هيومن رايتس تؤكد انتهاك الإجراءات القانونية خلال محاكمات الصحافيين والنشطاء والمعارضين المصريين
تكثف السلطات المصرية، استخدامها لقوانين مكافحة الإرهاب ومحاكم الطوارئ، لمقاضاة الصحافيين والنشطاء والمعارضين، بصورة غير عادلة بسبب انتقاداتهم السلمية، وفق ما أعلنت، أمس الاحد، منظمة «هيومن رايتس ووتش».
وحسب بيان المنظمة، فإن «هذه الممارسات المسيئة التي تشوه إجراءات مكافحة الإرهاب تحدث في الوقت نفسه الذي ترأست فيه مصر إحدى لجان الأمم المتحدة الرئيسية لضمان الامتثال لقرارات مكافحة الإرهاب، وبينما كان أكبر مسؤول في الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، يزور مصر».
نديم حوري، مدير برنامج مكافحة الإرهاب في «هيومن رايتس ووتش» قال : «في حين تواجه مصر تهديدات أمنية، استغلت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه التهديدات كغطاء لمحاكمة المنتقدين السلميين وإحياء محاكم أمن الدولة المشينة من عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك».
ووفق المصدر «تجمع مصر بين قانون سيئ ومحاكم غير عادلة، وكانت النتيجة كارثية بطبيعة الحال، في حين يغض حلفاء السيسي في الغرب النظر».
وأضاف: «تفخر مصر بتقديم نفسها كعنصر فاعل رئيسي في الحرب ضد الإرهاب، لكن سجلها المحلي يظهر أنها تحارب المنتقدين المسالمين تحت غطاء مكافحة الإرهاب».
وبين أن أكثر ما يثير القلق هو أن الجهات الفاعلة الدولية المسؤولة عن ضمان استراتيجية مكافحة إرهاب فعالة ومتوافقة مع حقوق الإنسان التزمت الصمت التام بشأن هذه الحملة.
حملة اعتقالات..وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في مارس 2018، شنت الشرطة المصرية وقطاع الأمن الوطني موجة من الاعتقالات لمنتقدي السيسي، طبقاً لحوري، الذي أوضح أن حملة القمع استمرت بعد الانتخابات عبر احتجاز ناشطين وصحافيين بارزين ومحاكمتهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015.
والقانون هذا، كما لاحظت المنظمة «مجموعة واسعة من الأفعال، بما في ذلك نشر أو ترويج أخبار تتعلق بالإرهاب إذا كانت تتناقض مع التصريحات الرسمية».
وأشارت إلى «إحالة بعض القضايا إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وهذا نظام قضائي موازٍ يعمل منذ أكتوبر 2017، بموجب حالة الطوارئ التي تدعي الحكومة أنها تُستخدم فقط ضد الإرهابيين ومهربي المخدرات»، لافتة إلى أن «هذه المحاكم لا تضمن العدالة، ولا تخضع قراراتها للاستئناف».
احتجاز وإحالة..ووثقت «هيومن رايتس ووتش» احتجاز العشرات من الناشطين والصحافيين الذين أُحيلوا إلى المحاكمة بتهم تتعلق بالإرهاب منذ عام 2015، عندما صدر قانون مكافحة الإرهاب الجديد.
في كل حالة، وفق المصدر «تستند التهم، على ما يبدو، إلى نقد سلمي أو معارضة للسلطات. وبعض الذين حوكموا يتنمون إلى أحزاب وحركات معارضة مثل حزب مصر القوية وحركة شباب 6 أبريل، في حين أن آخرين هم صحافيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان».
ومن بين المعتقلين مؤخراً، مدون ومدافع معروف عن حقوق الإنسان، وهو وائل عباس، الذي اعتقلته قوات الأمن في 23 مايو 2018، واحتجزته لمدة 36 ساعة تقريبا في مكان مجهول قبل أن تعرضه على النيابة.
إضافة إلى أمل فتحي، ناشطة سياسية وزوجة رئيس «المفوضية المصرية للحقوق والحريات». وكذلك، شادي أبو زيد، كوميدي معروف بفيديو لاقى انتشارا واسعا في 2016، حيث قام بنفخ واقيات ذكرية وسلمها لقوات الأمن التي تحرس ميدان التحرير في ذكرى ثورة 2011.
وأحالت السلطات هؤلاء الأشخاص إلى «نيابة أمن الدولة العليا»، فرع النيابة العامة، الذي يشرف عادة على قضايا الإرهاب، وكثيرا ما يُمنع المحامون من مرافقة موكليهم للاستجواب.
