مائة عام علي تأسيس جمهورية أذربيجان
الأنوال بريس -محمد سلامة-
صدر الكتاب احتفالا بمرور مائة عام على قيام الجمهورية الأذربيجانية الاولى فى الشرق الاسلامى منذ اعلان المجلس الوطنى الاذربيجانى برئاسة محمد أمين رسول زاده فى عام 1918 عن استقلالها، حيث يضم الكتاب بين دفتيه أبرزَ المحطاتِ التاريخية والسياسية والاقتصادية التي مرت بها أذربيجان منذ استقلالها، كما يُلقىِ الضوء على أبرز التحديات التي واجهتها، وأهم الإنجازات التي حققتها، كمحاولة لتقديم تجربتها في التحول الديمقراطى والتنمية الاقتصادية للعالم أجمع. وذلك كله تحت شعار:"أذربيجان:ماضٍ خالد..حاضر فاعل...مستقبل واعد".
يجب الاشارة إلي الدور الذي لعبته الشخصيات البارزة للقادة داخل أذربيجان، حيث كان لهم دور مهم في هذه التجربة الرائدة ونقشت أسمائهم بأحرف من نور في ذاكرة الشعب الأذربيجاني إلى الأبد، فخلال فترة الاستقلال الأولي للدولة (1918-1920)، كان هناك محمد أمين رسول زاده مؤسس أذربيجان الديمقراطية وفتح علي خان خويسكي أول رئيس لحكومة أذربيجان الشعبية وعلي مردان بك توبجوباشوف رئيس البرلمان آنذاك، ثم بعد ذلك كان الاستقلال الثاني لأذربيجان في عام 1991؛ ليظهر دور حيدر علييف القائد السياسى المحنك الذي أخرج أذربيجان من مرحلة الصعاب والتحديات في مطلع التسعينيات، لتخطو نحو صَوب مستقبل مزدهر... وجاء بعده فخامة الرئيس إلهام علييف الذي كان خير خلف لخير سلف من قادة تاريخيين قادوا أوطانهم في لحظات مصيرية إلى التقدم والتطور.
ينقسم الكتاب إلى خمسة مباحث وخاتمة، وذلك على النحو الآتى:
المبحث الأول، بعنوان " أذربيجان ... الجغرافيا الطبيعية والاقتصادية، حيث تناولتُ الموقع الجغرافى لأذربيجان فى منطقة جنوب القوقاز، وكلنا يعلم مدى أهمية هذه المنطقة فى مسار العلاقات الدولية.
واستعرض المؤلف الثروات الطبيعية والاقتصادية التى وهبها الله لأذربيجان، فضلا عن الاشارة إلى التركيبة السكانية للشعب الاذرى، وطبيعة النظام السياسى...فوفقًا للدستور تُعد أذربيجان جمهورية ديمقراطية، دستورية، علمانية موحدة، وأن الشعب هو المصدر الوحيد للسلطات. ويتم تقسيم السلطة في أذربيجان إلى ثلاث سلطات، تشريعية وتنفيذية وقضائية. والهيئة التي تتولي السلطة التشريعية هي البرلمان، والرئيس هو رأس السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية تنفذها محاكم أذربيجان بمختلف درجاتها. ويتميز النظام السياسي بالتعددية السياسية، من خلال تشكيل الأحزاب السياسية ومشاركتها في الحياة السياسية. وختمت هذا المبحث بالتأكيد على الاهمية الاستراتيجية التى تشغلها اذربيجان كمحصلة نهائية لموقعها الجغرافى ولثرواتها الطبيعية والاقتصادية.
