الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة (المادة 100 من الدستور)
الأنوال بريس
السؤال المحوري الأول "مستجدات القضية الوطنية"
بداية لابد أن أشكر السيدات والسادة النواب المحترمين على تفضلهم بطرح هذه الأسئلة في موضوع القضية الوطنية التي توحد كافة القوى الحية للأمة، ألا وهي قضية الصحراء المغربية. وهي مناسبة للحكومة للتواصل من خلال مجلسكم الموقر مع عموم المواطنات والمواطنين حول تطورات ومستجدات هذه القضية المصيرية بالنسبة لبلادنا.
وأود بهذه المناسبة أن أطمئن الجميع أنالقضية الوطنية، ولله الحمد، ما فتئت تسجل عددا من النقاط الإيجابية على مستوى مختلف المحافل الدولية، بفضل الدينامية المستمرة التي تطبع عمل الديبلوماسية المغربية في هذا الملف بتوجيهات سامية وانخراط شخصي من صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
كما أود أن أسجل باعتزاز بالتعبئة الشاملة والانخراط التام لكافة القوى الحية للأمة، حكومة وأحزاب سياسية ومنظمات نقابية وهيئات مهنية وفعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الوطنية ومثقفين، للدفاع عن الثوابت الوطنية للمملكة وفي مقدمتها قضيتنا الوطنية العادلة، والتصدي لكافة مناورات أعداء وخصوم الوحدة الترابية للمغرب ودحض أطروحة الانفصال.
لقد جعلت الحكومة من أولياتها رفع المجهود الدبلوماسي للدفاع عن القضية الوطنية ومواجهة خصوم وحدته الوطنية والترابية، وإبطال مؤامراتهم من أجل الطي النهائي للنزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية.
وفي هذا الإطار، فقد شهدت القضية الوطنية تطورات مهمة عززت مكتسبات المملكة المغربية بمساهمة من الدبلوماسية الرسمية وكل القوى الوطنية الحية، بما في ذلك الدبلوماسية الموازية البرلمانية والحزبية والنقابية والمجتمع المدني، وذلك في إطار التصدي المستمر واليقظ لما يقوم به خصوم الوحدة الترابية من مناورات واستفزازات للمس بالوضع القانوني والتاريخي شرق جدار المنظومة الأمنية والوضع القائم في المنطقة العازلة، في خرق سافر لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقد شكلت التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، والخطابين الساميين بمناسبة عيد العرش المجيد (30 يوليوز 2017)، وبمناسبة تخليد الذكرى 42 للمسيرة الخضراء المظفرة (6 نونبر 2017) مرجعية أساسية للعمل الحكومي في هذا الملف.
أولا- تطورات القضية الوطنية على مستوى الأمم المتحدة
جاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، حول الصحراء المغربية المُقدم إلى أعضاء مجلس الأمن في 29 مارس 2018، مُتوازنا، حيث أخذ بعين الاعتبار المستجدات الطارئة والخطيرة على أرض الواقع المتعلقة بالاستفزازات والانتهاكات السافرة للبوليساريو.
وعلى المستوى السياسي، أكد التقرير على محددات الحل السياسي التي وضعها مجلس الأمن من خلال قراراته المعتمدة منذ سنة 2007. كما استحضر تقرير الأمين العام مقتطفات واسعة من الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة الذكرى الـ 42 للمسيرة الخضراء المظفرة، الذي أكد فيه جلالته أنه "لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها"
ودعا الأمين العام في تقريره الجزائر إلى الانخراط الجدي في المسار السياسي والقيام بمساهمة أكبر للتوصل إلى حل سياسي.
وبناء على هذا التقرير، تبنى مجلس الأمن قراره رقم 2414 بتاريخ 27 أبريل 2018، الذي كرس تفوق مبادرة الحكم الذاتي، مُنوها بالجهود الجدية وذات المصداقية التي يبذلها المغرب للمضي قدما في عملية التسوية السياسية لهذا النزاع الإقليمي. وأعاد مجلس الأمن التأكيد على ريادة الأمم المتحدة ورعايتها الحصرية للمسلسل السياسي، مُستبعدا كل مخططات التسوية السابقة لكونها غير واقعية وغير قابلة للتطبيق.