وأوضحت المنظمة في تقريرها، أن «وكلاء النيابة وجهوا للعديد من النشطاء، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، تهم مساعدة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها أو نشر أخبار كاذبة أو الانضمام إلى جماعة محظورة، أو بالانتماء للجناح الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، المجموعة السياسية التي ينتمي إليها الرئيس المنتخب السابق محمد مرسي».
مؤامرة..وحسب المنظمة، «تسعى حكومة السيسي، بمساعدة وسائل الإعلام الرئيسية، التي تقول منظمة (مراسلون بلا حدود) إنها تحت سيطرة متزايدة من قبل أجهزة الاستخبارات، إلى تصوير مؤامرة واسعة ضد أمن مصر تشمل ناشطي حقوق الإنسان والحقوق العمالية، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وصحافيين، ومحامين حقوقيين».
وذكرت أن، في مارس 2018، نشرت وزارة الداخلية شريط فيديو، أسمته «خيوط العنكبوت»، يصور جماعات متنوعة من بينها «الدولة الإسلامية» وجماعة «الإخوان المسلمين»، وجماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك «هيومن رايتس ووتش»، كجزء من مؤامرة ضد أمن مصر.
ومنذ عام 2013، صنفت مصر مجموعة واسعة من المجموعات كـ «منظمات إرهابية»، بما في ذلك جماعة «الإخوان المسلمين» وحركة شباب 6 أبريل التي لعبت دورا رئيسيا في الاحتجاجات ضد مبارك عام 2011؛ وروابط مشجعي كرة القدم. وقد أصدرت «محكمة القاهرة للأمور المستعجلة»، محكمة غير متخصصة، معظم هذه القرارات.
غطاء أممي..وفي حين «كانت مصر تستخدم محاكم مكافحة الإرهاب لإسكات المعارضة، من يناير 2016 إلى يناير 2018، ترأست كذلك، لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، وتضم هذه الهيئة الفرعية جميع أعضاء المجلس الـ15 الذين يراقبون تنفيذ الدول الأعضاء لقرارات ومقررات مجلس الأمن المختلفة حول مكافحة الإرهاب».
ويشدد قرار مجلس الأمن 1624 لعام 2005، الذي يتناول التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، على وجوب حرص البلدان على امتثال جميع التدابير التي تتخذها لتنفيذ القرار لكامل التزاماتها بموجب القانون الدولي، ولا سيما القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأشار تقرير المنظمة، إلى أن «محاكم أمن الدولة طوارئ محاكم استثنائية مرتكزة على قانون الطوارئ المصري رقم 162 لسنة 1958».
لم تنشر السلطات المصرية، إلى أي معلومات عن عدد الأشخاص الذين أُحيلوا إلى هذه المحاكم منذ ذلك الوقت، لكن هذه المحاكم، تبعاً للتقرير» استُخدمت ضد أعداد كبيرة من النشطاء السلميين، بما في ذلك نشطاء حقوق السكان الأصليين».
وفي نوفمبر 2017، «أحالت السلطات 32 ناشطا في مجال حقوق السكان الأصليين في النوبة إلى هذه المحاكم لمشاركتهم في تظاهرة غير مرخصة، هؤلاء كانوا يحتجون على سياسات تحرم السكان النوبيين، (أقلية عرقية في جنوب مصر)، من العودة إلى أراضيهم الأصلية، التي هُجروا منها في الستينيات».
وأعتبرت المنظمة أن «لجوء الحكومة إلى هذه المحاكم ينتهك العديد من المعايير الدولية، بما في ذلك المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن لكل متهم الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة، فضلا عن الحق في الاستئناف والحصول على مراجعة قضائية للأحكام».
سلطات للسيسي..ولدى السيسي «سلطات واسعة على هذه المحاكم، حيث يستطيع هو أو رئيس الوزراء، بصفته مندوبا عنه، تعيين القضاة وتحديد الجرائم التي يجب إحالتها إلى تلك المحاكم»، تبعاً لـ«هيومن رايتس واتش»، التي أكدت عدم وجود «إجراءات استئناف لقرارات المحاكم، إذ تُعتبر نهائية عندما يصادق الرئيس عليها، ما يدعو للقلق، لأن قانون مكافحة الإرهاب في مصر يعاقب على العديد من الجرائم بالإعدام».