أما المبحث الثانى والذى جاء بعنوان "أذربيجان: الجمهورية الأولى فى الشرق الاسلامى (1918- 1920)، تناول فيه المؤلف الصعوبات والتحديات التى واجهتها اذربيجان فى طريق حصولها على استقلالها الاولى عام 1918، إذ وقعت في هذه الفترة مذبحة 31 مارس (1918) على يد "استيفان شاوميان" وهو من البلاشفة من حزب الطاشناك الأرمنى، حيث أصدر تعليمات لعناصر حزبه التي تضم الأرمن والروس بالهجوم على المسلمين في أذربيجان، واستمرت المذبحة لمدة ثلاثة أيام راح ضحيتها حوالي 50 ألف قتيل. واعتبر يوم الحادي والثلاثين من مارس يوم حداد وطني في البلاد. إلا ان رجال الدولة الاذربيجانية آنذاك نجحوا فى تحقيق الاستقلال ولم يمنعهم أي تحدّيات وحققوا نجاحات لا يزال التاريخ يزخَر بها، ووضعوا اللِبنة الاولى فى تاريخ بناء الجمهورية الاذربيجانية المستقلة.
وفي 28 مايو 1918 أعلن المجلس الوطني الأذربيجاني برئاسة محمد أمين رسول زاده، عن استقلال أذربيجان التي أصبحت أول جمهورية ديموقراطية في الشرق الإسلامي.
وقد جاء في نص بيان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني، ما يلي:
- جمهورية أذربيجان الشعبية الوريث القانوني لأراضي أذربيجان الملحقة بالإمبراطورية الروسية وفق معاهدة "جوليستان" عام 1813، ومعاهدة "تركمنتشاي" عام 1828.
- ابتداء من اليوم تُعتبر أذربيجان -التي تشمل جنوب القوقاز الشرقي- دولة مستقلة قانونية، والشعب الأذربيجاني مصدر السلطة.
- تعتزم جمهورية أذربيجان الديمقراطية إقامة علاقات حسن الجوار مع جميع أعضاء المجتمع الدولي، ولا سيما مع الدول المجاورة.
- تمنح جمهورية أذربيجان الشعبية مواطنيها الحقوق المدنية والسياسية بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو الوضع الاجتماعي.
- تمنح جمهورية أذربيجان الشعبية لجميع الشعوب القاطنة فيها الفرص الواسعة للتنمية الحرة.
- يترأس المجلس الوطني والحكومة المؤقتة المسؤولة أمام المجلس الوطني لـجمهورية أذربيجان حتى عقد اجتماع الجمعية التأسيسية.
رغم الفترة المحدودة من عمر الجمهورية، إلا أنها نجحت في تحقيق عديد من النجاحات والانجازات كان من أبرزها ما يأتي:
- وكان إعلان الاستقلال وثيقة مهمة بالنسبة لأذربيجان، فبموجب هذه الوثيقة نجحت الدولة في إعداد دستورها المبني على الحقوق المتساوية؛ وفي ضوء ذلك، أصدر القانون الخاص بتأسيس البرلمان الأذربيجاني البالغ عدد اعضاءه 120 عضوًا، ممثلين عن الأحزاب المتعددة (حزب المساواة، الاتحاد، الأحرار، المستقلين، الاشتراكيين، الأرمن، الطاشناك...وغيرها) حيث شملت جميع الكيانات السياسية والقوميات والأعراق الرئيسة، ويعد تمثيل جميع التيارات السياسية والقوميات والأعراق في البرلمان الوطني، شاهد حي علي التزام أذربيجان بالتعددية الحزبية والنظام البرلماني متعدد القوميات. وبدأ عمل البرلمان في 7 ديسمبر 1918. (والجدير بالذكر أنه تم عقد 145 جلسة في البرلمان الأذربيجاني أثناء فترة نشاطه خلال 17 شهرًا، فكانت أول جلسة في 7 ديسمبر 1918، وآخر جلسة كانت في 27 إبريل 1920. حيث تم نقاش أكثر من 270 مشروع القانون، وتم التصديق علي نحو 230 منها. وكانت تعمل 11 لجنة في البرلمان. منها: اللجنة المالية-الميزانية؛ لجنة مبادرة القوانين؛ اللجنة المركزية؛ اللجنة العسكرية؛ اللجنة الزراعية؛ لجنة المراقبة وغيرها).
