في مظاهر العنف والغش بالمدرسة
الأنوال بريس -المعطي منجب-
أثار شريط فيديو يُظهر مدرسا من مدينة خريبكة وهو يعتدي جسديا على تلميذة لغطا كبيرا بوسائط الإعلام. كما تم حوله الكثير من التراشق وتبادل الانتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي. المهم في هذا النقاش أنه لم يكن هناك اتفاق حول إدانة الأستاذ المذنب. بل إن الكثير من المشاركين والمشاركات في النقاش دافعوا بصراحة عن المدرس بل وقيل إنه كان هناك استفزاز مدبر حيث أن التلميذة اتهمت بأنها رمت بطبشورة على أستاذها وذلك لدفعه للخطأ وأن هناك من كان يترصد ليصور الوقائع بهدف نشرها على اليوتيوب إلخ…
ودون أن ندخل في التفاصيل الخاصة بهاته القضية والتي هي أمام القضاء الآن، فإن العنف بل والعقاب الجسدي المنظم، ممارسة قديمة داخل المنظومة التعليمية المغربية. إن الضرب المبرح على الرأس وجلد الرجلين بالسوط والتلميذ معلق أو متحكم فيه من لدن زملائه أو الحرمان من وجبة الطعام، كانت ممارسات رائجة في «الجوامع» و«المسيدات» وهي المدارس القرآنية التقليدية. العنف لم يكن فقط مقبولا على مضض من لدن الوالدين بل إن الأب كان لما يأتي لأول مرة لتسجيل الطفل بالجامع يقول «للفقي» أي المدرس «أنت تذبح وأنا أسلخ» أي لا تهتم فإني لن أعاتبك إن عاقبته جسديا. بل مازلنا حتى اليوم نرى شخصين يتبادلان العنف اللفظي بالشارع بسبب خلاف ما فيقول الواحد منهما للآخر وقد تقمص سحنة جدية مصطنعة: «اذهب لحال سبيلك أو سآتي لتربيتك». كما أن رجل السلطة قد يقول نفس الشيء لمتظاهرين يرفضون أوامره بالتفرق. و«التربية» هنا مرادفة للضرب والإذلال المادي والمعنوي. كما أن الأجيال السابقة كانت تبرر العنف بالقول بأن العصا أصلها من الجنة. كذلك البنت الحاذقة والمهذبة ببعض البوادي يقولون عنها حتى اليوم إنها « مقرصة» أي أنه تمت تربيتها «أحسن» تربية من لدن أمها التي كانت تسهر على قرصها لما ترتكب أي خطأ، أي إيلامها وذلك بالمسك على جزء من جلدها وليه. وهي كلمة ذات أصل عربي فصيح فيقال قرص فلان خده. الجديد إذن في العنف المدرسي هو أن التلاميذ والطلبة أصبحوا يستعملون نفس الأساليب العنيفة في التعامل مع أساتذتهم. كما أن الأسر أصبحت في الغالب ترفض أن تعاقب فلذات كبدها بالمدرسة.
إلى جانب العنف المادي هناك العنف اللفظي والرمزي، فهاهو تلميذ بإحدى ثانويات برشيد يقتاد حمارا، في بداية هذا الأسبوع، حتى ساحة المدرسة وذلك لأن الأستاذ، على ما قيل، عنفه بالقول إن عليه أن يصطحب أباه «الغبي» للمدرسة حتى يُقبل من جديد في المؤسسة وذلك لسوء سلوكه.
إن العلاقات بين المدرسين من جهة والتلاميذ والطلبة من جهة أخرى أصبحت سيئة جدا في السنوات الأخيرة والمسؤولية تقع على الجانبين وعلى المجتمع فالعنف ظاهرة بنيوية بل وقيمة اجتماعية. إن الشاب الذكر الذي يتجنب العراك، حتى ولو كان مظلوما، يعيره أصدقاؤه بذلك، بل قد تقول الأم مفتخرة «ولدي سبع يهابه كل أبناء الحي».
كما أن هناك بعض الطلبة يحاولون إرغام الأستاذ بالضعط والتهديد على منحهم نقطة جيدة وغير مستحقة. بل وقع مرة أن هناك من أحضر معه سكينا ووضعه فوق الطاولة أثناء إحدى المباريات، كان ذلك طبعا وعيدا لكل من قد تسول له نفسه أن يتدخل لمنع الغش. فهذا الأخير أصبح شائعا في المباريات والامتحانات الكبرى. بل إن التلاميذ يصفون المدرس الذي يعطي النقطة المستحقة ولا يزيد عليها «بالمحساد أو السقرام» أي الحسود أو البخيل. يحدث كذلك أن بعض جمعيات أباء التلاميذ لا تتورع عن التدخل لدى الإدارة حتى يرفع المدرس من علامته، فهو على كل حال «لا يعطيها من جيبه».
ومن مظاهر العلاقات غير الودية والاستغلال بالمؤسسة التعليمية أن بعض الأساتذة يبتزون الطلبة ليشتروا «كتبهم» حتى يحصلوا على نقطة تتيح لهم النجاح. بل إن بعضهم ـ وكل هؤلاء قلة قليلة لحسن الحظ ـ وصل بهم الجشع والإمعان في الابتزاز أنهم يشترطون على الطلبة لاجتياز الاختبار الشفوي إحضار نسخة مقتناة من السوق من «كتاب» الأستاذ المفروض في المقرر بل إن الأستاذ قد يوقع في الصفحة الأولى للنسخة حتى لا يقرضها الطالب ـ وقد استحال زبونا خالصا ـ لطالب آخر. وهناك كذلك من يعطي رقما ترتيبيا لكل نسخة موزعة في المكتبات والوراقات القريبة من المؤسسة، وقبل البدء في اختبار الطالب يتأكد من أن النسخة «أصيلة» بالمعنى التجاري أي غير مصورة أو مقترضة. وهنا أعمم اقتراحي الشفوي الذي قدمته مرة لبعض زملائي بالنقابات التعليمية وهو أن توجه توصية إلى كل الأساتذة حتى تتوقف مثل هذه الممارسات. أكيد ! إنها قليلة جدا على المستوى العددي ولكن ضررها البيداغوجي والأخلاقي ليس بقليل.
أوكي..