جائزة النقد التشكيلي لجمعية الفنون التشكيلية باكادير

الأنوال بريس
استضاف قصر المؤتمرات بمدينة اكادير يوم الجمعة الماضي 12.24 .2018 أشغال اليومين الدراسيين حول قضايا الفنون التشكيلية بالمغرب الراهن، التي نظمتها جمعية اكادير للفنون التشكيلية في إطار فعاليات ربيع المغرب التشكيلي لسنة 2018.
فيما يلي مداخلة الناقد والكاتب ذ. محمد أديب السلاوي : قبل الغوص في مسألة "جائزة النقد التشكيلي" التي أحدثتها جمعية الفنون التشكيلية، وعلاقتها بالحركة التشكيلية في المغرب والعالم العربي، ودورها في بلورة قيم الفنون التشكيلية، الجمالية والفكرية، لابد من التساؤل : هل تعرف الحركة الثقافية العربية، جائزة للنقد التشكيلي ؟ وبالتالي هل تتوفر هذه الحركة على نقاد مختصين في الفنون التشكيلية من رسم ونحث وخزف ونقش وغيرها من الفنون البصرية، يقيمون عطاءاتها الإبداعية والجمالية، ويجيبون عن أسئلتها الفكرية ويعكسون الأهمية الحضارية لهذا الفن العريق في الحضارة الإنسانية ؟.
عالم اليوم، يعرف أكثر من 500 جائزة ثقافية لوزارات الثقافة، ومنظمات وجمعيات وهيئات ثقافية وأكاديمية، ذات تاريخ متواصل، مخصصة لمجالات الإبداع الأدبي كالرواية والقصة القصيرة والشعر والنص المسرحي وأدب الطفل، وهو ما يعني أن الجانب الأكبر من هذه الجوائز في العالم العربي، يتجه نحو فنون السرد، ويغيب بوضوح كل ما يتصل بالفنون البصرية ( السينما والفنون التشكيلية والتصوير وفنون الموسيقى والرقص والتصوير الفوتوغرافي والنحت والعمارة والتصميم وهندسة البنيان).
من أهم الجوائز الأدبية في العالم العربي، نذكر جوائز الملك فيصل العالمية وجوائز عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري، وعبد الحميد شومان للباحثين العرب، وجوائز الشيخ زايد للكتاب وجوائز دبي الثقافية للإبداع العربي وجائزة الملك عبد الله الثاني للإبداع والجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) وجائزة "كثارا" القطرية، فضلا عن جوائز الكتاب التي تمنحها وزارات الثقافة في العالم العربي، وجميعها تستثني الفنون التشكيلية والفنون الموسيقية والبصرية عامة، لأسباب مازالت مجهولة...ومغيبة.
السؤال الصعب خارج وجود جوائز للنقد التشكيلي من عدمه، هل ثمة جدوى من وجود نقد للفنون التشكيلية، وهل يساهم هذا النقد في تطوير وبلورة هذه الفنون ؟ وهل يعمل على تقريب العمل الفني من المتلقي ؟.
في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وآسيا وحتى في بعض البلاد الإفريقية، يقوم النقد الفني عموما، والتشكيلي على وجه الخصوص على لغة متخصصة في مفرداتها ومفاهيمها وصيغها، تتجاوز حالات الوصف والتعميم، وتجمع بين الفعل بالألوان والصورة والحس الجمالي والفعل بالكتابة اللغوية.
بذلك أصبح النقد التشكيلي في عالم الإبداع، وعالم الحداثة والعولمة، نافذة يرى الفنان والمتلقي من خلالها القواعد التي يبني عليها العمل الفني وفق إشارات وملاحظات قائمة على آليات التحليل المنهجي ومصطلحاته الخاصة.
تؤكد هذه النافذة، أن النقد الفني إذا لم يعتمد على المعرفة، لا يمكن أن يكون له أي تأثير، لا على الفنان المبدع، ولا على إنتاجه / ولا يمكن لكتابته النصية إيجاد أية حلول لأية إشكالية تتعلق بجوهر الإبداع الفني.
