اعتقال صحافيين بمصر
القاهرة ...الإجراءات التي قيّدت حرية الفكر والتعبير في مصر خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أجريت من 26 إلى 28 مارس الماضي، لم يسبق لها مثيل، حسب تقرير أصدرته مؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، أمس الجمعة، أكد على «غلق المساحات تماما أمام المرشحين المحتملين، بما يشمل تعرضهم لضغوط أو حتى اعتقالهم».
وحسب تقرير المؤسسة، وهي قانونية مصرية مستقلة، فإن «التغطيات الإعلامية تركز على نقل مواقف السلطة الحالية، وفي بعض الحالات وجه مقدمو برامج تذاع في قنوات خاصة نقدا لحالة انسداد الأفق السياسي، إلا أن ذلك كان محدودا جدا، خاصة بعد تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه ليس سياسياً ولا يفضل الكلام».
واعتبرت أن «المتغيرات الجديدة التي شهدتها مصر تدلل على عدم اكتراث السلطة الحالية بالحفاظ على إتاحة مساحة خلال فترة انتخابات الرئاسة لنشر والتعبير عن الآراء الناقدة، كما كانت العادة في السابق».
واجه المرشحون المحتملون، طبقاً للتقرير «ضغوطا وتهديدات مباشرة، ولم يتح لحملات المرشحين العمل باستثناء المرشح الذي دخل إلى السباق الانتخابي في اللحظة الأخيرة موسى مصطفى موسى، والمعروف بتأييده للسيسي».
تضييق وملاحقات...وحسب المؤسسة فإن «الأحداث والهجمة الشديدة على الصحافيين والمبدعين والسياسيين في هذا الإطار، كانت أشبه برسالة وجهها النظام المصري مفادها، إن ما اعتدتم عليه من مساحات خلال فترة إجراء انتخابات رئاسية ليس متاحا الآن، بل على النقيض، هناك ثمن باهظ للتصريحات السياسية كما الحال مع السياسي عبد المنعم أبو الفتوح، الذي اعتقل بعد لقاءات إعلامية أجراها في لندن، وصحفية «التيمز» بيل ترو التي جرى ترحيلها من القاهرة، والتشنج الكبير ضد تغطية بي بي سي للشأن المصري، وغير ذلك من وقائع».
واعتبر التقرير أن «الانتهاكات خلال الربع الأول من العام 2018 تؤكد على توجه السلطة الحالية نحو مزيد من التضييق والملاحقات خلال السنوات الأربعة المقبلة».
الإعلام الأجنبي...وتناول التقرير الهجوم المتواصل للهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة رسمية تصدر تصاريح عمل للصحافيين الأجانب، على وسائل الإعلام والصحافيين الأجانب، «سواء من خلال بيانات رسمية تعترض فيها على مضمون تقارير الإعلام الأجنبي، أو من خلال الحملة والبروباغندا الداخلية التي يقودها رئيس الهيئة ضياء رشوان بالظهور المستمر على قنوات فضائية للتنديد بالإعلام الأجنبي، وتصوير الصحافيين اﻷجانب العاملين في مصر باعتبارهم جزءا من مؤامرة ضد استقرار الدولة، وأحيانا تصل اتهامات يلقيها مقدمو برامج في قنوات مؤيدة للسلطة الحالية إلى قيام الصحافيين الأجانب بدعم الإرهاب».
وأشار إلى «مطالبة رئيس هيئة الاستعلامات بمقاطعة بي بي سي من قبل المسؤولين الرسميين حتى تقدم اعتذارا عما نشرته، على خلفية تقرير نشرته القناة الانكليزية تناول قضايا الاختفاء القسري والتعذيب في مصر».
السلطات المصرية تبعاً للتقريرتحاول إرسال تهديدات ومضايقات مستمرة لوسائل الإعلام الأجنبية، والتي لا تملك الأجهزة الأمنية في مصر أن تسيطر على محتواها، إذ أن عمليات شراء واسعة لقنوات تلفزيونية وصحف قد جرت في مصر، إضافة إلى تأسيس شركات تدور حولها شبهات الارتباط بأجهزة أمنية، وأدى ذلك إلى تحكم السلطة الحالية في الإعلام المصري، بشكل غير مسبوق.
ورصد التقرير «بيانات الهيئة العامة للاستعلامات، خلال الربع الأول من العام 2018، حيث وجهت فيها انتقادات لوسائل إعلام أجنبية بتعمد نشر معلومات مغلوطة وارتكاب أخطاء مهنية».
البداية، وفق المؤسسةكانت في 7 يناير 2018، عبر بيان ضد صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، على خلفية قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم بيان ضد هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، في 24 فبراير 2018، توجه فيه انتقادات لتقرير نشرته بي بي سي، حوى مجموعة من المقابلات مع ضحايا وذويهم، ممن تعرضوا للتعذيب والاختفاء القسري.
