وجهة نظر في مستقبل الحزب الإشتراكي الموحد

الأنوال بريس
يستفاد من سيرورة التحضير للمؤتمر أن هذا الأخير سينعقد ليرسم الإجابة على سؤال وحيد يمكن صياغته على الشكل التالي:
أي جواب للتناقض القائم بين جاذبية مفترضة يتمتع بها الحزب الحزب الإشتراكي الموحد وضعف نتائجه وتراكماته عل مستوى الممارسة ؟ ويمكن كذلك استنتاج أن الطريقة التي ركب بهذا السؤال تريد من جهة تسويق نوع من الإحساس بالإكتفاء الذاتي بفكرة الحزب وتحاول ربط الإخفاقات بمعيقات ذاتية وجب تحقيق القطيعة معها من جهة أخرى.
إن هذا السؤال يلغي بطريقة غير مباشرة كل محاولة حقيقية لتشخيص وتقييم غلق النظام لقوس الانفتاح الذي فرضته سياقات ما سمي بالربيع العربي وأسباب إخفاق الحركة الديموقراطية والتقدمية في المسك بلحظة عشرين فبراير لتحويل الإنتقال إلى الديموقراطية واقعا ملموسا وعجزها على إنجاز ما هو أكبر من التضامن مع الحراكات الشعبية والحركات الاجتماعية.
وبمعنى آخر، فالتركيز على الذات الحزبية وسؤال إعادة بنائها لتحويل جاذبيتها إلى إنتصارات انتخابية يفيد منطقيا التغاضي عن المعطيات الموضوعية التي تعاكس البحث على الهروب من هامش المؤسسات.
إن الإكراهات الموضوعية وحتى لما تسللت، بشكل صريح أو ضمني، لبعض فقرات الأدبيات التي تبتغي تأطير فعل الحزب مستقبلا فإنها لم تقيد خلاصاتها ولم تتمكن من أن تصير من مرتكزات النسق بل تبين أن إقحامها استدعته ضرورات شكلية لدعم أطروحة أفق جديد لا يختلف عن الأفق القديم سوى في إسقاطه لمركزية شعار "الملكية البرلمانية، الآن وهنا" وإقحامه لعناصر ترمي بشكل ملتو إلى التراجع على تعاقدات تاريخية أسست لميلاد الحزب كتلك المتعلقة بالموقف من الحركات الأصولية أو صيرورة توحيد التنظيمات اليسارية. إن القفز على كل عناصر الجزر التي يشهدها الحقل السياسي المغربي هو في جوهره بحث عن تسييد منطق الإستمارية للأغلبية التي تحكمت في القرار الحزبي خلال الولاية الأخيرة ومحاولة ربط عجزها في انتشال الحزب من هامش المؤسسات بوجود عراقيل داخلية تعتبر عملية تفكيكها هي أولوية الأولويات. وهكذا، وبدل الوقوف مثلا على دروس انقلاب النظام السياسي على نتائج انتخابات تشريعية رغم أنها جاءت في مصلحة حزب يتقاطع معه موضوعيا في الاختيارات الكبرى، يتم الهروب إلى الأمام من خلال الحديث عن التحضير المبكر للإستحقاقات القادمة! ولما يتحقق هذا التنصل المراوغ مما تقتضيه كل قراءة موضوعية لكل ما يحبل به الحقل الإجتماعي والإقتصادي والسياسي المغربي يصبح جدول أعمال المؤتمر بالنتيجة هو تهييىء الذات الحزبية لتستوعب الإمكانيات التي يتيحها الواقع المقروء بشكل مقلوب. هذه الأطروحة التي أسس أصحابها بطريقة دقيقة للهيمنة على كل مدخلات مؤتمر الحزب تعتبر عملية القطيعة مع كل ما من شأنه تأجيل الترسيم النهائي لسياسة الانفتاح هي الشرط الأساس لتحقيق الطفرة الإنتخابية الموعودة. وفي السياق نفسه يصبح العمل على محو الصورة الراديكالية التي لازمت الحزب بسبب انتصاره للأفق الإشتراكي أو نقده الصريح لطبيعة النظام السياسي أو ربطه الجدلي بين النضال المؤسساتي والنضال الجماهيري... هو شرط تحقق الشرط الأساس، أي نجاح سياسة الإنفتاح على الفئات الوسطى وبعض المثقفين وجزء من البورجوازية "الوطنية والمتنورة". ولتكتمل الصورة، عملت هذه الأطروحة على التنصل بشكل غير مباشر من موقف مقاطعة التشريعيات التي واكبت حركة عشرين فبراير والتشكيك في جدوى الإنتصار لمطلب العلمانية بدعوى الخصوصية والعمل على إعادة النقاش حول مكسب التيارات إلى مربعه الأول... إن المنشود الذي يتوارى خلف خطاب هذه الأطروحة في نظرنا هو التخلص النهائي من الهوية اليسارية والممانعة للحزب حتى تستقيم وتسهل عملية العودة إلى خط سياسي لم يقتنع أصحابه بفشله النهائي في تحقيق التغيير المنشود ولم ينتمي المنافحون عنه إلى تجربة الحزب بناء على وعي نقدي تاريخي لتجربة الحركة الوطنية واليسار الجديد ولم يتخلص مهندسوه من ثقل الماضي وجراحاته. ولعل ما يجعلنا نقتنع بهذه الخلاصة هو اقتران هذا السعي باستنبات وتوطين ممارسات تحيل على الماضي كالتطبيع مع شخصنة الحزب على حساب المؤسسات واستسهال تجاوز الزعامات للتعاقدات الحزبية وإشاعة ثقافة التجييش بدل ثقافة النقد والنقد الذاتي... وما يفيد كذلك هذا السعي هو التأصيل لثقافة هيمنية تحيلنا على تجارب سابقة ترهن استراتيجية تجميع اليسار الديموقراطي بتحقق شرط مركزية الحزب في كل مشروع مستقبلي لا يكون فيه الآخر سوى تابعا وملحقا. إن التوجس من استراتيجية الإندماج بدرائع تتوزع بين البيروقراطية النقابية ومطامع تنظيمات ضعيفة سياسيا من حيث التأثير وإخفاقات التجارب الإندماجية السابقة... يحيلنا كذلك على تفشي ثقافة "زعاماتية" تؤطرها نوازع وطموحات فردانية لا يمكن لها التعايش مع ثقافة بديلة قوامها التضحية ونكران الذات وابتغاء انتصار المشروع في المقام الأول. لم تكن تجربة الخمسة عشرة سنة الماضية كافية ليتشكل الوعي لدى أصحاب هذه الأطروحة بالحلقة المفرغة التي أصبحوا سجناء لها . فبقدر ما تم الرهان على موقع متقدم داخل المؤسسات بقدر ما تراكمت الإخفاقات والهزائم، وبقدر ما أراد الحزب إقناع الفئات الوسطى بعرضه السياسي بقدر ما عرفت قاعدة هذه الفئات انكماشا وتقلصا مقابل تصاعد مضطرد للهشاشة والفقر، وبقدر ما توسعت قاعدة النضال الجماهيري السلمي وضعفت الثقة في المؤسسات بقدر ما أصبحت المقاعد هي الهدف.... والخطير في الأمر أنه بدل استخلاص العبر والدروس الضرورية من كل هذا، يتم نهج سياسة الهروب إلى الأمام والإجتهاد في نسج خطاب يسوق ويبشر بمستقبل وردي للحزب بناء على "حب" الناس لزعيمته وزيادة طلبهم على نموذج حزبي معتدل لا يحيل كثيرا على مفردات اليسار الحقيقي.
أوكي..