- في السادس والعشرين من يونيو1918، تم تأسيس جيش وطني أذربيجاني، حيث يعود الفضل في إنشائه إلى الوطنيين الأذربيجانيين أمثال: سمد بك مهمانداروف، علي آغا شيخلنسكي، حسين خان ناختشوانسكي، إبراهيم آغا أوسوبوف، كاظم قاجار، جواد بك شيخلنسكي، حبيب بك سليموف... وغيرهم، حيث لعبوا دورًا كبيرًا في تشكيل قوات الدفاع الوطني، وإعداد الكوادر المتخصصة وتدريبهم، وإنشاء أسس عسكرية؛ فكان عدد الأفراد العسكريين يصل إلى 40 ألفًا، وبقيادة هؤلاء القادة تمكن الجيش الوطني من تطهير مدينة باكو والمدن الأخرى من احتلال العِصابات المسلحة للطاشناك الأرمن. حيث جاء في "بيان الاستقلال" أن أذربيجان ينبغي لها أن تنشئ قوات مسلحة خاصة بها من أجل الدفاع عن نفسها من تدخلات خارجية.
- في السابع والعشرين من شهر يونيو عام 1918، أصدرت حكومة جمهورية أذربيجان الديمقراطية قرارًا باتخاذ اللغة الأذربيجانيةلغة الدولة.
- في الثاني من شهر يوليو عام 1918 أصدر رئيس مجلس وزراء أذربيجان الديمقراطية ووزير الداخلية السيد فتح علي خان خويسكي قرارا بإنشاء أول قسم شرطة في البلاد، وبهذا القرار تم وضع الأسس لأجهزة الشرطة الأذربيجانية.
- في التاسع من شهر نوفمبر عام 1918، تبنت حكومة جمهورية أذربيجان الديمقراطية أول قرار لها باتخاذ علم ذي ثلاثة ألوان (الأزرق والأحمر والأخضر مع الهلال والنجمة الثمانية الأطراف) ، حيث يرمز إلي الحداثة والديمقراطية، ومبادئ الهوية الوطنية، والإسلام، باعتباره علمًا لأذربيجان المستقلة.
- في 30 يناير 1920، قرر مجلس وزراء جمهورية أذربيجان الديمقراطية إعداد النشيد الوطني للجمهورية. ووفقا للقانون، تمت الموافقة على النشيد الأذربيجاني، الذي جمعه الـمُلحّن الكبير أوزيير هاجيبيوف والشاعر أحمد جواد في عام 1919، باعتباره النشيد الوطني لأذربيجان.
- تم إنشاء العديد من المعاهد والجامعات بما فيها المعاهد الخاصة بالفتيات، فتأسست جامعة باكو الحكومية بقرار من البرلمان بتاريخ 1 سبتمبر لعام 1919.
- في عام 1919 وصل عدد الجرائد والمجلات الصادرة في أذربيجان إلى 80 جريدة ومجلة، منها 39 جريدة كانت تنشر باللغة الأذربيجانية. وكذلك توسعت شبكة المكتبات في أذربيجان خلال عام 1920 حيث وصل عددها إلى إحدى عشرة مكتبة وكانت تشمل 95 ألف نسخة كتاب.
- تبنت الدولة سياسة خارجية ناجحة سمحت لها بالتواصل مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، حيث أقامت علاقات دبلوماسية مع كل من جورجيا وأرمينيا وتركيا وإيران وأوكرانيا وليتوانيا وبولندا وفنلندا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وإيطاليا والسويد وسويسرا وبلجيكا وندرلاند واليونان والدانمارك.
صحيح أن الاستقلال الأول لم يدم طويلا إذ وقعت اذربيجان تحت الاحتلال السوفيتى عام 1920، وهو ما تناوله المؤلف د. اميل رحيموف فى المبحث الثالث، والذى جاء بعنوان :"أذربيجان: الجمهورية السوفيتية الاشتراكية (1920-1991)، حيث استعرض المبحث سياسة الاتحاد السوفيتى فى التعامل مع الجمهوريات التى وقعت تحت مظلته ومنها جمهورية اذربيجان، تلك السياسة التى وُسمت بسياسة "البُؤَر الصِّدامية"، فضلا عن محاولته المستمرة لمحو الهوية الاذرية مع الاستغلال الاقتصادى لثروات اذربيجان ومواردها.
