البوليساريو وعقدة الاعتراف بالهزيمة
الأنوال بريس -حسن السوسي-
انتهى زمن الاستفراد الجزائري وأعداء الوحدة الترابية داخل الاتحاد الأفريقي ومؤسساته. ولم تكن عودة المغرب إلى المؤسسة الأفريقية القارية غير الخطوة المؤسسة لما بعدها.
كانت معركة قاسية بكل المعاني لأن خصوم المغرب لم يدخروا جهدا في خوضها غير أن كل دفاعاتهم سقطت في آخر المطاف. وهو ما مهد الطريق أمام الدبلوماسية المغربية لربح معارك سياسية أخرى رغم كل جيوب المقاومة التي واجهتها في مساعي تنشيط دور المغرب داخل مؤسسات الاتحاد الأفريقي المختلفة.
هكذا استطاع المغرب أن ينال مقعدا داخل مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي كان مندوب الجزائر يصول داخله ويجول لعرقلة كل مساعي المغرب لتطبيع علاقاته الأفريقية ولتصوير المغرب كما لو كان عدو أفريقيا وعدو تطلعاتها إلى الحرية والأمن والاستقرار، وهو لم يقم إلا برفض أساليب الاستعمار الجديد الذي حاول تفتيت وحدته الترابية تحت مزاعم تقرير المصير الزائفة.
وقد حظي المغرب بدعم تسع وثلاثين دولة أفريقية الأمر الذي مكنه من الحصول على العضوية بأكثر من ثلثي الأصوات التي تنص عليها قوانين الاتحاد الأفريقي. وهذا رغم الجهود التي بذلها الخصوم إلى آخر لحظة لعرقلة انتخاب المغرب كما أكد ذلك وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أكثر من تصريح ومقابلة مع مختلف وسائل الإعلام.
وكانت النتيجة متوقعة لأنها تعبر عن وزن المغرب داخل القارة الأفريقية وذلك مُذ نزل العاهل المغربي الملك محمد السادس بكل ثقله السياسي والمعنوي في إعادة بناء العلاقات المغربية الأفريقية على قواعد راسخة من الشراكات متعددة الأبعاد والاحترام المتبادل، والانطلاق من قضايا الحد الأدنى الممكن في تحقيق إستراتيجية “رابح- رابح” مع مختلف الشركاء.
لكن جبهة الانفصال لم تعتبر هذا نجاحا هاما بكل المقاييس السياسية والدبلوماسية حققه المغرب، لأنها لم تستطع النظر إلى الأمر بعين ترى، وإنمـا بعين عليها غشاوة، فتحدثت عن أن نتيجة التصويت لا تعني شيئا آخر غير أن المغرب لم يحظ بدعم ست عشرة دولة، وكأن امتناع البعض عن التصويت يوازي من حيث وزنه التصويت الإيجابي لأكثر من ثلثي أعضاء الاتحاد الأفريقي.
ولَم تكتف حتى بهذا وإنما أطلقت العنان لخيالها المريض زاعمة أن حصول المغرب على هذا المقعد هو عنصر جديد للضغط عليه من قبل الاتحاد الأفريقي للاستجابة لمطالبها الوهمية في الصحراء المغربية، وليس كما هو واقع الأمر خطوة نوعية أخرى في محاصرة مشروع الانفصال داخل الاتحاد الأفريقي تمهيدا لدحره النهائي.
هكذا حاولت البوليساريو الابتعاد عن لغة الواقع التي تعني ضرورة اقتران الوقائع الملموسة مع ما يطلق عليها من أسماء، لأنها لغة تسمي ما جرى هزيمة جديدة لمشروعها الانفصالي وربح معركة جديدة من قبل المغرب في هذا الملف.
وبطبيعة الحال، فإن تواجد المغرب داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي يعني تحجيم أدوار خصوم الوحدة الترابية الذين كانوا لا يحتاجون إلا إلى تدبيج بيان أو نص أو توصية ليتم تمريرها دون أخذ موقف المغرب وحقوقه الوطنية بعين الاعتبار.
وَمِمَّا لا شك فيه أن تحجيم هذه الأدوار سيضع هذه الهيئة الأفريقية في موقع الالتزام بمفردات النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية كما حددها مجلس الأمن الدولي، وليس كما كانت تحاول إستراتيجية القيادة الجزائرية فرضه على الاتحاد الأفريقي خاصة عندما حاولت الزج به في هذا النزاع لاعتبارات ترتبط بهيمنتها على هذه المؤسسة، قبل عودة المغرب الرسمية لمزاولة دوره في هذه المؤسسة وهيئاتها.
ربح هذه المعركة ليس نهاية مطاف في مواجهة المشروع الانفصالي المدعوم من سياسات الهيمنة الإقليمية للقيادة الجزائرية، ما في ذلك شك، غير أن تراكمات المغرب في مجال معاركه على الساحة الأفريقية مع هذا المشروع تنبئ بأن تحولا نوعيا لصالح الموقف المغربي، في مسار هذا النزاع الإقليمي المفتعل، بدأت ملامحه تظهر في الأفق وهو ما يفسر الحملات الدعائية المنهجية التي يتعرض لها من طرف الذين خسروا رهاناتهم داخل أفريقيا، التي اعتبروها الحصن المنيع لإستراتيجياتهم المعادية.
إن عدم اعتراف جبهة الانفصال بهزائمها في هذا المجال لا يرفع هذا الواقع الذي يعبر عن نفسه على أكثر من مستوى، قبل عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وبعدها، والذي شكل بداية العد العكسي للهيمنة المطلقة لإستراتيجية خصوم المغرب داخل القارة الأفريقية.
أوكي..