استقالة جماعية للأطباء بالقطاع العام بالمغرب
الأنوال بريس
في البداية لابد من التأكيد على أننا واعون بالمشاكل التي يعيشها القطاع والمتمثلة أساسا في ارتفاع الطلب على العلاج واللجوء للمستشفيات العمومية مما يشكل ضغطا على مصالح بعض المستشفيات وخصوصا أقسام المستعجلات، وهذا راجع الى التحولات الديموغرافية والوبائية ببلادنا وتوسيع التغطية الصحية، خاصة نظام المساعدة الطبية (راميد) والاختلالات التي عرفها تنزيل هذا النظام لعدة أسباب لا يسع المجال لذكرها، نحن اليوم نعمل على تجاوزها.
ان انخراط العنصر البشري وخاصة الأطباء في الإصلاح كوسيلة وهدف في نفس الوقت، يعتبر أمرا ضروريا بل وحتميا، فبدون موارد بشرية بعدد كاف متمرسة وتتميز بالكفاءة والجدية، لا يمكن الرفع من مردودية المؤسسات الصحية. وبدون تحفيزات مادية ومعنوية وتحسين الوضع الأجري والمهني لن نصل الى ما نبتغيه جميعا. لذلك وبقناعة تامة اخترنا اشراكهم في مسلسل الإصلاح سواء من خلال مشاورات اعداد مخطط 2025 أو فتح باب الحوار معهم منذ تعيينا على رأس هذا القطاع.
غير أن هذه الوضعية الاحتجاجية خاصة التي تتبناها احدى النقابات القطاعية الأكثر تمثيلية لفئة الأطباء، لم تعرف أدنى هدنة، بل وتطورت الى أشكال غريبة مثل تلك التي أقدم عليها بعض الأطباء، واضعين أنفسهم في وضع غير قانوني وواضعينا نحن في موقف حرج إزاء استمرار حوار هادف وبناء معهم، مع العلم أن الحوار الاجتماعي القطاعي يهم كذلك كل النقابات الممثلة بالقطاع والتابعة للمركزيات النقابية، والتي دشنا معها كذلك مجموعة من اللقاءات دون أن نصل لحد الآن الى وضع إطار مؤسس للحوار. وهذا ما قمنا بالدعوة اليه يوم أمس الاثنين، الا أننا فوجئنا ببلاغ لأربع نقابات بالقطاع تقاطع الاجتماع كما قاطعت أسابيع من قبل لقاء تشاوريا لمناقشة مضامين المخطط القطاعي 2025.
وللمفارقة هي نفس النقابات التي وجهت يوم 20 أكتوبر رسالة مفتوحة الى وزير الصحة تعبر من خلالها عن استيائها وغضبها من عدم الاستجابة لانتظارات ومطالب الشغيلة الصحية واستمرار الحكومة والوزارة في التملص من الالتزامات مع الحكومات السابقة والتغييب غير المقبول للحوار القطاعي الجدي والاكتفاء بالتلميح عبر خرجات إعلامية.
الإشارة الى أن الامر يتعلق بشكل جديد من الاحتجاج، لأن الاستقالة من الوظيفة العمومية، طبقا لمقتضيات الفصل 77 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، يجب أن تكون فردية.
وبما أننا نعتبر الموارد البشرية الصحية هي حجر الزاوية بحيث لن يكون هناك تحسين للوضع الصحي ببلادنا دون انخراطها، فقد قررت الذهاب مباشرة للقائهم بالأقاليم والجهات ومحاورتهم استمرارا للنهج الذي سرت عليه منذ تعييني من طرف صاحب الجلالة على رأس هذا القطاع الاجتماعي الحيوي، عازما على تحسين الأوضاع المهنية للأطباء والممرضين وكل الأطر الصحية، وكذا العمل على إيجاد السبل الكفيلة بذلك بمعية القطاعات الحكومية الأخرى المعنية بتحسين الدخل، مع ربط ذلك بالرفع من المردودية.