كذلك، «لم يقتصر الأمر على بيانات الإدانة، بل امتدت إلى ترحيل الصحافية بل ترو، التي تعمل مراسلة لصحيفة «التيمز» البريطانية في مصر، حيث ألقي القبض عليها وخضعت للتحقيق، قبل أن يتم ترحيلها، مع التهديد بمحاكمتها عسكريا بعد اتهامها بممارسة عملها بلا تصريح».
وأشار التقرير إلى إصدار النائب العام المصري، في 28 فبراير الماضي، قرارا بتكليف المحامين العامين ورؤساء النيابات بالاستمرار في متابعة وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي لضبط ما يصدر فيها من أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة للدولة، وإعلان النيابة العامة، في 12 مارس الماضي، عن أرقام يمكن للمواطنين من خلالها في كل المحافظات إبلاغ النيابات عن الأخبار والبيانات التي تضر مصلحة الدولة.
البرلمان يهدد...كما لفت إلى موافقة لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب على مشروع قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، واعتبره يمهد للسيطرة على المحتوى المنشور على الإنترنت وتقنين المراقبة الشاملة على الاتصالات في مصر.
ويلزم مشروع القانون «شركات الاتصالات بحفظ وتخزين بيانات استخدام العملاء، لمدة 180 يوما، وتشمل البيانات التي تُمكّن من التعرُّف على المستخدم والبيانات المتعلقة بمحتوى ومضمون النظام المعلوماتي والمتعلقة بحركة الاستخدام والمتعلقة بالأجهزة المُستخدمة، ما يعني أنه سيكون لدى مقدمي خدمات الاتصالات بيانات توضّح كل الممارسات التي يقوم بها المستخدم بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وكل البيانات المتعلقة بهما والمواقع التي يزورها والتطبيقات المستخدمة على الهواتف الذكية والحواسيب».
كما يجبر، شركات الاتصالات على «الالتزام بقرارات الجهة الإدارية «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» بالاحتفاظ بأي بيانات أخرى، بل ويكون لجهات الأمن القومي الإطلاع على البيانات التي تحتفظ بها شركات الاتصالات، حيث ينص مشروع القانون على أن «يلتزم مقدمو الخدمة والتابعون لهم، أن يوفروا حال طلب جهات الأمن القومي ووفقًا لاحتياجاتها جميع الإمكانيات الفنية المتاحة لديه والتي تتيح لتلك الجهات ممارسة اختصاصاتها».
وامتد تأثير مشروع القانون، الذي يناقشه البرلمان، إلى حجب مواقع الإنترنت، وهو الظاهرة التي برزت خلال الفترة الأخيرة، ولا تفسرها أسانيد قانونية واضحة، بل لا تعترف السلطات المصرية بمسؤوليتها عنها، باستثناء قرار بحجب 33 موقعا من ضمن 500 موقع على الأقل. لذا، تحاول مسودة قانون الجريمة الإليكترونية أن تثبت أساسا قانونيا يمكن الجهات المعنية من التوسع في حجب المواقع، فمشروع القانون يعطي الصلاحية لجهات التحقيق لإصدار قرار بحجب مواقع الإنترنت، متى رأت أن المحتوى المنشور على هذه المواقع يُشكّل جريمة أو تهديدا للأمن القومي أو يعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر. وينص مشروع القانون على أن تقوم جهة التحقيق بعرض القرار على المحكمة المختصة.
اعتقال صحافيين
كذلك رصد التقرير تنامي الدور الرقابي الذي يقوم به المجلس الأعلى للإعلام ( جهة حكومية) على القنوات والصحف المختلفة.
وبين أن المجلس «الجهة الأكثر انتهاكا لحرية الإعلام بعدد 13 انتهاك، يليه الجهات الأمنية التي ارتكبت 12 انتهاكا، من إجمالي 33 انتهاكا رصدها التقرير في حرية الصحافة والإعلام، منها على سبيل المثال إحالة رئيس تحرير موقع جريدة «المصري اليوم» للتحقيق في نقابة الصحافيين على خلفية خبر نشر في الموقع يتعلق بإحدى سيدات الأسرة المالكة السعودية، ما وصفه قرار المجلس بمخالفته للكود الأخلاقي الذي أقره المجلس من قبل حسب الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للإعلام».
ووفق المؤسسة «ازدادت حالات اعتقال الصحافيين، في الربع الأول من العام 2018، حيث ألقت قوات الشرطة القبض على 6 صحافيين، على خلفية عملهم الصحافي».
الطلاب على قوائم الإرهاب
إلى ذلك، ذكر التقرير أن «ممارسات القمع طالت أربعة من النشطاء الطلابيين، تم وضعهم على قوائم الإرهاب، بشكل مفاجئ، وكان اللافت أن قرار الإدراج عرف الطلاب وفق مناصبهم في الاتحادات الطلابية، وجاء ذلك بالتزامن مع استهداف قيادات وأعضاء من حزب «مصر القوية»، بعد الانتقادات اللاذعة، التي وجهها رئيس الحزب عبد المنعم أبو الفتوح للرئيس السيسي، واتهمه بالرغبة في حكم البلاد من خلال القمع».
أوكي..