نحن لا نسقط لغتنا العربية بأيدينا
الأنوال بريس
الحقيقة أدهشتني هذه الهبّة من قبل العديد من المواطنين المغاربة، الذين أصبحوا غيورين على اللغة، وأصبحت العربيّة عزيزة عليهم! فتهافتت الشعارات والبيانات من قبل المؤسسات الرسميّة وغير الرسمية تعلن استنكارها ورفضها للقانون وتناشد العامة والخاصة بأن تشبثوا بلغتكم وحافظوا عليها.
ونشر مجمع اللغة العربيّة بيانًا دسمًا غذّاه بالشعارات والوعود والنداءات لدعم اللغة العربية وإعادة مكانتها معلنًا أننا أمام حرب على الوجود! ثم توّج تصريحات بإطلاق "اللغة العربيّة" وذلك بالتعاون مع المؤسسات المختلفة في المجتمع المدني، ودعا جميع الأطر الفاعلة لوضع اللغة العربية في سلم الأولويّات.
ولو كنت أعلم أن هذا القانون سيثير حفيظتنا، ويجعلنا نهبّ هذه الهبّة القوميّة للدفاع عن لغتنا وللمحافظة على كرامتها وصيانة مكانتها، ووضعها في سلم أولوياتنا لتمنيت لو أقر ّ هذا القانون منذ زمن!
ولكن الآن، بعد أن مرّت موجة الذعر وهدأنا قليلا، أرى أن نعيد النظر في الأمر من جديد، فنضع النقاط على الحروف، ونسأل الأسئلة الصحيحة: كانت اللغة العربيّة لغة رسمية في البلاد بكل ما تعنيه هذه الصفة على الصعيد العملي حقّا، كانت العربية - دستوريا تتمتع بحضور قوي ومكانة مرموقة وبارزة في المشهد العام حتى نخشى على كل ذلك الآن من الفقد والغياب؟ وما الدور الذي لعبناه نحن المغاربة في تحديد مكانة اللغة العربيّة؟ ألا تنبع مكانة اللغة أصلا من مكانة الناطقين بها ومن دورهم الفاعل إزاءها؟
لقد اتخذ "اندماج" المغاربة باللغة العربيّة وجوها عديدة من ضمنها الاندماج اللغوي، فباتت جزءًا من كلامنا اليومي والصغار يميّزون أصل الكلمات عربية ، لأن آذانهم اعتادت على سماع كلمات بالعربية منذ الولادةلقد أسقطت اللغة العربية حين رفع لافتات باالفرنسية والانجليزية على واجهات محلات التجاريّة وأسماء أجنبية لمطاعم ومقاهي. وأصبحنا نجتهد أحيانا في إيجاد البديل العربي ، والأدهى من ذلك وأمرّ، أن لغة التفكير لدى البعض أصبحت بالعربية، ولربما يحلم البعض في منامه بالعربية أيضا.
والمدهش حقا أن بعض المثقفين بالذات يفاخرون بالتحدث بالعربية، ويجيدون التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بها بشكل أفضل دون جهد وعناء، فكأنّ العربية عاجزة عن مدّهم بالمفردات والمصطلحات والعبارات المناسبة، وقد بلغ الأمر بهم أن أصبحوا على قناعة تامة بأنّ التحدث بالعربية هو دليل على فكر متنوّر، ورؤية متقدمة، وثقافة عالية فكأن لسان حالهم يقول "أنا أتحدث بالعربية إذًا أنا أفضل".
فدعونا إذًا نواجه أنفسنا، نحن لا نسقط لغتنا في كل مجلس وفي كل نقاش وفي كل حوار بيننا وبين أنفسنا.
وأن العربية هي لغة المستقبل التي سيرتقون بها اجتماعيّا وعلميّا في المدارس والمؤسسات.
لغتنا عبرهواتفنا حين استبدلنا حروف العربية بحروف فرنسية وإنجليزية في رسائل "الواتساب" وغيرها.
لقد أسقطت اللغة العربية حين رفع لافتات باالفرنسية والانجليزية على واجهات محلات التجاريّة وأسماء أجنبية لمطاعم ومقاهي.
لقد أسقطت اللغة حين كتب اسماء بالفرنسية والإنجليزية على صفحات في "فيسبوك" دون العربية.
لن نسقط لغتنا هي المواهب الأدبيّة لدى أطفالنا ليصبحوا مواطنين أكفاء في هذه الدولة.
اللغة العربيّة لا تحتاج إلى شعارات وتظاهرات، ولا إلى تخصيص أعوام دراسيّة ومؤتمرات لرفع مكانتها، بل تحتاج إلى إحداث تغيير جذري في كيفية تعاملنا معها ونظرتنا إليها وتصورنا لها لدورها الفاعل في تعزيز هوية وثقافة وحضارة ، نطالب الدولة برفع مكانة اللغة العربيّة يتوجّب علينا أن نرفع مكانتها .
أوكي..