وضعية تسيير المسرح الوطني محمد الخامس ..عشر سنوات بعد تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات

الأنوال بريس
ثماني مؤشرات على ضعف الإدارة وعدم القدرة على تملك مقومات ومبادئ الحكامة الجيدة .
يضطلع المسرح الوطني محمد الخامس باعتباره مؤسسة عمومية تحت وصاية وزارة الثقافة على غرارالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية وأرشيف المغرب،بأدوارمهمة في تنفيذ السياسة العمومية في المجال الفني والثقافي.غيــر أن واقع الحال يظهرأن هذه المعلمة الثقافية لم تفلح في مسايرة برامج تحديث الإدارة العمومية بالانخراط العملي في أسلوب التدبير القائم على مبادئ الحكامة الجيدة ونجاعة الأداء، كما أن وضعيتهاالإدارية تبقى مرتبطة إلى حد كبيربظروف تسيير جد خاصة لها علاقة مباشرة بمؤهلات أصحاب القرارالإداري وبمستوى القدرة لديهم على تملك مقومات الحكامة والفعالية والاستجابة إلى متطلبات المرحلة.
هذا الضعف الكبير في أداء المؤسسة، سبق وأن كان موضوع ملاحظات وتوصيات لقضاة المجلس الأعلى للحسابات في إطار مراقبة التدبير ومراقبة استخدام الأموال العامة بالمسرح الوطني محمد الخامس سنة 2008؛ حيث سجل التقرير، خلال تلك السنة البعيدة، تركيزالإدارة المسيرة للمسرح أساسا على وضع جدول لاستعمال القاعة في غياب سياسة ذات معالم واضحة لاقتناء العروض الفنية والتقييم المسبق لوقعها على المسرح وعلى عموم الجمهور، وغياب أعمال استراتيجية يقوم عليها دور المسرح الريادي كعدم قيام المسرح الوطني بتصويربعض الأعمال المنتجةحتى يتمكن من فهرستها، وغياب مشاركة المسرح الوطني في التظاهرات المسرحية المنظمة بالخارج، ومحدودية مبادرة المسرح الوطني على تشجيع البحث والإبداع في مجال المسرح مع غياب أية بحوث سواء كانت بمبادرة أو احتضان أو تأطير من طرفه،وغياب مركز للتوثيق (خزانة، مكتبة الأشرطة، مكتبة الصور الفوتوغرافية، إلخ...)، وغياب أي مبادرة لفهرسة الأعمال المسرحية، وعدم قيام المسرح الوطني بمهام التكوين الفني والتقني في مجالات المسرح وفنون العرض...فعن أي مسرح يمكن أن نتحدث بعد هذا التقرير، في غياب هذه الأعمال والأدوار الاستراتيجية الموكولة لإدارة المسرح والتي لا مبرر لبقائه بدونها ؟؟
لكل هذه الاعتبارات السابقة، وبعد مرور عشر سنوات على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ارتأينا عبر هذاالبحث تسليط الضوء وفتح نقاش إيجابي، من جهة على مستوى تفاعل مؤسسات الرقابة مع طريقة تدبيرالمسرح الوطني محمد الخامس، مع التركيز على دور وزارة الثقافة الوصية ودور مجلس النواب، ومن جهة أخرى تقييم أداء الجهاز الإداري للمسرح الوطني من حيث أسلوب القيادة والإدارةوالإطار القانوني والتنظيمي للمسرح في علاقة مع مجالات الأنشطة التي ينظمها،وعلى الخصوص شكل وآليات ومساطر الدعم الفني والثقافي ومستوى شفافية ومقروئية الحسابات الإدارية والمالية، كي لا تبقى مجهودات المجلس الأعلى للحسابات مجرد عمل اعتيادي ينتهي بإعداد تقارير لا أثر لها على مستوى تحسين أداء المؤسسات والقطاعات العمومية..وقد أفرز البحث مجموعة من الاختلالات البنيوية التي لا زالت قائمة، رغم مرور عشر سنوات على إصدار ملاحظات وتوصيات تقريرالمجلس الأعلى للحسابات، نورد أهمها:
أولا: ضعف مواكبة وتفاعل الوزارة الوصية مع تقرير المجلس
في جواب لوزارة الثقافة على تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008، وبغرض تجاوز النقائص المسجلة، التزمت الوزارة بما يلي:
- بخصوص ضعف ارتياد الجمهور للمسرح، التزمت الوزارة بإحداث خلية لجمع المعلومات لدى الجمهور وتحديد حاجياته بناء على استمارة سيتم اعتماد البرمجة على أساسها. كما أرجعت ضعف ارتياد الجمهور إلى غياب الثقافة المسرحية والانعكاسات السلبية للتكنولوجيا الجديدة للإعلام، وأن الحل المعتمد أمام هذه الوضعية هو توزيع الدعوات المجانية.
