اي حدود بين الفساد الى النموذج التنموي

الأنوال بريس -أحمد العسالي -
من التساؤلات التي تفرضها متطلبات المرحلة المستقبلية لربح رهان التحديات المطروحة لتبني نموذج تنموي لابد من استحضار أحداث وقـلاقل اجتماعية وسياسية خطيرة كادت تعصف بالعالم العربي مغربه ومشرقه ، لازالت عالق بالأذهان و هكذا سيناريو حركة الربيع العربي التي انطلقت من تونس مطلع سنة 2011 برياح اتية عبر وسائل الإعلام والاتصال المتطورة والسريعة وبكل جد دقيق وحرج حيث أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن “السلطة السياسية الفاسدة ” في كل الأنحاء العربية كانت ولا تزال هي أصل وهوية كل فســـاد. تعليل ذلك واضح بالقرارات والتصرفات السياسية، للعديد من القادة والمسـؤولين الذين أدت تصرفاتهم إلى تخريب المجتمعات وقيمها مغربا ومشرقا ، وترتب عنه زيادة الفوارق بين الشرائح والفئات.
فالسياسة في “الوطن العربي”، لا تنحصر آثارها في المؤسسات الحزبية أو الحكومية أو البرلمانية، أو في القيم والسلوكات، بل تمتد إلى الأفراد والمجتمعات والقطاعات، خاصة وأن فاعلـــيتها في هذا “الوطن” اعتمدت/ وتعتمد على “النخبة” التي احترفت/ وتحترف العمل السياسي، والتي عملت/وتعمل على توزيع الأموال والمناصب والمسؤوليات، المتحكمة في المجتمع في كل تراتبياته المتنوعة ، وفي رسم القـيم والأخلاق فيما بينها، وهو ما يجعل “الفساد” ابنا شرعيا للسياسة ونخبهـا وقيمهـا وحتى باقي المجالات الاخرى وبدون استثناء.
بتجربة الشعوب العربية من خلال بضعة عقود خلت،نخرها سوس الفســاد ثم الفساد، فالنخبة السياسية “المخدومة” والتي وصلت/ركبت السلطة خارج الشرعية و المشروعية ، أو بواسطة انتخابات مزورة، أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، حدا بها إلى إعطاء الفساد قدرة خارقة على التوالد والتنامي والتجديد، وتزوده “بالآليات” تجددها ما استطاعت لتمكينه من فرض نفسه على البلاد والعباد، ويلقي بظلاله على مصالح الناس، أينما وجدوا،وكيفما كانت حالتهم الاجتماعية والمادية.
إن التمعن فيما حدث في تونس ومصر، وما حدث/ و يحدث في سوريا واليمن وليبيا الى الان، والبحرين والأردن، وفي جهات عربية عديدة ليعطينّ الدليل القـــاطع عاى أن سلطة الفساد تتجاوز المنطق والعقل، وبحكم العلاقات التي تفرضها السياسة على نخبها، تصبح المصالح بين أفراد هذه النخب خارج الشرعية والقانون.
فعلى يدها أهدرت قيم القانون وكل القيم الأخلاقية في العديد من بلدان العالم العربي، والعالم الثالث، وصودرت الحـــريات العامة، وغيبت الرقابة القضائية والشعبية، وألغيت مؤسسات المجتمع المدني، لتصبح “السيــاسة” مصدرا أساسيا للفســاد – تاعيــاشت- للوصولية ليس إلا والارتشاء، في تمظهرات ، أصناف ومستويات مختلفة.
إن اتساع الأدوار الإدارية المتمركزة منها والاقتصادية والمـــالية للفاعلين المركزيين والسياسيين الغير السليمة والحكيمة،أدى في العــالم المتخلف، وفي أقطار عديدة من العالم العربي، مغربه ومشرقة، إلى اتساع مواز لمنظومة الفساد المستشرية على سبيل المثال بالمغرب ،كما أشـــارت إلى ذلك التقارير الأخيرة للمؤسسات الدستورية : المجلس الأعلى للحسابات مع رئيسه ادريس جطو ،ومؤسسة الوسيط في شخصرئيسه ادريس بنزاكور والمجلس الاعلى للتربية مع السيد عمر عزيمان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع رئيسه السيد نزار بركة، بالإضافة الى تقارير المؤسسات الدستورية الأخرى كلها تقارير: انهيارات اقتصادية ،أخلاقية ،سيـــاسية وفســاد قــــاتل...الخ ما زالت آثارها السلبية جـــــاثمة على الأرض، تكبر، تتسع، وتنشر الخراب والخوف والهلع بين الناس، ما أدى في نهاية المطــاف إلى الإطاحة برؤوس “غليظة” ليست لها اذان منتة لنبض الشعب، كـانت إلى وقت قريب محصنة ولازالت بوسائل شتى جاثمة الشعب ،مخيـلة ،تمثـلاته ،تصوراته وطموحاته الجامحة.
ولأن الفساد الأخلاقي/ السياسي/ الإداري/ المالي، هو فساد مترابط ومتداخل مع ظواهر اجـرامية أخرى معقدة ، متصل بالمجتمع ومؤسساته المختلفة تقـاليده ومؤسساته ونخبه وسلطته، أصبح مكافحته مسالة جد صعبة وتكاد تكون مستحيلة بلغ معها اليـأس والقنوط حدا جعل العديد من الناس، يسلمون بأن المكافحة هاته، لن تكون سوى ضرب من العبث، أصبح معه الاعتيــاد على الفساد سنة و نهجا في العيش، وفي المعاملات والخدمات، وفي السياسات، له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهي عنه وهذا هو الأفظع في الإخطار والأخطاء الاجتماعية والأخلاقية بالخصوص.