وبالرجوع الى التقارير الرسمية الوطنية، خاصة التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، الذي رصد ضعفا في المردودية، حيث أكد على أن طول آجال مواعيد الكشف يعود أساسا الى نقائص في برمجة حصص الكشف، اذ تم الوقوف على عدم تواجد جميع الأطباء من نفس التخصص خلال نفس الأسبوع، إضافة الى تحديد حصة الى حصتين للكشف في الأسبوع لكل طبيب وحصر حصة الكشف غالبا في الفترة الصباحية، وكذا تحديد بعض الأطباء لعدد المرضى في كل حصة كشف، وهو ما يؤدي الى ضعف مردود هذه الكوادر الطبية. وهو ما تؤكده أيضا تقارير المفتشية العامة للوزارة.
لهذا فإننا عازمون على ضبط مسألة الحضور الى العمل والرفع من المردودية عبر توفير الوسائل والظروف للوصول الى إنتاجية أمثل وخدمة أفضل بالنسبة للمواطن، وكذا تفعيل المساطر الإدارية المرتبطة بذلك.
أما بخصوص الأسباب والدوافع المعلنة في الاستقالة والمتعلقة بالأوضاع التي يعيشها قطاع الصحة، التي لا تستجيب للشروط العلمية المعمول بها دوليا ولا ترقى لتطلعات المواطنين وحقهم في العلاج الذي يكفله الدستور (حسب نص الاستقالة)، فلابد هنا من التأكيد على أن مشاكل القطاع وهي معروفة لدى الجميع ليست وليدة اليوم، وقد بدلت مجهودات من قبل الحكومات المتعاقبة للتغلب عليها وفق الإمكانيات المتاحة، سواء على مستوى شبكة المؤسسات والتجهيزات أو الموارد البشرية. ففي إطار مواصلة سياسة إصلاح المنظومة الاستشفائية التي تنهجها الوزارة وتعزيز المكتسبات المحققة ومواكبة إعادة تأهيل المستشفيات على تقديم خدماتها للمواطنين في ظروف حسنة، وتعزيز العرض الصحي وتماشيا مع نظام المساعدة الطبية (راميد) تم ما بين 2012 و2018 فتح 22 مؤسسة استشفائية وثلاث مراكز استشفائية جامعية بسعة بلغت 2431 سريرا وباستثمار مالي بلغ 6,3 مليار درهم. أما فيما يخص مشاريع المؤسسات الاستشفائية في طور الإنجاز فتبلغ 49 مشروع ’ بما فيها 3 مراكز استشفائية جامعية بكل من طنجة وأكادير والعيون، مما سيرفع عدد الاسرة ب 8196 سريرا وباستثمار يفوق 16 مليار درهم، إضافة الى توسعة وتأهيل 16 مؤسسة استشفائية بسعة 406 سريرا واستثمار يقدر ب 1,1 مليار درهم. وذلك من في إطار استراتيجية وطنية جديدة تروم تأهيل البنيات التحتية وتجهيز هذه المستشفيات وتقوية الطاقم الطبي بها والرفع من وتيرة أشغال الصيانة. ولتفعيل هذا المخطط الإصلاحي حددت الوزارة الحاجيات المطلوبة والوجهات المستهدفة وذلك بتخصيص اعتمادات مالية سنوية تصل الى 850 مليون درهم لمدة خمس سنوات، ففيما يخص التجهيزات تم إعطاء الأولوية لحظيرة تجهيزات المستشفيات العمومية (الحيوية والثقيلة كأجهزة التصوير المغناطيسي والإشعاعي وأجهزة السكانير وأجهزة التحاليل المخبرية وأجهزة غرف العمليات والإنعاش وأجهزة تصفية الكلي....) وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تم:
- اقتناء 11 جهازا للتصوير المغناطيسي
- اقتناء 23 جهاز سكانير (الأشعة السينية)
- اقتناء 78 منصة الراديو (التصوير الإشعاعي)
- اقتناء 72جهازا للكشف بالصدى.