-التزام المجلس الإداري بالتركيز على مخطط للتسويق مستقبلا.
-الالتزام بخلق لجنة استشارية للشؤون الفنية داخل القطاع الوصي تتولى تحديد سياسة لشراء العروض وتحديد خريطة لتقديمها إلى الجمهور.
ونتساءل الآن مع المتتبع عن نتائج اشتغال هذه اللجان التي أوكلت إليها الوزارة مهام إعداد مخطط للتسويق وسياسة شرائية للعروض الفنية وعن مستوى وقعها على أداء المسرح.
كما اكتفت الوزارة الوصية، في جوابها على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، بتبرير عدم تنظيم المسرح لتظاهرات بالخارج أو إبرام اتفاقيات مع الخارج، وعدم إحداث مركز للتوثيق وعدم تسريع إنجاز توصيات الافتحاص النظامي والتدبيري الخاص بالموارد البشرية الذي قامت به أنذاك مديرية المنشآت العامة والخوصصة، بعدم توفر الإمكانيات المالية اللازمة.
وفي هذا الباب، وبعد عشر سنوات من الإدارة، نتساءل مجددا حول المبادرات التي تم اتخاذها من أجل تجاوز هذه العوائق المادية وتنزيل توصيات المجلس الأعلى للحسابات.
على العموم نجد أن جواب الوزارة الوصية على تقرير المجلس، في العديد من جوانبه، تطبعه السطحية والغرائبية؛ على سبيل المثال لا الحصر، حين تجيب الوزارة بما يلي"يتوفر المسرح على ورشة لتكوين الممثلين، ولم يتم تقنين إحداث هذه الورشة بقرار ولم ترد في الهيكلة التنظيمية للمسرح، وعلى كل حال يعد التكوين مهمة من مهام المسرح الوطني محمد الخامس". وكأن الجواب يشرح الماء بالماء؛ بالطبع فالتكوين الفني والتقني من المهام الموكولة للمسرح منذ إحداثه، وعلى الجهاز الإداري تحديد وتنزيل آليات تفعيلها القانونية والتنظيمية..... أو حين يرجع جواب الوزارة "ضعف ارتياد الجمهور للمسارح" إلى "غياب الثقافة المسرحية والانعكاسات السلبية للتكنولوجيا الجديدة للإعلام وأن الحل للمساعدأمام هذه الوضعية هوتوزيع الدعوات المجانية". فكيف يعقل أن يأتي هذا الجواب وبهذه السرعة من مسؤولين مشرفين على وضع وتنزيل السياسة الثقافية، بما يفترض فيهم من إبداع وقوة اقتراحية لتكريس الثقافة المسرحية لدى المواطنين وتوظيف إيجابيات التكنولوجيا الجديدة للإعلام في هذا الورش بدل تبرير الفشل بسلبيات هذه التكنولوجيا. بالإضافة إلى أن جواب الوزارة يتضمن خلطا واضحا بين مفهومي الاستراتيجية وبرنامج العمل وبين مفهومي نظام الإعلام والتواصل وتطوير حظيرة الأجهزة المعلوماتية.
وبالمناسبة، ندعووزارة الثقافة، أن تتخذ إجراءات استعجالية لتجاوز هزالة حصيلة عمل المسرح الوطني بالنظر إلى حجم المهام الموكولة إليه، ولضمان أداءالمؤسسة لجميع مهامها المقررة قانونابمايتماشى مع استراتيجيتهاوالتوجه العامل لسياسةالثقافية.
