مصر وكازاخستان وربع قرن من العلاقات المتميزة

الأنوال بريس -محمد سلامة-
احتفلت مصر وكازاخستان بمرور ربع قرن علي تبادل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل عدة اسابيع، وهو حدث مهم لكلا البلدين فكلاهما يعد قطب في منطقته ولاعب هام جدا علي الساحة الدولية، وهناك مشتركات عديدة بين البلدين حيث تقوم سياستهما علي الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخري. فالبلدين يمتلكان ارثا حضاريا وتاريخيا مشتركا وتشابه كبير في العلاقات الخارجية تقوم علي السلم والامن والتعاون المشترك ومكافحة الارهاب الذي يروع الشعوب والدول ومكافحته بكافة الوسائل.
لذا تنطلق كازاخستان من ارث حضاري عريق، وتاريخ يحتضن الحضارة الاسلامية بعلمائها ومفكريها وعلي رأسهم السلطان الظاهر بيبرس الجد الأكبر للكازاخ وسلطان مصر والشام إبان العصر المملوكي وحامي الديار الاسلامية، وهازم التتار والمغول في معركة عين جالوت، أما الفيلسوف والعالم الكبير الفارابي الذي أطلق عليه المعلم الثاني، فهو الجد الثاني لأبناء كازاخستان، فالقوة والحكمة هما معايير فلسفة الحكم في بلد تبلغ مساحته 7, 2 مليون كيلو متر مربع ويعيش فيه ثمانية عشر مليونا الاغلبية فيهم مسلمين.
تمتد العلاقات المصرية الكازاخية الي عمق التاريخ وتبلورت في القرن الثاني عشر منذ أيام حكم المماليك في عهد السلطان كافور الأخشيدي وقلاوون وقايتباي وبرقوق مرورا بالسلطان الظاهر بيبرس وقطز.
وفور استقلال كازاخستان في عام 1991 كانت مصر أولي الدول العربية والاسلامية التي اعترفت باستقلالها وافتتحت مصر أول سفارة لها في العاصمة القديمة آلماآتي عام 1992كما افتتحت اول سفارة لكازاخستان بالقاهرة عام 1994، وبدأت بالعلاقات الثقافية حيث قام الأزهر الشريف والجامعات المصرية بتقديم المنح الدراسية لمئات الطلاب ، وساهمت وزارة الخارجية من خلال صندوق التعاون الفني مع دول الكومنولث في تقديم الدورات التدريبية، وبلغ حجم المتدربين الكازاخ أكثر من 1600 متدرب، وتبع ذلك قيام مصر بتوقيع اتفاقية انشاء جامعة اسلامية للثقافة في العاصمة القديمة آلمااتا قبل احدي عشر سنة ويدرس بها الآلاف من الطلاب، وتخرج فيها المئات الذين يقومون بالدعوة والتدريس للعلوم الاسلامية والتدين الوسطي السمح.
والعلاقات الرسمية والشعبية وطيدة وتسودها الأخوة والمحبة والتقدير وزار الرئيس نازارباييف مصر عام 1993 وأسفر ذلك عن توقيع اتفاقية انشاء لجنة مشتركة ساهمت في توقيع عشرات الاتفاقيات بين البلدين في كافة المجالات، ومع ذلك ورغم زيارة الرئيس نازارباييف لمصر في عام 2007 فان العلاقات الاقتصادية والتجارية لاترقي لمستوي العلاقات السياسية والثقافية وطموح الشعبين.