وبخصوص الطابع الإقليمي للنزاع، دعا مجلس الأمن الجزائر، كطرف أساسي، الى تقديم مساهمة هامة في المسلسل والانخراط بقوة أكبر من أجل التقدم نحو الحل السياسي.
ثانيا- رد المغرب على الاستفزازات الخطيرة لخصوم الوحدة الترابية بالمنطقة العازلة وقرب الجدار الأمني
استمرت جبهة "البوليساريو" الانفصالية، بتشجيع من الجزائر، في الآونة الأخيرة، في القيام بمناورات واستفزازات خطيرة في المنطقة الواقعة شرق الجدار الأمني، وفي المنطقة العازلة بالكركرات. وأظهرت هذه التحركات بشكل جلي وواضح خطورة المخطط الذي يسعى خصوم الوحدة الترابية لتنفيذه من خلال تغيير الحقائق على الأرض.
وللتصدي لهذه الأعمال الخطيرة، قام المغرب بالتحركات الدبلوماسية التي تستدعيها هذه الوضعية، حيث وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسائل إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وإلى الأمين العام للأمم المتحدة والقوى الكبرى لإخطارها بخطورة هذه التطورات، مُنبها إلى أن مثل هذه الأعمال تُشكل انتهاكا صارخا وغير مقبول للاتفاقات العسكرية ووقف إطلاق النار، وفيها تهديد صريح للأمن والاستقرار بالمنطقة. وقد أكد المغرب من خلال هذه التحركات على رفضه القاطع لأي عمل من شأنه تغيير الوضعية القانونية القائمة، منذ وقف إطلاق النار في 6 شتنبر 1991، شرق الجدار الأمني وفي المنطقة العازلة.
وفي هذا الإطار تم تسليم، يوم 4 أبريل 2018، رسالة خطية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، من طرف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، حول هذه التطورات الخطيرة للغاية. وحرص جلالته، نصره الله، على التعبير باسم كافة القوى الوطنية الحية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها، عن رفض المغرب الصريح والحازم والصارم لهذه الاستفزازات والتوغلات غير المقبولة التي تقوم بها البوليساريو، بتشجيع من الجزائر، في هذه المنطقة.
كما تعاطى مجلس الأمن الدولي مع هذه المستجدات بشكل إيجابي حيث أعرب في قراره 2414 عن القلق إزاء إعلان جبهة البوليساريو الانفصالية عن عزمها نقل المنشآت الإدارية إلى بير الحلو، ودعاها إلى الامتناع عن أي عمل من هذه الأعمال المزعزعة للاستقرار. كما أعرب كذلك عن القلق لوجود جبهة البوليساريو الانفصالية في المنطقة العازلة في الكركرات، ودعاها إلى انسحابها الفوري من هذه المنطقة. وهكذا فندَ القرار كل المزاعم والمغالطات المتعلقة بوجود "أراض محررة".
وفي المقابل، حرص مجلس الأمن في هذا القرار على التعبير عن ارتياحه والإشادة بموقف المملكة من خلال "الاعتراف برد المغرب المتزنعلى الانشغالات الأخيرة المتعلقة بالمنطقة العازلة".
وقامت جبهة "البوليساريو" الانفصالية، في تحد سافر لقرار مجلس الأمن بمناورات في تيفارتي، والتي استدعت من جديد تحركا دبلوماسيا مكثفا للمغرب، حيث تم توجيه رسائل في الموضوع إلى رئيس مجلس الأمن والدول الأعضاء، والأمين العام للأمم المتحدة لإثارة انتباههم لخطورة هذه الانتهاكات السافرة والمتكررة وانعكاساتها الجد خطيرة على الاستقرار والأمن في المنطقة، حيث طُلب منهم تحمل مسؤوليتهم، واتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لهذه التحركات غير المقبولة، وتحديها السافر لقرار مجلس الأمن 2414.
وقد عبر المغرب عن إدانته الشديدة لهذه الأعمال الاستفزازية، التي تبين المأزق والوضع الحرج الذي توجد فيه الجزائر وصنيعتها البوليساريو عبر نهج سياسة الهروب إلى الأمام وتبني منطق الإفساد، من خلال مضاعفة التحركات الخطيرة وغير المسؤولة في بلدة تيفاريتي، شرق الجدار الأمني.