ثانيا: غياب الدور الرقابي للمؤسسة البرلمانية
بصفة عامة، لا يحظى تدبير المؤسسات العمومية الثقافية باهتمام كبيرمن لدن النواب البرلمانيين؛ فالأسئلة الشفوية والكتابية والاجتماعات الموضوعاتية للنواب لا تولي عناية بشؤون تدبير المؤسسات الثقافية تحت وصاية وزارة الثقافة، بقدر اهتمامها بشؤون الوزارة على المستويين المركزي والجهوي.
كما أن الوزارة الوصية بدورها لا تبدي تجاوبا مع أسئلة البرلمانيين حول الموضوع رغم قلتها. فحسب المعطيات الواردة في الموقع الرسمي لمجلس النواب المغربي، لم تجب وزارة الثقافة على 121 سؤالا شفويا من أصل 154 سؤال شفوي تخص قطاع الثقافة برسم الولاية الحكومية 2012-2016، ثلاثة فقط من هذه الأسئلة تتعلق بتدبير المؤسسات العمومية الثقافية تهم وضعية المكتبة الوطنية للمملكة المغربية واستعادة مخطوطات الخزانة الوطنية المنهوبة ووضعية أرشيف المغرب، ولم تتم الإجابة عنها هي أيضا.كما لم تجب الوزارة خلال هذه الولاية عن 288 سؤال كتابي من أصل 384سؤال كتابي يخص قطاع الثقافة بصفة عامة، واحد منها فقط يتعلق بأداء المكتبة الوطنية للمملكة للأدوار المنوطة بها، والذي لم يحظ بدورهبجواب من الوزارة. أما وضعية تسيير المسرح الوطني محمد الخامس فلم يتم الاستفسار عنها طيلة سنوات الولاية الحكومية السابقة2012-2016، على الرغم من أن رمزية هذه المعلمة الثقافية والأدوار الإشعاعية المفترض أن تلعبها على المستويين الدولي والوطني تستلزم مزيدا من الاهتمام والمتابعة من طرف نواب الأمة؛ من خلال الأسئلة الشفهية والكتابية أو تنظيم زيارة للمؤسسة في إطار مهمة استطلاعية أو استدعاء مدير المؤسسة لإحدى جلسات لجنة التعليم والثقافة والاتصال.
ثالثا: تواري دور المجلس الإداري للمؤسسة
حسب المادة الرابعة من ظهير شريف رقم 1.16.101 صادر في 20 يوليوز 2016 بتنفيذ القانون رقم 51.15 القاضي بإعادة تنظيم المسرح الوطني محمد الخامس، يتألف مجلس الإدارة الذي يترأسه وزير الثقافة من سبعة ممثلين عن الدولة وأربع شخصيات من بين الفنانين المهنيين في ميداني المسرح وفنون العرض بتشاور مع الهيئات المهنية الفنية، أكاديمي وناقد متخصصين مشهود لهما بالكفاءة العلمية والتقنية في ميداني المسرح وفنون العرض، ممثلين اثنين عن مستخدمي وأعوان المؤسسة من بين النقابات الأكثر تمثيلية في القطاع، ممثلين اثنين عن مؤسسات الإنتاج الفني، مع مراعاة مبدأ المناصفة في تعيين الأعضاء.
يتمتع المجلس بصلاحيات جد مهمة تتمثل أساسا في تحديد التوجهات العامة للمؤسسة، وحصر الميزانية السنوية وطرق تمويل برامج الأنشطة، وتحديد البنيات والهياكل التنظيمية للمؤسسة والنظام الأساسي الخاص بالمستخدمين، والمصادقة على التقريرين السنويين الأدبي والمالي المقدمين من طرف المدير أو المديرة، والمصادقة على النظام الداخلي للمسرح، وتفويض بعض الاختصاصات إلى المدير قصد تسوية بعض القضايا المعينة، ويجتمع بالضرورة مرتين في السنة قبل 30 يونيو لحصر القوائم التركيبية للسنة المالية المختتمة وقبل 31 دجنبر لدراسة وحصر الميزانية والبرنامج التقديري للسنة الموالية.
