السياسة وآفة الحلول والاتحادالمغرب نموذجا
الأنوال بريس -فؤاد هراجة باحث في الفلسفة السياسية والأخلاق -
سبق لي ان نشرت مقالا تحت عنوان:"العفو الملكي، ورقة التوت التي عرّت الدستور" بينت من خلاله كيف لحدث جزئي متمثل في العفو على المجرم كالفين الذي اغتصب أطفالا مغاربة، أن يكشف من جهة، زيف شعار "دولة الحق والقانون"،و يعري من جهة أخرى صورية المؤسسات الدستورية، مؤكدا ألا مؤسسة تعلو فوق مؤسسة المخزن. فرمزه الأعلى يتصرف كأنه الباسط القابض، والنافع الضار ، والمعز المذل...! كما أن خزينة الدولة في حضوره تصبح خزينته، والمال العام في حضرته هو ماله، يفعل به ما يشاء، ويعطيه لمن يريد. عندما يتجلى بجلاله للمؤسسات تفنى في ذاته، في وحدة وجود لا يدركها إلا صوفية السياسة الذين خرقوا بتزلفهم وتملقهم وخدمتهم للأعتاب الشريفة كل حجب المؤسسات، وأسوار القوانين، وشربوا من كأس القرب في حضرة المخزن العلية، فانكشفت لهم كل أسرار السياسة، وتَبَدَّتْ لهم روح المخزن وجلالُ ذاته في كل شبر من الدولة، وفي كل هياكلها ومؤسساتها. إن دفاع أمثال هؤلاء الواصلين العارفين عن الذات المخزنية هو في اعتقادهم دفاع عن الديمقراطية، ودفاع عن دولة المؤسسات، لأن الحقيقة التي تَكَشَّفت لهم مفادها أن المخزن هو هي، وأنها هي هو، وصدق الحلاج حين قال: انامن أهوى ومن أهوى انا نحن روحان حللنا بدنا فـإذا أبصرتني أبصـرته وإِذا أبصرته أبصرتنا إن هذه المؤسسات خالصةٌ لكل من تجرد من مشاريعه، وبرامجه، ومبادئه، وإديولوجيته، وأعلن افتقاره وحاجته للذات المخزنية. ولهؤلاء الفقراء السياسيين فقط يكون العطاء وتكون المكرمات الربيعية؛ كيف لا، وهم قد تطهروا من مطالبهم، وجعلوا أحزابهم زوايا للتقرب والتبرك والتمجيد. إن الذات المخزنية لم تنجح فقط في اتحادها وحلولها في كل المؤسسات، بل إنها استطاعت أيضا أن تَصْهَرَ كل الأحزاب التي تدور في فلكها في آلة لا تعترف لا باليميني، ولا باليساري، ولا بالإسلامي... آلة، فور دخولها، تُهْدِيكَ ولادة مخزنية جديدة تَجُبُّ كل تاريخك النضالي والسياسي والاجتماعي. واسأل التاريخ ليخبرك عن مآلات الكتلة التاريخية وأصحابها، لتعلم أن آلة المخزن إذا أرَدْتَ إصلاحها من الداخل طحنتك في داخلها، وشَكَّلتك على الصورة التي تريد! إن آلة المخزن كلما أوشكت على التوقف، اختارت الوقود المناسب لكل مرحلة. ليحتفظ عَرَّابُ الوقود بالحضوة والعطاء، حتى إذا انتهت وظيفته، فسواء همس او لم يهمس تُفتَح له باب الكرامة المخزنية، فيسكب عليه مال الريع حتى يكون عبرة وحافزا لمن بعده! خارج هذا السياق لا يمكن أن نفهم لماذا قَبِلَ المناضل عبد الرحمان اليوسفي بالانتقال الأول قُبَيْلَ وفاة الحسن الثاني، ولماذا سِيقَ عبد الإله بنكيران إلى الانتقال الثاني في عنفوان الربيع العربي. ورغم وجود الفارق بينهما إلا أن ثمة ذات واحدة مسْتَغِلَّة جعلتهما يشتركان في إنقاد النظام من السكتة القلبية، و ينعمان كل على شاكلته بتقاعد استثنائي، في مغرب استثنائي، يعتبر مَخْزَنُه كل طالب للكرامة والعدالة والحرية، وكل منادٍ لربط المسؤولية بالمحاسبة، وكل داعٍ لتفعيل مبدأ فصل السلط، مواطنا عاصيا نَجِساً لا تقبله روحه المبجلة التي حلت في كل مؤسسات الدولة، حتى يطهر من نِدَّيته السياسية. فيا معشر "العصاة" في عرف المخزن، متى ستكونون روحا واحدة، وجسدا واحدا، ويدا واحدة،وصفا واحدا، لتُخَلِّصُوا هذا الوطن ومواطنيه من الذات المخزنية التي ألغت كل الذوات، سواء اختارت طريق الإذعان، أو فضلت خيار العصيان؟ إن الروح الوحيدة التي تليق بمقام الوطن والدولة هي روح الشعب!
أوكي..