هكذا، وبغياب الناقد الفني المتخصص والمتمكن عن حركتنا الفنية العربية والتشكيلية على الخصوص، ظلت هذه الحركة تعاني من الفقر الثقافي، إذ لم تستطع بلورة مشروعها الإبداعي إلى قيم جمالية.
ولاشك أن هذا الواقع / غياب النقد الفني المتخصص عن الحركة النقدية الموازية للإبداعات الفنية، هو ما جعل المؤسسات الرسمية، والتابعة للمجتمع المدني في المغرب والعالم العربي، تغيب أية جوائز عن الحركة التشكيلية المغربية.
يقول د.عفيف بهنسي، وهو أحد المختصين الأكاديميين في فنون المعرفة : النقد الفني ليس تفسيرا للنص، بل هو تأويلا له، أي اكتشاف ملامح غير مرئية وغير متوقعة كامنة في النص، لم يفصح عنها المبدع، وهو ما يفتح الباب لدلالات جديدة غابت عن المبدع / هو قراءة جمالية تخترق ظواهر الشكل إلى أعماقه، للتعرف على الثغرات الملتبسة في النص التشكيلي، أي اللوحة.
فلماذا لم تفتح الهيئات الثقافية للنقد الفني أبواب التباري للنقاد الذين استقطبتهم إبداعات الفنون...؟
الفن كان وما يزال موهبة مقدسة، يتمكن الفنان من خلالها التعبير عن نفسه، وعن مجتمعه وفكره وأحاسيسه بواسطة استخدام المهارات الفنية التي تترجم الصراعات والأحاسيس التي تنتابه وتستقطب مشاعره. لذلك اعتبرتها الحضارات القديمة، أهم ركائز بناء الإنسان / بناء المجتمع ونهوضه، إذ يعمل النشاط الفني على انتشار القيم الجمالية الرفيعة المستوى / على خلق أجيال تتمتع بخيال إبداعي خصب / على خلق أجيال تمتلك من المهارات والقدرات ما يميزها ويضمن نجاحها، تاريخيا وحضاريا.
ولعل أهم ما خلفته الحضارات والشعوب عبر التاريخ البشري هو الفنون بكل مجالاتها وأنواعها التي تعد من التراث الإنساني، في مقدمتها الفنون التشكيلية، التي تشهد على عظمة الأمم التي شيدت حضاراتها الخالدة.
التاريخ يذكرنا، أنه بفضل الفنون التشكيلية ما تزال الحضارة الفرعونية حتى الآن على قيد الحياة، الفنون التشكيلية التي كشفت للبشرية كنوز المعرفة وخلاصات التجارب الإنسانية في كل مجالات الحياة الفرعونية، وتشهد على ذلك آلاف اللوحات التي رسمها الفنان المصري الفرعوني القديم. يمكن ذكر نفس الشيء عن الحضارة الأندلسية التي جاءت بوجه حضاري جديد وقيم جديدة للفنون التشكيلية، نقش ونحث وتطريز وتصوير وفن خزفي وعمارة وبنيان وغيرها التي خلدت حتى الآن القيم الجمالية والفكرية لهذه الحضارة.
وفي العصر الحديث، تكشف لنا متاحف الفنون التشكيلية في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا، ما توصل إليه الفكر الإنساني من تطور ورقي، من خلال الإبداعات الفنية، وفلسفتها وقيمها الجمالية والحضارية.
تقول متاحف الزمن الحاضر بصراحة ووضوح : أن الإبداع التشكيلي كان وما يزال من المقومات الأساسية والضرورية للتقدم وللتنمية البشرية في كل الأزمنة الغابرة، كما كان وما يزال الدليل القوي على حرص الثقافة والعلوم في هذه العصور، إذ جعل القيم الجمالية للفنون التشكيلية عنوانا بارزا لوجودنا وتفوقنا الحضاري.