واستنادا إلى هذه المرتكزات القانونية والتنظيمية، تتضح العلاقة الجدلية بين نجاعة أداء مؤسسة المسرح الوطني وتركيبة المجلس الإداري وطريقة وظروف اشتغاله،كي لا يبقى حدس وخبرة المدير كافيان لتأطير سياسة المسرح وبرامجه، وكي لا يقتصردورالمجلس على التصدي اختيارات الطاقم المكلف بالتدبير. لكننا نجد أن إدارة المسرح الوطني لا تقدم أي معطيات حول تركيبة المجلس وظروف اشتغاله، تساعدنا على تقييم أدائ هومدى قدرته على ممارسة دوره الرقابي على إدارة المؤسسة وفعاليتها؛ وذلك بعدم نشر أسماء أعضاء المجلس والتعريف بخبراتهم ومؤهلاتهم المعرفية والتقنية في ميداني المسرح وفنون العرض وصفاتهم التمثيلية المهنية والنقابية.
كما يرتهن أداء المجلس الإداري في حماية ورعاية مصالح المؤسسة ودعم الرقابة والتتبع بمدى التزام أعضائه بحضور الاجتماعات الدورية في حينها وحجم مساهماتهم الفعلية وقوتهم الاقتراحية من جهة، ومن جهة أخرى بمدى توفر المجلس على معطيات وبيانات كمية ونوعية كافية لتشخيص وضعية التسيير والأداء والتمكن من إصدار توصيات دقيقة وناجعة لتجاوز الإخفاقات واستشراف آفاق أرحب لتأهيل المؤسسة وتحديث أساليب تدبيرها. وهنا يبرز عمل إدارة المؤسسة من خلال قدرتها على إعداد ووضع مؤشرات حقيقية بين يدي أعضاء المجلس تساعدهم على قياس مردودية الأموال المستهلكة والموارد البشرية والتقنية والإدارية المرصودة؛ من خلال التفصيل في الميزانيات والتدقيق في المشاريع ومؤشرات قياس المنجزات والفوارق مع التوقعات، وفق مخططات متعددة السنوات وبرامج للتنفيذ، وكذا الإعداد الدوري لفائدة أعضاء المجلسلتقارير شبه نظامية للدراسات الجديدة والتعديلات الطارئة ولتقارير فصلية تخص المنشورات المالية وتلك المتعلقة بالمستخدمين والمستجدات القانونية والتنظيمية.هكذا يستطيع المجلس أن يقوم بأعمال حقيقية تنخرط في النهوض الفعلي بالمؤسسة.
رابعا: هيمنة الحضورالشخصي للمدير المسير
استنادا إلى ظهير شريف رقم 1.16.101 صادر في 20 يوليوز 2016 بتنفيذ القانون رقم 51.15 القاضي بإعادة تنظيم المسرح الوطني محمد الخامس، يديرالمسرح مجلس للإدارةويسيره مديرأومديرةيتمتع أو تتمتع بجميع السلط والصلاحيات الضرورية لتسيير المسرح. وعلى غرار باقي المناصب العليا التي يتم التداول في شأن التعيين فيهافي مجلس الحكومة، يعين مدير مؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا صادر في 17 يوليوز 2012 والمرسومرقم 412-12-2 صادرفي 11 أكتوبر 2012 بتطبيق أحكام المادتين 4 و5 من القانون التنظيم يرقم 12-02. ويستلزم التعيين في مثل هذه المناصب اجتماع مجموعة من المبادئ والمعايير أبرزها شفافية المسطرة وعنصر الاستحقاق وكذا توفر المترشح على مستوى عال من التعليم والكفاءة والتجربة المهنية والتحلي بالنزاهة والاستقامة. وقد تزامن تعيين المدير الحالي للمسرح مع الولاية الحكومية السابقة 2012-2016، بعد أن كان يشغل لمدة هذا المنصب بصفته مديرا بالإنابة. وللأسف لا يقدم الموقع الإلكتروني للمسرحأي بطاقة تعريفية لبروفايل المدير ومساره الأكاديمي والمهني؛على الخصوص الشهادات الجامعية التي يتوفر عليها، والمسؤوليات والمهام السابقة التي تولاها والتكوينات الإدارية والفنية التي تلقاها والإنتاجات الفكرية والعلمية التي أنجزها، وكذا اللغات التي يتقنها. وهي معطيات ضروريةتعكس مستوى وطبيعة انفتاح الوزارة الوصية على الشخصيات المتوقع إشرافها على المؤسسة، وترهن إلى حد كبير مستقبل المؤسسة وتوجهاتها وطريقة أدائها.