ويذكر أنه فى تلك الفترة وقع اقليم قراباغ الجبلى تحت الاحتلال الارمينى بمعاونة القادة السوفييت. ورغم سوداوية تلك المرحلة إلا انها شهدت فترة، تولى فيها القيادة... الزعيم "حيدر علييف" (1969-1982)، والتى مثلت مرتكزا رئيسيا فى اعادة بناء جمهورية اذربيجان تمهيدا لاستقلالها مع بداية انهيار الامبراطورية السوفيتية التى مارست كافة صور القمع والتعذيب بحق الشعب الاذرى، إذ أن الذاكرة الوطنية لا تزال تحتفظ بمأساة العشرين من يناير 1990 والتى مثلت نقطة الانتقال إلى مرحلة الاستقلال، وهو ما تناوله المبحث الرابع من هذا الكتاب وذلك تحت عنوان "أذربيجان: ما بعد الاستقلال (1991- 2003): التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية المؤثرة على أمن استقلال الدولة".
وفي يوم الثامن عشر من أكتوبر 1991، إذ تم اجتماع المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان، وتم اعتماد (القانون الدستوري لاستقلال جمهورية أذربيجان)، وبمقتضى هذا القانون، أصبحت جمهورية أذربيجان الوريث الشرعي والمعنوي لجمهورية أذربيجان الديموقراطية التي تم تأسيسها في 28 مايو 1918.
ولكن، واجه الاستقلال هذه المرة أيضًا كثيرا من الصعوبات والتحديات والمعوقات، كان أبرزها ما جرى على المستوى الداخلي...ومما زاد من وتيرة هذه الصعوبات وجعلها أكثر تعقيدًا ما جرى من جانب أرمينيا بدعم الجيش السوفيتي، إذ تلاقت مصالحهما، ففي الوقت الذي أراد فيه الجيش السوفيتي أن ينتقم من الشعب الأذربيجاني نظرًا لسعيه للحصول على الاستقلال والحرية، كانت ثمة مطامع أرمينية مستمرة في الأراضي الآذرية، بهدف بناء (أرمينيا الكبرى).
ولذا، فقد استغل الطرفان ما تشهده الدولة الوليدة من اضطرابات سياسية واقتصادية، لتحقيق هدف كل منهما، إذ سارعت في ذلك الوقت أرمينيا بدعم الجيش السوفيتي باحتلال إقليم قراباغ الجبلي (شوشا، خانكندي، خوجالي، عسكران، خوجاواند، آغدارى، وهادروت) التابع لأذربيجان والمحافظات المجاورة له وهي (لاتشين، كالباجار، آغدام، جبرائيل، فضولي، قوبادلي، وزنقيلان) أي: ما يعادل (20%) من الأراضي الأذرية، وهو ما أدى إلى تشريد أكثر من مليون مواطن من مدنهم وأراضيهم الأصلية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل توالت الاعتداءات الأرمينية من عمليات القتل والإبادة الجماعية ضد المواطنين الأذربيجانيين الأبرياء، كما دمُرت وأحُرقت العديد من المقدسات الإسلامية والمدارس والمساجد والآثار التاريخية التي تشهد على أصالة وعراقة الشعب الأذربيجاني، ووقعت في هذه المرحلة العصيبة من التاريخ الأذري، عدة مذابح بحق الشعب الأذربيجاني على يد الأرمن مدعومًا من السوفييت.
مذبحة خوجالي التي ارتكبها الأرمن في فبراير عام 1992، كانت حلقةً في سلسلة الانتهاكات الأرمينية لكل القيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية.