وتوجت العلاقات بين البلدين بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لكازاخستان عام 2016 ولقائه بشقيقه الرئيس نور سلطان نزارباييف حيث تم التوقيع علي عدة اتفاقيات لدفع وتعزيز العلاقات علي محاور عديدة وخاصة اتفاق الرؤي علي مكافحة الارهاب المتدثر بالدين ويشوه صورة الاسلام وهي أخطر مشكلة تعاني منها العديد من الدول في القرن الحادي والعشرين. وهناك تنسيق فعال وعلي المستوي في هذا المجال، كما ثمنت دول العالم مجهودات كازاخستان في حل الازمة السورية والحرب الاهلية التي قتلت مئات الالاف وشردت الملايين من أبناء الشعب السوري باحتضان العاصمة استانا اجتماعات المفاوضات بين النظام السوري وفصائل المعارضة المختلفة والدول المعنية بالازمة السورية كروسيا وتركيا وايران والولايات المتحدة الامريكية.
يبدو أن كازاخستان تلك الدولة الاسلامية الوليدة في منطقة آسيا الوسطي والتي ظهرت للنور قبل 27 عاما من آسر الاتحاد السوفيتي تشق طريقها بسرعة الي نادي الدول العمالقة والكبار في العالم، فمساحتها الشاسعة التي تقترب من ثلاثة أمثال مساحة مصر ومواردها الهائلة في النفط والغاز، وسياسة اقتصاد السوق التي تسير عليها ومهد لها وشجعها الرئيس نور سلطان نازارباييف مكنها من احتلال وضع متميز ليس فقط في آسيا الوسطي، بل في العالم كجسر حضاري وثقافي بين الشرق والغرب، ونموذجا للتسامح بين أكثر من 130 قومية تعيش في وئام ووفاق جعلها مضرب المثل ونموذجا تشير اليه الأمم المتحدة في الدعوة الي السلام والأمن.
وأقامت كازاخستان مشروعات عملاقة في البنية التحتية وخاصة مشاريع طريق الحرير، فقد انشأت خط سكك حديد عملاق يربط الصين شرقا بكازاخستان مرورا الي تركمانستان ثم الي ايران والخليج العربي ومصر ويختصر نقل المواد من 17يوما الي اسبوع فقط، وساهم بلا شك في دفع التبادل التجاري بين كازاخستان والدول العربية وخاصة مصر الي آفاق كبيرة. وهناك طريق بري دولي يصل الي اوربا وتركيا ومنه الي الاسكندرية.
ويري السفير أرمان ايساجلييف سفير كازاخستان بالقاهرة، أن الرئيس نور سلطان نازارباييف له وضع خاص في قلوب الكازاخ، فهو الزعيم الذي قاد بلاده الي الاستقلال، ونهض بها بطريقة أثارت اعجاب العالم، وسار بها في عملية تحديث وعصرنة تقوم علي الاصالة والمعاصرة لمجتمع يسوده القانون والديمقراطية والتسامح بين ابنائه، وارتفع الدخل القومي الي 12500 دولارا للفرد في العام، بعد أن كان 500 دولار فقط وقت الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، ويكفي أن كلمة الأمية لم يعد لها وجود بين أبناء كازاخستان، وأقيمت مشاريع عملاقة تمتد من شرق البلاد لغربها من أجل توفير فرص العمل وتعظيم التبادل التجاري وخطوط نقل الطاقة والتجارة والتصدير وعلاقات دولية متعددة تقوم علي الاستقرار وحماية الأمن والسلم العالمي، ومناهضة الاستقطاب والتكتلات والتدخل في الشؤون الداخلية للغير، ولذا انضمت ورأست كازاخستان العديد من المنظمات الدولية، وأهمها منظمة شنغهاي، ومنظمة التعاون الاسلامي، ورأست عام 2010 منظمة الأمن والتعاون الأوربي وهي أول دولة من خارج الطيف الأوربي ترأس أوربا، ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي والثقافي والحضاري كجسر بين الشرق والغرب ومركزا لمنطقة الآوراسيا، وتنازلت عن السلاح النووي وأغلقت مواقع التجارب السوفيتية التي أضرت بالسكان، وتنازلت طواعية عن أكثر من 1500 رأس نووي الأمر الذي يعد مشهدا فريدا علي الساحة الدولية، أعقبها اعلان الرئيس نازارباييف يوم 29 أغسطس من كل عام يوما لنزع السلاح النووي، وأعلن بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة أن الرئيس نورسلطان نازارباييف يمتلك حقا سياسيا وأخلاقيا لأن يترأس الحركة العالمية المناهضة للسلاح النووي.