كما لا يقدم الموقع الإلكتروني أي معلومات عن الهيكلة الإدارية والتنظيمية للمسرح، ولا أي معطيات وروابط للاتصال بباقي المسؤولين والمكلفين العاملين بالمسرح الوطني رغم أهمية الأدوار التي يقومون بها، وتختزل إدارة المسرح في مخيال المتصفح، في شخص المدير الذي تتداول صورته واسمه، عكس باقي المستخدمين، بشكل حصري في الموقع الإلكتروني مرفقة بشكل متكرر بافتتاحيات موقعة باسمه خاصة بالبرامج الشهرية للأنشطة التي يحتضنها المسرح. وهي افتتاحيات يغلب عليها طابع التكرار والعموميات دون استعراض سياقات الأنشطة ومرجعياتها ومساهمات المسرح في دعمها أوإنتاجها وتقديم تفاصيل بحصيلة الأنشطة السابقة. كما لا يقدم الموقع أي معطيات مفصلة وفق جدولة زمنية واضحة عن مشاريع وبرامج المدير وفريقه الإداري للارتقاء بعمل المؤسسةوتقارير بحصيلة العمل السنوي،تساعد على تقييم أداء إدارة المؤسسة وتيسير التتبع والمحاسبة. بالإضافة إلى جمع المدير بين تسيير المسرح وعدة مهام ومسؤوليات أخرىإدارية وتمثيلية في لجان خارجية مع غياب أي سقف لها أو تحديد واضح لمعايير وامتيازات هذا الجمع والتعدد على حساب فعالية إدارة المسرح الوطني محمد الخامس.على الخصوص حين تتعارض طبيعة المهام الموكولة إلى المدير والأدوار المسندة إلى المؤسسة بتمثيلياته في لجان دعم الفنانين والجمعيات الثقافية التي تتعامل أيضا مع المسرح الوطني،ضد ما يستلزمهالأمر من حيادية وتجرد للمدير، على الخصوص بالنسبةلعمليات البت في طلبات الدعم المفروض أن توكل إلى لجان مستقلة سواء بالنسبة للدعم الذي تمنحه وزارة الثقافة ويكون المدير من بين أعضائها، أو الدعم الذي يمنحه المسرح الوطني بصفة مباشرة كمؤسسة تحت وصاية الوزارة.
خامسا: نقص المعلومة بالنسبة للحسابات وآليات الدعم العمومي
لا تلتزم إدارة المسرح الوطني بنشر حساباتها المتكونة من حصيلة السنة المنصرمة وحسابات الموارد والتكاليف وجدول أرصدة التسيير في الجريدة الرسمية والجرائد الوطنية،انسجاما مع مقتضيات المراسيم والمناشير التنظيمية الجاري بها العمل؛ وهو ما من شأنه أن يحرم الرأي العام من مواطنين وإعلام وفنانين ومثقفين ونواب الأمة من معطيات حول طرق صرف الميزانيات والمبالغ المخصصة للمشاريع والصفقات، ويكرس الغموض والضبابية في عمليات صرف دعم مختلف الفعاليات والجمعيات الثقافية والتكليفات بالمهام ويكرس ضعف التنسيق وتداخل الاختصاصات بين مؤسسة المسرح الوطني ووزارة الثقافة باعتبارها القطاع الوصي.كما لا تعمل إدارة المسرح على إشهار والتعريف بشروط وآليات الاستفادة من الدعم العمومي الذي يمنحه المسرح في مجالات الإنتاج والإنتاج المشترك والترويج، ولا معلومات عن المحددات الأساسية وبرامج شراء العروض الفنية، ومساطر استغلال فضاءات المسرح وشروط الاستفادة من المجانية، كما لا تكلف نفسها عناء نشر إعلانات فتح باب الترشيح للاستفادة من الدعم، أو نشر لوائح المستفيدين من جمعيات ثقافية وفنانينفرق ومبالغ الدعم المالي على غرار ما تفعله الوزارة الوصية.