ومن جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة في بلاغ رسمي، يوم السبت 19 ماي 2018، الأطراف الأخرى من القيام بأي إجراء من شأنه تغيير الوضع القائم بالمنطقة العازلة وشرق الجدار الأمني، ودعا في إلى ضرورة الحفاظ على مناخ ملائم لاستئناف الحوار تحت رعاية مبعوثه الشخصي، داعيا إلى التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس.
واستنادا إلى كل ما سبق، فإن بلادنا ما فتئت تجدد حرصها القاطع على الدفاع عنوحدتها الترابية ووحدتها الوطنية، على كافة تراب الصحراء المغربية، وتطالب من الأمم المتحدة وتحديدا من بعثة المينورسو القيام بواجبها إزاء الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار.
ثالثا- الترافع المدني حول القضية الوطنية
في إطار تعزيز الدور الأساسي للمجتمع المدني في الدفاع عن القضية الوطنية، الذي ما فتئ جلالة الملك نصره الله يؤكد عليه، فقد تم تسطير مشروع متكامل لدعم قدرات الجمعيات في مجال الترافع حول القضية الوطنية وتكوين الفاعلين المدنيين الشباب وتعزيز إمكانات التصدي للطرح الانفصالي في المنابر الأممية والدولية، ورفع وتيرة التفاعل وقوة الرد والترافع من طرف الجمعيات في العالم الرقمي والشبكات الاجتماعية.
ويتضمن هذا المشروع ثلاثة محاور أساسية:
ü المحور الأول: إحداث منصة رقمية مفتوحة للتكوين التفاعلي يستفيد المنخرط فيها من برنامج متكامل للتكوين عن بعد حول القضية الوطنية؛
ü المحور الثاني: ارساء ملتقى سنوي للجمعيات المعنية بالترافع المدني حول القضية الوطنية. وتشتغل لجنة على إعداد هذا المشروع. وسيتم تنظيم الملتقى الاول بمراكش ايام 22 و23 و24 يونيو المقبل.
ü المحور الثالث: تثمين مبادرات ومشاريع المجتمع المدني للترافع عن القضية الوطنية وإرساء برنامج عبر شراكات مع جمعيات المجتمع المدني لتكوين الفاعلين الجمعويين الشباب. وقد تم تنظيم الدورة الأولى من هذا البرنامج بمدينة ورزازات من طرف المنظمة المغربية للشباب بشراكة مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني أيام 4 إلى 6 ماي، لفائدة أزيد من 50 شابا يمثلون جمعيات من أقاليم جهة درعة تافيلالت.
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة النواب المحترمين،
ختاما، أعود لأسجل بكل اعتزاز بأن المغاربة جميعا، مواطنين وأحزاب سياسية ونقابات ومجتمعا مدنيا وفعاليات حقوقية ومجتمعية، يقفون وقفة رجل واحد حينما يتعلق الأمر بالقضية الوطنية الأولى، جنودا مجندين وراء عاهل البلاد حفظه الله، للدفاع عن سيادة بلادنا ووحدة أراضيها.
وموازاة مع ذلك، فإننا عازمون بثبات على مواصلة مسلسل التنمية الذي تعرف المناطق الجنوبية العزيزة من خلال تنزيل النموذج التنموي الواعد الذي يشكل رافعة أساسية لدعم المؤهلات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها هذه الأقاليم، والذي يستلهم توجهاته الكبرى من المشروع الوطني للجهوية المتقدمة، باعتباره خيارا استراتيجيا للمغرب يتناغم مع حل الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب من أجل الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل الذي طال منذ 40 سنة، كما يعد خير جواب على الأطروحة البئيسة للانفصاليين ومن يدعمها.
وللإشارة، فقد بلغت النسبة العامة لتقدم أشغال مشاريع برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية (2015-2021)، إلى حدود شهر مارس 2018، ما يناهز 48 %. ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى حوالي 70 % مع متم السنة الجارية.
كما بلغت قيمة الاعتمادات الملتزم بها إلى حدود نهاية شهر مارس 2018 حوالي 21 مليار درهم.
أوكي..