ويضيف السفير أرمان ايساجلييف، ان كازاخستان تحتفل في الأول من ديسمبر من كل عام بعيد أول رئيس لجمهورية كازاخستان الرئيس نور سلطان نازارباييف باعتباره زعيما أسطوريا وضع بصمة في تاريخ كازاخستان والعلاقات الاقليمية والدولية.
في عام 1997أصدر الرئيس نور سلطان نازارباييف قرارا بانشاء العاصمة الجديدة أستانا في الشمال. واحتفل في عام 2007 باكتمال بناء العاصمة بنظام معماري عصري حديث، وهي تحفة معمارية فيها كل عناصر الجمال والابداع والعصرنة، وتدهشك المباني الجميلة والمرافق المتعددة، التي صممت لتستوعب ملايين السكان، وتحتفل كازاخستان في يوم 6 يوليو من كل عام بعيد آستانا، وهو أيضا عيد ميلاد الرئيس نازارباييف.
وتعد آستانا مركزا معماريا وماليا وثقافيا وروحيا، وأصبحت في الوقت الراهن قطبا اقتصاديا وماليا ومحطة للبنوك العالمية والبورصات، وادراكا لأهمية التبادل الاقتصادي والسياحي يصبح من الضروري التفكير في اعادة خط الطيران المباشر بين البلدين الذي تم تشغيله لفترة قصيرة بين القاهرة وآلمااتا، لتشجيع السياحة والتنقل باعتباره شريانا حيويا.
كازاخستان أشبه بسلة الغذاء للعالم، فهناك 150 مليون هكتار صالحة للزراعة، وثروات معدنية لاحصر لها، وآلاف الانهار ومئات البحيرات واحتوائها علي فصول السنة الاربعة في وقت واحد، وتنوع نادر في المناطق مما يجعلها من أهم الوجهات السياحية المختلفة، وتنافس علي المركز الثالث في احتياطي البترول، وتنتج حوالي 3 مليون برميل يوميا، واحتياطات هائلة للغاز، والمركز العاشر في الذهب بواقع 70 طنا سنويا، واستثمارات وصلت الي أكثر من 130 مليار دولار في أحلك أيام الازمة المالية العالمية عام 2008، وهي شهادة دولية لاقتصاد كازاخستان وسياستها الخارجية وصك المرور الي نادي الكبار حيث أصبحت ضمن الدول الخمسين الأفضل في الاستثمار ونجحت استرايتجية الرئيس نور سلطان نزارباييف "كازاخستان 2050 في تنمية واعدة وقفزة في الاستثمارات والبنية التحتية ومعدلات الدخل القومي، كما ان التخطيط الذكي للتنمية واعتمادها علي خطط متوسطة وطويلة الامد مثل كازاخستان 2030جعلها من اهم الدول المستقطبة للاستثمار والمشروعات الصناعية في الطاقة الخضراء والنفط والغاز، وتوج ذلك باقامة معرض اكسبو 2017 علي ارضها فكان تتويجا لخططها الاقتصادية والصناعية والمالية الهادفة واعلانا عن امكانياتها ومواردها الهائلة.
كازاخستان بلدا بكرا في السياحة والاستثمار لاحتوائها علي الموارد والعناصر الطبيعية، فهي بلد النفط والغاز والذهب واليورانيوم والنحاس والفحم والقصدير وتنتج ملايين الاطنان من القمح والقطن بكميات تكفي دول عديدة في حاجة ماسة للاكتفاء الغذائي، وأقرب الشعوب الي مصر تاريخا ودينا وحضارة وثقافة مشتركة.
أوكي..