من خلال هذه المراجعة السريعة لأهمية الفنون التشكيلية في المثن الحضاري والإنساني، يمكننا قراءة الأسباب التي دفعت جمعية الفنون التشكيلية بمدينة اكادير إلى خلق " جائزة النقد التشكيلي سنة
2014 بالمغرب الراهن" وهي الجائزة التي ما زالت مغيبة عن المحيط الثقافي العربي، لأسباب ما زالت مجهولة.
1/- عربيا توجد هذه الجائزة بشكل محتشم في الشارقة (الخليج العربي) حيث تظهر وتختفي، مثقلة بشروط أكاديمية قاسية، لا تساعد النقاد على ولوجها.
2/- وعلى مستوى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا وجود هذه الجائزة يكاد لا يذكر في الحركة الثقافية، نظرا لاندماج الفنون التشكيلية في الإبداعات البصرية الأخرى.
3/- مغربيا، جاء إحداث هذه الجائزة بالمغرب فجأة، ولأهميتها في وضعنا الثقافي الراهن، حيث تكسر جدار الصمت الذي ضرب على النقد التشكيلي في المغرب...وكل المغرب العربي والشرق الأوسط، نقترح على جمعية الفنون التشكيلية بأكادير، أن يكون لجائزتها إطارا قانونيا يحميها من التلف والغياب.
نقترح :
1- وضع لجنة تحكيمية دائمة، من أساتذة وفنانين ومتابعين للحركة التشكيلية المغربية، تراجع الكتابات النقدية حول الفنون التشكيلية بالمغرب، وتقرأ البحوث والدراسات التي تتوصل بها من النقاد الذين يرشحون أنفسهم لهذه الجائزة وتعلن عن الاسم الفائز بالجائزة على مسؤوليتها.
2- وضع شروط دقيقة للمشاركة في هذه الجائزة، منها أن يكون المشارك كاتب / ناقد / نشرت له خلال الخمس سنوات الماضية، مقالات أو كتب في النقد التشكيلي.
3- أن يضع المرشح للجائزة بحثا أو مقالا حول فنان أو حول قضية مرفوقا بصور إيضاحية أمام لجنة التحكيم قبل شهرين من تاريخ إعلان الجائزة، مصحوبا بسيرته الثقافية الذاتية.
4- تعلن الجائزة أثناء ندوة يحضرها الجمهور الثقافي.
5- يخصص مبلغ من المال للفائز بهذه الجائزة لا يقل عن 50.000 درهم.
6- تؤدى لأعضاء لجنة التحكيم منحة سنوية لا تقل عن 10.000 درهم لكل عضو.
7- تلتمس جمعية الفنون التشكيلية بأكادير من وزارة الثقافة ، والمؤسسات الاستثمارية بجهة اكادير ومجلس الجهة والمجلس البلدي لأكادير، المساهمة في الجائزة النقدية للفائز بها ولأعضاء لجنة التحكيم.
إن الحركة التشكيلية المغربية اليوم، بإبداعاتها وأعلامها ومدارسها ومتاحفها الخاصة والعامة التي تتعزز يوما بعد يوم بمبدعين ومبدعات، أصبحت في حاجة ماسة إلى نقاد أكفاء، يدركون أهمية الفكر الجمالي في بناء الإنسان والتنمية والحضارة...
ولاشك أن الجمعيات الثقافية والفنية في المغرب الراهن، أصبحت تتحمل مسؤولياتها الثقافية والأخلاقية في الدفع بهذه الحركة لتلعب دورها في إظهار القدرات الإبداعية، سواء في الفن أو النقد.
لأجل ذلك نصفق بحرارة لجمعية الفنون التشكيلية بأكادير على إحداث جائزة النقد التشكيلي / نصفق لها على هذه المبادرة التي من شأنها أن ترسخ موقع الفن التشكيلي بالمغرب الراهن في الطموحات الثقافية والحضارية، وأن تدفع بالنقد التشكيلي ليكون دعامة قوية للقيم الجمالية في ثقافتنا الحديثة.
أوكي..