وجرى الهجوم المسلح من جانب أرمينيا في فبراير عام 1992، حيث اجتاحت قواتها العسكرية مدينة (خوجالي) بجمهورية أذربيجان، وارتكبت مذبحة لم يكن لها نظير قط، فقتلت 613 مدنيًا من بينهم 106نساء،36طفلاً و70من كبار السن، وجرح ألف شخص وأُسر 1275، بينما لم يزل 150شخصًا في عداد المفقودين، منذ تاريخ تلك الأحداث.
وعلى الرغم من معاناة أذربيجان؛ نتيجة للحرب العدوانية التي شنتها أرمينيا ضدها، وسياسات التطهير العرقي، ومخططات التضليل التاريخي، غير أن أذربيجان ظلت ملتزمة بمبادئ القانون الدولي، وانتهاج سياسة التفاوض السلمي فيما يخص باستعادة أراضيها المحتلة عبر الأمم المتحدة، والدول الوسيطة المنوط بها حل الأزمة، وعلى رأسها مجموعة (مينسك) التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي. حيث ترى أذربيجان أن التسوية السلمية تمر عبر انسحاب جميع القوات الأرمينية من جميع الأراضي الأذربيجانية، وعودة السكان المهجرين داخليًا لمواطنهم الأصلية، بما في ذلك إقليم قراباغ الجبلي، مع إعادة بناء الأجواء الإيجابية القائمة على المعايير الديمقراطية بهدف إرساء تعايش سلمي بين الأرمن والآذريين في إقليم قراباغ الجبلية.
وأصدرت العديد من المنظمات الدولية قرارات أكدت حقَّ أذربيجان في أراضيها، وألزمت الجانب الأرميني بالانسحاب منها دون شرط. فاتخذت الجمعيةُ العامةُ للأمم المتحدة قرارًا في 14 مارس 2008 تحت عنوان (الحالة في الأراضي المحتلة بأذربيجان) أكدت فيه على استمرار احترام ودعم سيادة جمهورية أذربيجان، وسلامتها الإقليمية داخل حدودها، المعترف بها دوليًا وتطالب بانسحاب جميع القوات الأرمينية انسحابًا فوريًا، وكاملًا ودون شروط من جميع الأراضي المحتلة في جمهورية أذربيجان.
بالإضافة إلى قرار الأمم المتحدة، جاء البيان المشترك لرؤساء كل من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا في قمة الثمانية في تورنتو في 26 يونيه عام 2010 الذي سلَّط الضوء من بين العديد من القضايا بشكل خاص على تحرير الأراضي المحتلة لأذربيجان وحق اللاجئين والمرحلين في العودة إلى إقليم قراباغ الجبلي والأراضي الأخرى الأذربيجانية المحتلة.
كما خرجت الجلسةُ 37 لمجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي) التي انعقدت في مايو عام 2010 في (دوشنبه)، عن مجموعة من القرارات التي استنكرت بأقوى العبارات، وبكل وضوح، عدوانَ جمهورية أرمينيا على أراضي أذربيجان، وعلى تدميرها للمعالم التاريخية والثقافية الإسلامية بالأراضي الأذربيجانية المحتلة.
ثم عادت المنظمة لتبني عدة قرارات داعمة لقراراتها السابقة، بقمتها الثانية عشرة التي انعقدت بالقاهرة، في السابع من فبراير عام 2013، والتي استنكرت خلالها العدوان الأرمينيّ على أراضي أذربيجان، وخاصةً إقليم قراباغ الجبلي، مطالبة أرمينيا بسحب جميع قواتها من الأراضي الأذربيجانية المحتلة دون قيد أو شرط.
وعلى نفس الدرب، كانت حركة عدم الانحياز، التي تُعد من أكبر وأكثر المنابر الدولية مصداقيةً بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك من حيث عدد الدول الأعضاء بها، والتي اتخذت موقفًا محددًا لا لبسَ فيه إزاء النزاع الأرميني الأذربيجاني، حول إقليم قراباغ الجبلي. إذ أكد الاجتماعُ الوزاريُّ للمكتب التنسيقي للحركة، الذي استضافته مصر في مدينة شرم الشيخ، في الفترة من 9-10 مايو عام 2012، مسئولية جمهورية أرمينيا باعتبارها طرفًا في هذا النزاع، داعيًا إياها لتسوية النزاع مع أذربيجان على أساس مبادئ القانون الدولي الذي يحترم سيادة ووحدة أراضي الدول، وحصانة حدودها الدولية المعترف بها.