سادسا: فقر مدقع في نظام التواصل
سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008قصورا في استغلال الموقع الإلكتروني لمسرح محمد الخامس؛ حيث انحصرت وظيفته في تقديم برامج العروض. مع تسجيل غياب أي خطة عمل أو حتى رؤية واضحة في تدبيره. وأوصى بتطوير الموقع على مستوى الشكل والمضمون مع وضع خطة عمل مقرونة بالإجراءات الهادفة إلى تحسيس الجمهور بأهمية المسرح وفنون العرض.فماذا تغير أو تحقق بعد 10 سنوات من إصدار هذا التقرير الهام؟
واقع الحال يغني عنى السؤال؛ يعتبر الموقع الإلكتروني للمسرح أفقر موقع إلكتروني من بين مواقع المؤسسات العمومية الثقافية تحت وصاية وزارة الثقافة (المكتبة الوطنية وأرشيف المغرب)، ومن بين المواقع المتخلفة على قائمة مواقع المؤسسات العمومية بالمغرب، ويعطي الانطباعأن إدارته ما زالت ترى أن فكرة إنجاز موقع إلكتروني ومواكبته مجرد مضيعة للوقت غير مبررة، وربما أن مجرد التوفر على هذا الموقع يعني الوفاء بالغرض المطلوب ويبرئ ذمة الإدارة من أي مبادرة لتأهيله وتضمينه ما يفيد من معلومات وخدمات وبيانات وتقارير وإحصائيات.فبمجرد كتابة "موقع المسرح الوطني محمد الخامس" بمحرك البحث على الأنترنيت، يحيلك مباشرة على صفحة إلكترونية يتيمة لمسرح محمد الخامس مصممة باللغة الفرنسية فقط " tnm5.ma "، فتصيبك الصدمة الأولى بغياب صفحات مقابلة مصممة باللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية. وتجد أن الموقع ظل مجرد سبورة للإعلان وإشهار العروض المبرمجة؛ بحيث لا يقدم أي معلومات إرشادية حول بروفايل المدير والفريق الإداري ومجموع المصالح التي تكون منظومته الإدارية وروابط الاتصال بها. ولا يقدم أي دلائل توجيهية كالقانون الداخلي للمؤسسة ودليل الحجوزاتوركن خاصباستقبال شكايات المواطنين ومقترحاتهم، ولا تجد أي تعريف بلائحة الخدمات التي تقدمها المؤسسة ومساطر الاستفادة منها وشروط ومحددات الاستفادة من مجانية استغلال فضاءات المسرحودفاتر التحملات المتعلقة بشراء العروض وبالإنتاج والإنتاج المشترك، والنصوص القانونية والتنظيمية المرجعية لتسيير المسرح. كما لا يتضمن أي تقارير حول المشاريع المبرمجة وحصيلة العمل أو معطيات تقنية وفنية حول الجمهور والساحة المسرحية والفنية أو بطاقات تقنيةخاصة بمؤسسة المسرح تبين الفضاءات المتوفرة والتجهيزات والمعدات التقنية وخصائصها وقياس المساحات والطاقة الاستيعابية والمصالح الإدارية والتقنية. كما لم نصادف يوما، خلال سنوات من المتابعة، أي إعلان بخصوص فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم المسرح في مجالات الإنتاج والإنتاج المشترك وشراء العروض، ولا إشهار للوائح الفنانين والجمعيات والفعاليات الثقافية المستفيدة من دعم المسرح، على غرار ما نراه على الموقع الإلكتروني للوزارة الوصية بمناسبة دعم المشاريع الثقافية. كما نجد للأسف أن الكتابة باللغة الفرنسية التي اختارتها الإدارة في تصميم مواد الموقع تشوبها بعض الأخطاء اللغوية الفادحة وركاكة في التعبير أحيانا عديدة.ونسجل في الأخير بحسرة بالغة، ثبات الموقع الإلكتروني للمسرح على حاله، رغم مرور عشر سنوات على الملاحظات والتوصيات التي سجلها تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2008، ورغم كذلك الفورة المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة، بحيث لم يستطع معها الموقع أن يتحول إلى واجهة للتعريف بخدمات ومنتجات المسرح والتسويق العصري لها وإبراز حصيلة العمل ومرتكزات سياسة المسرح في مجال دعم الثقافة والفنون وتقوية الانفتاح والتواصل مع جمهور متعدد المشارب والميولات.
