كتاب "نار وغضب" قادر على الإطاحة بترمب من سدة الرئاسة
لم يأتِ كتاب "نار وغضب داخل بيت ترمب الأبيض" من حيث المحتوى بجديد مقارنة بما تطرحه الصحافة الأمريكية منذ أن تولى دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة، ما عدا كون المعلومات قد ظهرت على هيئة كتاب. واستطاع المؤلف مايكل وولف بذكاء أن يكسبها نوعًا من المصداقيّة وإن كانت موضع شك بإشارته إلى أن كتابه بُني على مقابلات مع أكثر من 200 شخصية رفيعة من داخل البيت الأبيض أو على علاقة وثيقة به.
مكتبتا "أمازون" و"بارنز آند نوبل" الإلكترونيتان أشارتا إلى أن كتاب "نار وغضب" احتل المرتبة الأولى بحلول منتصف يوم الجمعة الماضي، وأن مخزون الكتاب بدأ ينفد. والحق أن رواج كتاب "نار وغضب" لم يكن مستغربًا، ليس بسبب دقة معلوماته، ولكن لأنه يتناول شخصيّة لم يكن من المتوقع صعودها إلى أعلى هرم المؤسسة السياسية الأمريكية، فضلاً عن كون ترمب رجلاً مثيرًا للجدل في أطروحاتها عبر حسابته في شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر"، لذا كان إطار الكتاب شبيهًا بما ينشر في الصحافة الصفراء ذات الرواج الذي يفوق أكثر الصحف مهنيّة في العالم، لتركيزها على النمط الفضائحي في الطرح، وهو ما يستهوي شريحة واسعة من القراء.
وفي العُرف السياسي لا يمكن الإيمان بأن كتاب "نار وغضب" نزيهًا في ظل الصراعات داخل المؤسسات السياسية الأمريكية، ورغبة بعض الشخصيات المؤثرة في عزل ترمب إمّا لخلافات شخصيّة أو لدوافع حزبية ومواقف أيديولوجية، وما يزيد من نسبة الشك إزاء الكتاب هو ما ذُكر حول آراء ترمب تجاه قضايا الشرق الأوسط، وظهر فيه تعمد الإساءة لشخصيات عربية بارزة ومؤثرة، ما يرجّح إمكانية حصول المؤّلف على تمويل من جهة خارجيّة لتشويه سمعة رموز سياسية محددة، ومثل هذه المراهقات لا يخلو منها ميدان السياسة وتدخل ضمن نطاق الحرب الإعلامية.
موقف ترمب من الكتاب لم يخلو من نرجسية معتادة، وقال "في الواقع أكبر نعمتين في حياتي: رجاحة العقل وشدة الذكاء"، وهذا التعليق المقتضب أراد به تفنيد ما ذُكر في الكتاب من أن الرئيس متهور وبطيء الاستيعاب. وعلقت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض بقولها "الكتاب مليء بالشهادات المزيفة والمضللة"، وفي ذات الاتجاه أكد مايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن "ما ورد في الكتاب سخيف ومحض خيالات".
ورغم التعليقات الساخرة التي تلقاها الكتاب، إلا أن مؤلفه وولف يعتقد أن كتابه قادر على الإطاحة بترمب من سدة الرئاسة، ويبدو بأنه بالغ كثيرًا بما سيحدثه من تغييرات، مع أن تجربته السابقة في الكتابة عن الملياردير روبرت ماردوخ وكشفه للعديد من الخبايا لم تحرك ساكنًا في مسألة هيمنة ماردوخ على الإعلام، ولم تُنقص من ثروة الأخير دولارًا واحدًا. الكتاب سيحدث بلبلة لبضعة أشهر، لكنه لن يمضي إلى أبعد من ذلك، وطبيعة الرئاسة الأمريكية ونظامها قابلة لاستيعاب مثل تلك الهزّات، وقد تُلحق بها بعض الضرر لكنها بكل تأكيد لن تنهار بسببها.
توقيت نشر الكتاب يطرح سؤالين عريضين: لمصلحة مَن نُشر؟، والأهم مَن قام بتمويل نشر الكتاب؟، وانطلاقًا من محتواه فإننا نجد تماهيًا في رؤيته وأطروحاته مع الاتجاه الذي يمثله نظامي ولاية الفقيه في طهران والحمدين في الدوحة، وتحديدًا فيما يتصل بمقاطعة دول الخليج لقطر، وموقف الدول العربية من القضية الفلسطينية، وهذا التماهي عزز منه احتفاء وسائل الإعلام التابعة للنظامين بمحتوى الكتاب، وبعضها خصص عشرات التقارير الإعلامية للإشارة إليه وتحليله وتقديمه للقارئ بوصفه كتابًا صادقًا ونزيهًا ولا يقبل الشك، وهذه المؤشرات قد تدلنا إلى الأذرع الخفية التي اعتادت على تمويل كل ما يثير البلبلة وينشر الفوضى سواءً في المجتمعات العربية أو الإقليمية والدولية.
أوكي..