وبشكل عام، تستند الجوانب القانونية والسياسية لتسوية هذا النزاع إلى معايير ومبادئ القانون الدولي التي أرستها قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 822 لعام 1993 و853 لعام 1993 و874 لعام 1993 و884 لعام 1993، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم243/62 فضلًا عن الوثائق ذات الصلة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والهيئات الدولية الأخرى.
لكن مع الأسف، الجانب الأرميني يُصر على تجاهل كل هذه القرارات والمنظمات الدولية المُصدرة لها، لفرض حل يعتمد على سياسة الأمر الواقع، الذي لن تَقبله جمهورية أذربيجان على الإطلاق. وأن الموقفَ غير البناء لأرمينيا في عملية المفاوضات دليل واضح على عدم وجود حسن النية، أو رغبة صادقة، في التوصل إلى حل دائم للنزاع يستند إلى معايير ومبادئ القانون الدولي.
ولم تقتصر هذه المذابح علي البشر فحسب، بل استهدفت التراث الثقافي الأذربيجاني الذي يتضمن عشرات المتاحف، ومئات المدارس والمكتبات والمواقع الدينية لدور العبادة، وقد أصبح كل هذا أيضًا هدفًا للتدمير والإذلال المنهجي المنظم، كما تم حرق النسخ النادرة من القرآن، وتحويل جامع شوشا إلى حظيرة لتربية الخنازير، كعلامة من علامات الإذلال المتعمد ضد شعب أذربيجان وتراثه الثقافي والديني.
وفي خَضم هذه الأوضاع ولمواجهة تلك المخاطر والتهديدات؛ أدركت الجبهة الشعبية من اليوم الأول (1991-1993) أن وصولها إلى السلطة لتحقيق أحلام الشعب الأذربيجاني في الاستقلال والحرية أمر صعب وسط هذه الأجواء الـمُلْبَدة، والمؤامرات المدبرة من الداخل والخارج، وأن إدارتها للبلاد في ظل تلك الظروف أمر غاية في الصعوبة، وأن البلاد في حاجة إلي معجزة على يد شخصية قادرة علي القيادة الحكيمة الرشيدة لينزع فتيل الحرب الأهلية ويفتح باب الأمل نحو الحرية.
بدأت الأنظار تتجه إلى الزعيم حيدر علييف القائد السياسي المحنك صاحب الخبرة الطويلة في الإدارة، إذ وجه الشعب الأذربيجاني بمختلف طوائفه وتكويناته من مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية في التاسع من يونيو 1993، الدعوة إلى القائد حيدر علييف للحضور إلى باكو لينقذ الدولة الجديدة من شَبَح الانهيار. وبالفعل كانت الاستجابة سريعة إذ لبى النداء ليُنتخب بإجماع القوى الوطنية كافة ومن خلفهم الشعب الأذربيجاني في 15 يونيو 1993 رئيسًا للبلاد.
وعندما تولى الزعيم القومى حيدر علييف مقاليد الحكم بطلب الشعب الأذربيجاني عام 1993، نجح فى وضع اللِبنات الاولى لقيام جمهورية اذربيجان الحديثة، حيث وُضعت أسس النهضة الشاملة: عسكريا من خلال بناء جيش وطنى محترف، وسياسيا من خلال تبنى برنامج للتحول الديمقراطي الحقيقي، واقتصاديا من خلال وضع رؤية وطنية لبرنامج اصلاح اقتصادى واجتماعى، وبشريا من خلال برنامج شامل للتنمية البشرية، وخارجيا من خلال تبنى سياسة خارجية متوازنة.