سابعا: نقائص في نظام الولوجيات ومقومات الأمن والسلامة
تعتبرالسلطات العمومية ملزمة بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات منذوي الاحتياجات الخاصة بغرض تيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع، وتمكينهم من المشاركة بدون تمييز أو إقصاء في الحياةالعامة من ضمنها الحياة الثقافية. لكن وللأسف الشديد، أول ما يثير انتباه الزائر لمرافق المسرح الوطني محمد الخامس هو غياب أي مؤشرعلى وجود إرادة سياسية أوتملك لثقافة المساواة والحقوق من طرف الإدارة المسيرة؛ فبناية المسرح المتكونة من عدة طوابق لا تتوفر على سلالم كهربائية، ولا على دلائل وإشارات بصرية وصوتية بارزة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة من الفنانين المشاركين في تنشيط وتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية أو من الجمهور المدعو لمتابعة العروض والتظاهرات الثقافية. إنه نوع من الإقصاء الفادح يحول دون تمكين الزائرين محدودي الحركة، من عموم الجمهور والفنانين وكبار الضيوف السامين والرسميين والمستخدمين والمرتفقين، من أكبر قدر من التصرف باستقلالية عند ولوج قاعة العرض والغرف الرسمية والمنصة والكواليس والأروقة والمصالح الإدارية والمرافق الصحية وغيرها من الفضاءات.
كما لا نتوفر على أي معطيات حول برمجة الإدارة في الأفق القريب، في علاقة بالورش الكبير المفتوح لتحديث وتجديد البنيات التحتية للمسرح الذي انطلق في منتصف شهر يونيو 2015في إطار المشروع الكبير "الرباط مدينة الأنوار ... عاصمة المغرب الثقافية"، القيام بدراسات ميدانية تهدف إلى تثبيت نظام الولوجيات وكذا تقييم مدى استجابة المؤسسة للشروط والمعايير الدولية للسلامة وفعالية التجهيزات والفضاءات والموارد البشرية ذات علاقة بالأمن والسلامة. وربما سيستمر المسرح إلى أجل غير مسمى، وهو الذي تم بناؤه سنة 1962، في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة من مرتفقين وجمهور وفنانين ومستخدمين وفق ثقافة تقليدية قوامها العطف والإحسان عوض مقاربة حقوقيةقوامها قيم الاستقلالية والمساواة والحق.
ثامنا: وضعية ملتبسة لأنشطة المقهى الأدبي الملحق بالمسرح
نهاية 2006، تداولت بعض الصحف الوطنية، على لسان إدارة المسرح الوطني محمد الخامس، خبرا عن قرب افتتاح مقهى/مسرح على شرفة مؤسسة المسرح، تجعلمن هذه المعلمة الثقافية الكبرى فضاء جذابا للاستقبال والتبادل الثقافي.وسيتوفر المقهى/المسرح، حسب تصريح المهندس المكلف، على منصة صغيرة مزودة بأجهزة العرض والإنارة والصوتيات. وسيحتضن فضاء هذا المقهى الأدبي حفلات موسيقية وعروض فنية فردية ومسرحيات ومختلف الفرجات، وسيكون ملتقى دائما لطلبة وخريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي على الخصوص، وسيتميز المقهى بهندسة معمارية ذات طابع فني ينسجم مع طبيعة أدواره الثقافية والفنية، وسيضم كذلك من بين مرافقه كشك ومرأب. وسيكون جيدا بمناسبة مرور عشر سنوات على إحداثه، أن تبادر إدارة المسرح إلى إعداد ونشر حصيلة العمل الفني والثقافي الذي احتضنه الفضاء الداخلي للمقهى طيلة عقد من الزمن، وذلك لرفع اللبس عما يروج له من كون المقهى جانب الأدوار المبررة لإحداثه على مستوى احتضان الأنشطة الفنية والثقافية بشكل مستمر، وتقديم خدمات الأكل والمشروبات بأثمنة تفضيلية وإضفاء اللمسة الفنية على مرافقه وتجهيزاته. إن الأمر يتطلب القيام بمهمة تدقيق في الغايات المعلنة من وراء إحداث مقهى أدبي والمنحى العام الذي تطورت إليه أمور تدبير هذا الفضاء، وكذلك تقييم مدى ارتباط المقهى والمداخيل التي يحققها لفائدة المسرح مع الأنشطة المباشرة للمسرح كي ينسجم مع النصوص القانونية التي تقضي بتنظيم وتأطير باب المداخيل المتعلقة بالمسرح الوطني.
تابع ...
أوكي..