لقد دخل الفساد في المغرب شكل “منظومة” في أداة فاعلة للقهر والضعف والهشاشة للتخلف الشامل، الذي يحبط ويقضي على كل إصلاح وعلى كل انتقال تنموي نموذجي وفشل كل المبادرات الديمقراطية، واستئثار جهات بالثروة الوطنية والامتيازات الاقتصادية والسياسية- الريع بجميع أشكاله- ، ما أدى في نهاية المطاف إلى تعميق الهوة بين الشعوب وطموحاتها في الانتقال والإصلاح النموذجي التنموي المطلوب المغرب بالخصوص.
دون شك ،المفسدون هم الصف “الأقوى” والشعب في الحلقة الأضعف في المغرب،وهم الذين يحاصرون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة والحرية ودولة الحق والقانون والمواطنة الحقة للمغرب والمغاربة،بل لهم القوة و الدينامكية الخارقة واللـوبيات الصعبة الاختراق يدفعون بها إلى طغيان قانون القوة، بدل قوة القانون، الهيمنة والتسلط عوض الانصات والحوار، وتمركز السلطة والمال والامتيازات بلا حدود في جهة واحدة، وإلى تغييب المراقبة والمساءلة…وفي اخر المطاف الى اتساع رقعة الانحلال الخـلقي، وإلى توسيع رقعة الجوع، الفقر والقهر والتهميش، بل هم الذين يشكلون قوة خفية تعتمد كل أساليب الاحتيال والقهر والتجاوز والإفساد والاستغلال، من أجل تركيز أنفسهم داخل المجتمع المغربي ككل من خلال المراكز والمناصب، ومكامن الثروة والمال واعاقة الإصلاح التقدم الحضاري ولن يكون نموذج تنمي الا بالقضاء على كل اشكال الفساد والمفسدين.
فالمفسدون ليسوا أشباح أو خوارق EXTRAS : سياسيون ، وزراء و مسؤولون ومقاولون، ومهربون، والمجرمون والمتاجرون في البشر باعوا ضمائرهم للشيطان، لا تميزهم عن من معهم في الإدارات العمومية، أو في البنوك وصناديق الدولة، والأحزاب السياسية ،بالمجالس الجهــوية والجماعات الترابية – القروية والعموديات- لقدرتهم العالية في التستر والتخفي وحداقتهم اللصوصية، وبراعتهم العالية في صياغة القرارات التسيير والتدبير الترابي الغير الشفاف والحكيم، على حساب المصالح العـــامة، وقدرتهم على احتقار الأغلبية المواطنين واستعبادهم.
يعني ان الفساد إرادة بشرية تتقصد الفساد والإفساد، ترعاه وتزكيه وتبرره وتدفع به ليكون قدرا محتوما، إنه “صناعة” سياسية، لا أخلاقية يحاول أصحابها من خلالها السيطرة على أكبر قدر من المكاسب الحرام، والامتيازات الحرام، والأموال الحرام والسلطة الحرام.
أية إستراتيجية أية إصلاحات، تخلصنا من هذا الجحيم ،جحيم الفسـاد والمفسدين؟
لحد الان يستطيع حراك الربيع العربي والحراك المماثل الى حد ما بالمغرب القيام بالمهمة الصعبة المستأصلة في الحصن الفاسد بالمغرب وممانعته الحادة .
فضائح الفساد المالي والإداري وفضائح الفساد الأخلاقي أن الفساد المالي/ الإداري/ الأخلاقي، المتشابك والمترابط، قد تحول خلال هذه العقود إلى «منظومة» متكاملة في اجهزة تميزها الصرامة ، امتدت بعد ما كونت وعمقت نفسها وثقافتها وأدواتها ومناهجها الإجرامية، في مراكز القرار واعدت لنفسها ثقافة واليات، إلى الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية، ما جعلها لا تكتفي بالاعتداء على المال العام نهبا واختلاسا، ولكنها ، بهدوء على احتكار السلطة وعملت على تغييب الرقابة وإلغاء دور الأحزاب والمجتمع المدني، وتعميق ثقافة الابتزاز والزبونية والمحسوبية في الإدارة المغربية العمومية، وإعطاء المشروعية للفساد والرشوة الانتخابية والاغتناء اللامشروع، ما أغرق المغرب في سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، التي عطلت/ وتعطل انتقاله الديمقراطي و تحوله الى النموذج التنموي و بكل الوسائل والأسلحة وإبطال كل ما يعيق الرؤية النموذجية التنموية بالمغرب.
دار لقمان على حالها رغم إعداد ملفات حارقة للمحاسبة القضائية تعبرعن هول الكارثة التي دبرتها » منظومة الفساد؟ ضد البلاد والعباد…ولكنها بقيت حتى الآن بدون معاقبة ا و استرجاع الأموال العمومية لخزينة الدولة رغم مطالبة البرلمان بمجلسيه تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول لفساد الذي ضرب مؤسسات المالية او لها علاقات بالاستثمار والمال والأعمال لكن الفساد كان أكبر ومتغولا مهيبا.
هل المغرب والمغاربة مستعدون في لحظة إلى عناق الممكن لنموذج تنموي صالح ؟وبالرغم من ذلك لن يكتب له النجاح الا بالقضاء على الفساد هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة في تبنيه بشكل سليم وأنجع.
أوكي..