ومن اهم ما كان يتميز به الزعيم القومى حيدر علييف نظرتُهُ الدائمة الى المستقبل وكيفية مواجهة تحدياته، فكانت نظرته لبناء جيل قادم وواعد لتحمل المسئولية والحفاظ على ما تحقق في فترة قيادته للبلد من منجزات واستكمال خطوات الاصلاح.
وفي عام 2003 تولى الرئيس "إلهام علييف" مقاليد الحكم. وهذا ما تناوله الكتاب فى مبحثه الخامس والاخير والذى جاء بعنوان "أذربيجان فى قرنها الاول (2003-2018): نجاحات مستمرة وطموحات مستقبلية، حيث استعرض الكتاب فى هذا المبحث ما حققته اذربيجان من نجاحات فى المسارات المختلفة عسكريا، اقتصاديا ، سياسيا، مجتمعيا. وكذلك فى مجال السياسة الخارجية.
ويمكن رصد أهم هذه النجاحات التي حققها القائد إلهام علييف منذ توليه المسئولية في عديد من المسارات، وذلك على النحو التالي:
- المسار العسكري:
فقد ازداد مستوى المهنية وقدرة الجيش، مع اتخاذ أعمال كبيرة لتقوية قاعدته المادية التقنية، إذ بلغ حجم النفقات العسكرية عام 2018 إلى ما يقرب من مليار و700 مليون دولار. ويعتبر ذلك ثلاث أضعاف النفقات العسكرية لجمهورية أرمينيا، حيث تصل ميزانيتها نحو 500 مليون دولار وخمس أضعاف النفقات العسكرية لجمهورية جورجيا، حيث تصل ميزانيتها أيضًا نحو 300 مليون دولار. وغير ذلك، أصبحت أذربيجان اليوم تصدر الأسلحة التي تنتجها في البلاد للخارج. وقد وصل حجم التجارة في إصدار الأسلحة الأذربيجانية إلى 106 مليون دولار عام 2016. وتقيم دولة أذربيجان معرضا للدفاع سنويا في مدينة باكو لعرض أسلحتها الجديدة المنتجة في البلاد. ويشارك في هذا المعرض أكثر من 45 دولة.
وفي هذا الإطار، يجدر الإشارة إلي ما ورد في دراسات "Global Firepower" للأمم المتحدة لعام 2017، أوضحت فيها أن القوات المسلحة لجمهورية أذربيجان تحتل المرتبة الـ 59 في العالم، والمرتبة الأولى والأقوى في جنوب القوقاز.
ولعل ما جرى مؤخرًا (فى 4 أبريل 2016) من تجدد الحرب ضد الاحتلال الأرميني ونجاح القوات المسلحة الأذربيجانية في استعادة جزء من أراضيها المحتلة، يؤكد على ما وصلت إليه قواتها المسلحة من قدرات عسكرية وخبرات تكتيكية متفوقة ومتقدمة.
- المسار الاقتصادي:
وقد ترجم النجاح الذي حققه الاقتصاد الأذربيجاني في عدة قطاعات، أهمها ما يلي:
قطاع الطاقة: تم توفير الاحتياجات الوطنية من الطاقة الكهربائية، حيث تم إنشاء (30) محطة توليد كهرباء خلال هذه الفترة، بلغت طاقتها 2500 ميغاوات من الكهرباء، في حين أن عددها كان حتى عام 2004 (9) محطات فقط. كما شهد مستوى التغويز (تزويد المناطق بالغاز الطبيعي) ارتفاعا ملحوظا، إذ ارتفع من حوالي 51% عام 2005، ليصل إلى 93% عام 2017، ولم يتبق سوي 7% من المناطق التي تحتاج إلى عملية التغوير، وخاصة في المناطق الجبلية والقرى البعيدة.