وبالنسبة لعمليات صيانة التجهيزات فتجدر الإشارة هنا كذلك إلى سياسة الوزارة في هذا المجال حيث شهدت الاعتمادات المالية المخصصة لعمليات الصيانة تطورا ملموسا بحيث انتقلت الميزانيات السنوية التي تخصصها ميزانية الدولة من 45 مليون درهما سنة 2008 إلى 120 مليون درهما سنة 2014 وإلى 187 مليون درهما خلال السنة الحالية (اي سنة 2018).
وعرفت نسبة تغطية عقود صيانة التجهيزات الثقيلة نموا ملحوظا، حيث انتقلت كذلك من نسبة % 70 سنة 2014 لتصل حاليا نسبة % 100 وتشكل التجهيزات الثقيلة نسبة 80 % من الغلاف المالي السنوي الذي يشمل أعمال الصيانة.
وموازاة مع هذه المخططات تم وضع وتقنيين إجراءات عملية محكمة تروم سياسة التدبير اللاممركز لهذه العقود وذلك عبر تحويل الاعتمادات المتعلقة بها من المستوى المركزي وتفويضها في المرحلة الأولى إلى المديريات الجهوية ثم مصالح المندوبيات الإقليمية لتستقر حاليا لدى المستشفيات الإقليمية، بهدف تسريع وتيرة تغطية جميع العمليات المتعلقة بالصيانة على المستوى الإقليمي.
أما بالنسبة للشق المتعلق بتحسين أوضاع الأطر الصحية العاملة بالمستشفيات العمومية بمختلف أصنافها، يشرفني إحاطتكم علما أنه في إطار الحوار الاجتماعي تم توقيع محضر اتفاق حول حصيلة الحوار الاجتماعي بخصوص وضعية موظفي وزارة الصحة بتاريخ 05 يوليو 2011 بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين حيت تم تنفيذ 24 نقطة من أصل 38. أما بالنسبة للنقط المتبقية فهي في طور الانجاز باعتبارها نقط مشتركة بين وزارة الصحة وقطاعات أخرى لاسيما وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة.
من أهم النقط المنجزة والتي تخص تحسين وضعية الأطباء والممرضين، نخص بالذكر ما يلي:
- · الرفع من مبالغ التعويض عن الحراسة والخدمة الإلزامية بنسبة 50%؛ بكلفة مالية بلغت 44 مليون درهم.
- الرفع من مبلغ الأخطار المهنية؛
- الرفع من التعويض عن التخصص لفائدة الأطباء الاختصاصيين؛
- تحفيز الطبيب الرئيس والممرض الرئيس العاملين بالمراكز الصحية والمستوصفات القروية بمنحهم تعويض شهري؛
- تحفيز العاملين بالوحدات الصحية المتنقلة؛
- منح الأطباء العامين المزاولين لمدة معينة في وزارة الصحة التخصص في الصحة الجماعاتية / العائلية؛
- استفادة الممرضين المجازين خريجو مدارس تكوين أفواج 1992 و1993 و1994 و1995 من أقدمية اعتبارية مدتها سنتان؛
- إضافة درجة جديدة "الدرجة الاستثنائية" لفائدة الممرضين؛
- معادلة دبلوم الطور الأول لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي بالإجازة ودبلوم الطور الثاني بالماستر، بكلفة مالية بلغت 250 مليون درهم.
- إقرار نظام LMD بالنسبة للممرضين.
- الاطباء المقيمون والداخليون.
× الإدماج المباشر للمقيمين بالسنة الثانية خلال سنة 2012 وبالسنة الأولى خلال سنة 2013؛
× مراجعة المنحة الممنوحة للأطباء الداخليين بقيمة 600 درهم شهريا؛
× مراجعة المنحة الخاصة بالأطباء المقيمين الغير متعاقدين بقيمة 500 درهم شهريا.
وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وتجسيدا للاهتمام والعناية التي توليها الحكومة لهذا القطاع الحيوي، وترسيخا لنهج الحوار المستمر بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، تم إعطاء انطلاق جولة جديدة من الحوار الاجتماعي القطاعي -بالموازاة مع الحوار الاجتماعي المركزي- مع مختلف الشركاء الاجتماعيين وفي مقدمتهم ممثلي هيئة الأطباء لتدارس النقط العالقة التي من شأنها تحسين أوضاع اشتغال الأطباء العاملين بقطاع الصحة وتشجيعهم على الاستمرار في العمل.
- تم عقد الاجتماعات التالية مع النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام:
ü اجتماع برئاسة وزير الصحة يومي 12 أبريل و11 أكتوبر 2018.
ü اجتماعات اللجن التقنية أيام 14 و26 شتنبر و15 أكتوبر 2018.
- تم التركيز خلال هذه الاجتماعات على مناقشة بعض المطالب المنبثقة عن اتفاق 05 يوليو 2011، والتي لم تتحقق بعد لكونها مرتبطة بقطاعات وزارية أخرى، وتتعلق هذه المطالب أساسا ب:
ü تخويل الرقم الاستدلالي 509 بكامل تعويضاته والذي يتطلب مبلغ 812 662 684 درهما خاما.
ü إضافة درجتين فوق درجة خارج الإطار حسب شروط ترقي المستفيدين وكذا الأرقم الاستدلالية الخاصة بهم.
ü الرفع من مناصب الإقامة والداخلية.
ü تحسين ظروف الاشتغال واستقبال المواطن المغربي، مع توفير الشروط العلمية والمعايير الطبية لعلاجه.
ü تقنين مزاولة الطب بالقطاع الخاص بالنسبة لأطباء القطاع العام.
ü مراجعة المرسوم الخاص بالحراسة والالزامية.
ü إعادة الاعتبار للطب العام كتخصص بالمنظومة الصحية، وكذلك الصحة العائلية والجماعاتية.
- التوقيع على محضر اجتماع بين الوزارة والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام بتاريخ 26/10/2018.
- وتمت برمجة اجتماع يوم الاثنين 29 أكتوبر 2018 برئاسة السيد وزير الصحة مع الشركاء الاجتماعيين.
إضافة إلى ذلك، يشرفني أن أخبركم أن وزارة الصحة من خلال مخططها 2025 تطرقت لهذا الموضوع في المحور 19 المتعلق بتحسين ظروف العمل وتحفيز مهنيي الصحة وضمن الإجراءات التي يتضمنها هذا المحور نجد:
- تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتكوين المستمر لفائدة موظفي الصحة.
- إحداث مكافأة عن المردودية والأداء والعمل على الرفع من التعويض عن الأخطار المهنية.
- منح تحفيزات للموظفين العاملين في المناطق النائية والصعبة بالعالم القروي.
كما يجب أن نشير الى أن الوزارة استطاعت الحفاظ على 4000 منصب مالي برسم 2019 للسنة الثانية في أفق الرفع من هذا العدد مستقبلا، كما عرفت ميزانية 2019 الرفع من الميزانية المحصص لقطاع الصحة ب 10 %، مما جعلنا نرفع من عدد مناصب الأطباء المقيمين مع تيسير المساطر لاجتياز مباريات الإقامة لموظفي الصحة، الأمر الذي استحسنه أطباء القطاع العام.
وفي الأخير لا بد من الـتأكيد على أن باب الحوار سيظل مفتوحا ومستمرا مع الشركاء الاجتماعيين من أجل إيجاد الحلول الملائمة تلبي احتياجات المهنيين وتساهم في الرقي بالخدمات الصحية التي يستحقها المواطنات والمواطنين.
أوكي..