفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب كان حريصا كل الحرص طيلة دورة أكتوبر، كما هو الشأن في كل الدورات، على مساءلة الحكومة وقطاعاتها حول ما تم تحقيقه وإنجازه بخصوص الوعود المقدمة أمام كل المواطنات والمواطنين. علما بأننا كنا ولا زلنا على قناعة تامة من موقع تتبعنا وتقييمنا، بأنها عبارة عن نوايا لن تجد لها على مستوى الأجرأة والتنفيذ طرقا للتصريف والترجمة على أرض الواقع.
بل، لطالما كنا مواكبين ومراقبين، عبر طرح أسئلة واضحة، واقتراح قوانين ناجعة، والتنبيه لأخطاء فادحة، لكن الحكومة ظلت وفية لمنهجية اشتغالها المبنية على سياسة التهرب من تقديم أجوبة كافية وشافية، ولمبدأ رفض كل الاقتراحات والتنبيهات المقدمة من طرفنا كقوة معارضة.
وقد كنا في كل الحالات وأثناء كل الجلسات والاجتماعات، نطالب الحكومة بالتحلي بالجرأة والشجاعة والصراحة، فيما يخص إعلانها عن القطع مع كل طرق التدبير الفاشلة.
لقد ساهم فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب خلال دورة أكتوبر، عبر مسائلاته للسياسات الحكومية واقتراحاته القانونية، في إذكاء نقاش إيجابي حول مستقبل السياسات العمومية والإطار التشريعي الكفيل بإعادة تنظيم العلاقات والتفاعلات داخل مؤسسات الدولة وإطارات المجتمع، لكن تهرب الحكومة جعلها في موقع العجز عن أن تحول هذا الاهتمام إلى تعبئة مجتمعية شاملة وفعالة حول قضايا تدبير الشأن العام.
وكل هذه الأمور تفيد أن الحكومة تفتقر لرؤية واضحة من أجل إحداث تغيير عميق في أساليب تدبيرها وتسييرها للقطاعات والمؤسسات، ووضع عُدَّةٍ متينة لقيادة عملها، والوقوف على حصيلة ما تم إنجازه إلى اليوم، واعتماد مقاربة تشاركية ترتكز على إشراك مجموع الفاعلين الأساسيين، وحفز الانخراط القوي لكل المكونات داخل كل الميادين.
وبفعل كل هذا تعرضت هذه الحكومة لزلزال سياسي، إثر إقالة عدد من وزرائها وعدد من كبار المسؤولين المنفذين للسياسات القطاعية لبرنامجها، بفعل سوء التدبير وغياب الحكامة في تنفيذ البرامج وعدم التفعيل الملموس لربط المسؤولية بالمحاسبة طبقا لمقتضيات الدستور.
إن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب لما اختار المساهمة في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي المتضامن، وتبنى نموذج الديمقراطية الاجتماعية، واعتمد العدالة الاجتماعية مشروعا سياسيا له، فلأنه كان يدرك مدى الفراغ الفكري والسياسي والخصاص المهول والمتفاقم الذي تعاني منه بلادنا في مجالات الحداثة والديمقراطية والتنمية.
فخريطة الفقر والهشاشة في عهد هذه الحكومة توسعت، ومظاهر سوء توزيع الثروة والسلطة بين المركز والجهات تفاقمت، وبطالة الشباب والكهول استفحلت، والقدرة الشرائية لأغلب الفئات والشرائح الاجتماعية تدهورت.
وعدد كبير من التسريحات في مجال الشغل وقعت، ومختلف الأشكال الإجرامية تكاثرت، ومنظومة القيم الإنسانية والأخلاقية تراجعت، والانتكاسات الحقوقية غير المتوقعة تكررت.
بل، والحوار الاجتماعي عُطِّل، ومؤسسات الوساطة من أحزاب ونقابات وجمعيات أُضْعِفَت، والمؤسسات المنتخبة بالجهات والأقاليم والجماعات أُفْقِرَت وأدوارها قُزِّمَت، والإدارات العمومية أُفْسِدَت، ومختلف الخطط والبرامج أُقْبِرَت، والاحتجاجات العادلة والمشروعة كَثُرَت، والمجهودات التي بذلتها الدولة في إطار الإصلاحات الهيكلية من مضمونها أُفْرِغَت، وأصبح الوطن بفعل الاحتجاجات الاجتماعية داخل العديد من المناطق مفتوحا على كل الاحتمالات.
فأين هذه الحكومة من بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي العادل والمتضامن، الذي نصبو إليه جميعا كمغاربة؟ وأين هذه الحكومة من الإنسان وتكريمه ووضعه في مكانة الصدارة ضمن أهداف كل السياسات العمومية؟
وأين هذه الحكومة من تسريع وتيرة إصدار النصوص التطبيقية للقوانين الصادرة بالجريدة الرسمية وضمان دخولها حيز التنفيذ؟ وأين هذه الحكومة من مراجعة التشريعات القائمة، والحال أن المشاريع المصادق عليها خلال منتصف الولاية جلها عبارة عن اتفاقيات دولية؟ وأين كذلك هذه الحكومة من إقامة علاقة تعاون بناء وتواصل مستمر مع البرلمان في إطار احترام تام لفصل السلط وتعاونها الوثيق والمستمر؟
أوكي..