وفي هذا الإطار، تم التطرق لاستكمال مشروع خط أنابيب (باكو-تيبلسي-جيهان) الذي تم تأسيسه من أجل توصيل النفط الذي تنتجه أذربيجان من منطقة بحر قزوين إلى الأسواق العالمية عن طريق تركيا عام 2005، ويبلغ طوله 1,776 كم ويمتد من العاصمة الأذربيجانية باكو إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، ويمر الخط عبر الأراضي الجورجية. وبلغت تكلفة بناء هذا الخط نحو 4,3 مليار دولار أمريكي. وبلغ عمر تصميمه 40 عاما، وتبلغ قدرته اليومية نقل 1 مليون برميل من النفط، حيث تعتبر القدرة القصوى للخط هي 10 مليون برميل نفط، ويوجد 8 محطات ضخ على امتداد مسار خط الأنابيب (2 في أذربيجان, 2 في جورجيا, 4 في تركيا).
واستمرارًا للنهج ذاته، تم في عام 2012 التوقيع على اتفاقية الطاقة مع الاتحاد الأوروبي، فتم إبرام اتفاق مع تركيا بشأن مشروع للغاز عبر الأناضول (TANAP)، وفي عام 2013 أنشئ طريق التصدير الرئيسي للمشروع عبر البحر الأدرياتيكي (TAP)، واعتمد قرار الاستثمار النهائي بشأن مشروع Shahdeniz-2. وفى 20 سبتمبر 2014 تم وضع حجر الأساس لمشروع ممر الغاز الجنوبي.
كما كان افتتاح خط سكة حديد (باكو - تبليسي – قارص) حدثا تاريخيا كبيرا، حيث يمتد على طول 846 كيلومترًا عبر أذربيجان وتركيا وجورجيا ويربط بين أوروبا والصين، ويعتبر هذا الخط جزءًا كبيرًا من المشروع العالمي لإعادة بناء طريق الحرير التاريخي،وبلغت تكلفة المشروع حوالي 4 مليارات دولار، ومن المتوقع أن ينقل هذا الطريق 17 مليون طن من البضائع.
جذب الاستثمار الأجنبي: ساهم وضع إطار قانوني للشركات المحلية والأجنبية من خلال )خدمة الشباك الواحد( التي توفر على الشركات الوقت والجهد في إنجاز المعاملات، في جذب مزيد من الاستثمارات. وهو ما أهل أذربيجان للحصول على ترتيب متقدم فى مجال ممارسة التجارة، إذ يذكر أنه فى إطار التقييم العالمي لسهولة ممارسة البزنس طبقا لتقرير البنك الدولي، تم انتقال أذربيجان من المرتبة 97 إلى المرتبة 33.
ونتيجة لكل هذه الجهود، فقد استثمرت أذربيجان خلال هذه الفترة (2003-2017) 231 بليون (مليار) دولار في اقتصاد البلاد، نصفها استثمارات أجنبية والباقي محلية. ولا شك أن وضع الاستثمارات الأجنبية في البلاد إن دل على شيء، فإنما يدل على أن أذربيجان دولة آمنة ولها مستقبل، حيث لا أحد يستثمر في بلد ليس له أي اعتبار أو مستقبل،
كانت تلك هى قصة دولة مرت بعديد من المراحل التاريخية على مدار مائة عام شهدت خلالها تحديات جمة وصعوبات عديدة، إلا انها نجحت فى ان تحتفظ لنفسها بمكانة متميزة فى عالم اليوم، بفضل حكمة زعيمها الراحل حيدر علييف، ورؤية قائدها السيد الرئيس إلهام علييف، عاونهما شعب لديه الارادة الوطنية المخلصة.
إن الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس أول جمهورية ديمقراطية فى الشرق الإسلامي يعنى: أن أذربيجان كانت رائدة فى تقديم التجربة الثرية التى جمعت بين إرث الحضارة الإسلامية من ناحية، والعصرنة من ناحية أخرى، لتؤكد للجميع أن الإسلام لا يتعارض مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وإنما الانغلاق الذى أصاب الأمة الإسلامية فى فترات تاريخها المظلم هو الذى يتعارض مع متطلبات العصر.
أوكي..