وحول ذلك، بينت المنظمة أن «بموجب المعايير الدولية، على إجراءات قضايا عقوبة الإعدام أن تتطابق مع أعلى معايير استقلال القضاء وكفاءته ونزاهته ويجب أن تلتزم بصرامة بجميع حقوق المحاكمة العادلة»، مشددة على معارضتها عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
وذكرت بأن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بـ «تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب»، أعتبر عقب زيارته لمصر في عام 2009، أن المثول أمام محاكم الطوارئ، يثير «المخاوف في صدد إرساء العدل بطريقة مستقلة وغير منحازة»، موضحاً أن «هـذه المحاكمات لا تمتثـل كذلك للحق في مراجعة الإدانة والحكم أمام محكمة أعلى».
دور مبارك..وبينت المنظمة أن «محاكم الطوارئ اكتسبت سمعتها الشائنة خلال إدارة الرئيس السابق حسني مبارك، حيث استخدم تلك المحاكم على نطاق واسع في مقاضاة الطلاب والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين وأعضاء النقابات وأولئك الذين يُشتبه في معارضتهم للحكومة أثناء الفترة الطويلة التي قضتها مصر في ظل حالة الطوارئ».
على الرغم من أن المادة 97 من دستور 2014 تنص على أن «لا يحُاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي»، وأن «المحاكم الاستثنائية محظورة»، فقد استأنفت محاكم الطوارئ عملها. وفي أغسطس2017 وأبريل 2018، رفع عدد من المحامين دعاوى تتحدى دستورية محاكم الطوارئ أمام «المحكمة الدستورية العليا». مع ذلك، لم تتخذ المحكمة قرارا بعد.
وقبل أن تعيد الحكومة إنشاء محاكم الطوارئ في أكتوبر 2017، وثقت «هيومن رايتس ووتش» إحالة السلطات النشطاء السلميين، الذين غالبا ما يُعتقلون خلال التظاهرات السلمية، إلى المحاكمة أمام «محاكم الإرهاب» وهي دوائر متخصصة في محاكم الجنايات أنشأتها الحكومة في ديسمبر 2013 للإشراف على قضايا الإرهاب.
على خلاف محاكم الطوارئ، فإن محاكم الإرهاب جزء من نظام العدالة الجنائية، بالتالي فهي ملتزمة بالإجراءات المبينة في «قانون الإجراءات الجنائية» للبلد.
محاكم الإرهاب..أنشأت السلطات هذه المحاكم وأسندت إليها بعض القضاة بعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو 2013. اعتُبر تعيين قضاة محددين في ذلك الوقت محاولة للالتفاف على انحساب عدد من القضاة من العمل ـ لاستشعار الحرج ـ في قضايا معينة يعتبرونها ذات دوافع سياسية. ثم استُخدمت محاكم الإرهاب لمقاضاة الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنصار مرسي في المحاكمات الجماعية التي غالبا ما انتهكت الإجراءات القانونية، وغالبا ما انتهت بإصدار أحكام الإعدام.
كما استخدمت السلطات هذه المحاكم لمقاضاة النشطاء الذين يحتجون على أعمال الحكومة الأخرى. على سبيل المثال، وثقت «هيومن رايتس ووتش» أن «محاكم الإرهاب» قاضت وأدانت عشرات المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في عامي 2016 و2017 لمعارضة قرار السيسي بالتخلي عن جزيرتين على البحر الأحمر لصالح المملكة العربية السعودية.
بالتوازي مع محاكم الطوارئ، تحتفظ مصر بترسانة قانونية ضخمة باسم مكافحة الإرهاب.
فقد، أصدر السيسي القانون رقم 8 لسنة 2015 لتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، ما سمح للنائب العام بالطلب من محاكم جنائية معينة في القاهرة، بإضافة أفراد أو مجموعات إلى «قوائم الإرهاب»، وفق المنظمة، التي أكدت أن «أمام المحكمة 7 أيام للنظر في الطلب»، مشيرة إلى «أُدرج الآلاف من الأفراد والمجموعات من دون أي جلسات استماع أو إجراءات قانونية حقيقية».
إضافة إلى ذلك، أصدر السيسي مرسوما في أكتوبر 2014 يوسع فيه اختصاص المحاكم العسكرية، ومنذ ذلك الوقت، أُحيل حوالي 15 ألف مدني، بمن فيهم مئات الأطفال، إلى المدعين العسكريين.
أوكي..