"الكناوة" فن مغربي و سفيراً ثقافياً وتراثياً للمغرب في العالم
الكناوة يصفها باحثون بالموسيقى الروحية التي تخاطب الكيان اللاشعوري لدى الإنسان، وهنا تكمن قوتها، ويرادفها في النغم الروحي "الليلة" في المغرب .
فرقة الكناوة التي تجول فرقها بلدان العالم، غدت اليوم سفيراً ثقافياً وتراثياً للمغرب، وهي تراث قديم تعود أصولها إلى جنوب الصحراء أو الصحراء الأفريقية، لكن مع زحفها للمغرب تطورت لتشمل مزيجاً من الإيقاعات والأغاني البربرية والأفريقية والأفريقية الإسلامية الروحية.
موسيقى كناوة وأغانيها تعتبر تراثاً فريداً في العالم؛ فهي تحكي معاناة "العبد" في أثناء رحلته من بلده؛ لذلك تشترك في نغماتها وموسيقاها الإيقاعات الاحتفالية للقبائل الأفريقية، وأيضاً تروي حكاية تعايش العربي والأمازيغي والأفريقي المسلم على أرض المغرب.
أصل التسمية يرجع بعض الباحثين اسم لفظ "كناوي" إلى كلمة "قناوي" أو "قن" أي عبد؛ لأنها ظهرت أول الأمر بين العبيد وحملت أنينهم وحكاياتهم العجيبة، في حين يؤكد الباحث المغربي "محمد الكوخي" أن الكلمة لها علاقة بمصطلح "اكناو" الأمازيغي، ويقصد به الشخص الأبكم أو الشخص الذي يتحدث بكلام غير مفهوم و أعضاء فرق كناوة يقدمون وصلاتهم الغنائية الراقصة، وهم يرتدون ملابس بألوان براقة زاهية فاقعة، تصاحبهم آلات موسيقية هي "الكمبري آلة موسيقية وترية قديمة وتقليدية، تصنع أساساً من جذع شجرة محفور مغلف بجلد عنق الناقة، وأوتارها التلاثة مصنوعة من أمعاء الماعز (المصران)"والطبول والقراقب (آلات عزف نحاسية)."الكمبري آلة موسيقية وترية قديمة وتقليدية، تصنع أساساً من جذع شجرة محفور مغلف بجلد عنق الناقة، وأوتارها التلاثة مصنوعة من أمعاء الماعز (المصران)"تعتبر جَدّة آلة (Bass) الغربية، وصوتها قريب من صوت العود، لا سيما من حيث الشجن".
تصاحب الموسيقى رقصات بهلوانية تتطلب رشاقة كبيرة، ويفترض بالراقص أن يبلغ درجة من الانسجام والسمو الروحي، يصل في خلالها إلى درجة لا يشعر فيها بجسمه ويصبح خفيفاً.
ولكل فرقة كناوة قائد خبير، يحفظ هذا الثرات الموسيقي كلماتٍ وأنغاماً ويطلق عليه اسم "المعلم".
كلمات الأغاني الكناوية غريبة ومبهمة، ولا يفسرها إلا عاشقها والباحث فيها، تكون بدايتها ونهايتها بذكر الله والصلاة على نبيه، لكن وسطها يشير إلى حكايات وأساطير.
في السنوات الأخيرة اكتسبت الموسيقى الكناوية شهرة واسعة النطاق على المستوى العالمي، والفضل في ذلك لمشاركة الفرق المختصة بهذا الفن الموسيقي المبهر في مهرجانات ومناسبات دولية.
أيضاً فإن مهرجان كناوة، الذي يقام في مدينة الصويرة بالجنوب المغربي، وبلغ الدورة العشرين في مايو الفائت، أدى دوراً كبيراً في تعريف العالم بهذه الموسيقى.
منتجة مهرجان كناوة، نائلة التازي، أعربت ن فخر إدارة المهرجان ببلوغ الدورة العشرين من المهرجان، وقالت: "أعتبره مهرجاناً مناضلاً، لقد ردّ الاعتبار لموسيقى كناوة، ولم يكن تنظيم المهرجان سهلاً".
وأضافت: "لقد استفاد المغرب والصويرة من هذا المهرجان العالمي، بعد أن عكس قيم وتقاليد المغاربة وثقافتهم بالترحيب بالآخر، والاستفادة من تجارب الآخرين في الفنّ والموسيقى".
وأشارت إلى أن المهرجان استطاع "أن يمزج موسيقى العالم بالكناوية وتقديمها لجمهور عريض، مغربي وأجنبيّ، من قبل فنانين مغاربة يعملون مع آخرين أجانب لتحقيق موسيقى عالمية".
مهرجان كناوة يشارك فيه مغنون عالميون بارزون، وفرق موسيقية معروفة من بلدان مختلفة، وفي الدورة العشرين شارك نجم البلوز لوكي بيتيرسون، ونجم الجاز بيل لورنس، والبرازيلي كارلينوس بروان.
مهرجان كناوة أصبح أحد أهم التظاهرات العالمية التي تحتفي بموسيقى ذات حساسية خاصة، وعنواناً رئيسياً للثقافة الزنجية، وصوتاً عابراً للزمان للمأساة الأفريقية التي حملها عبيد أفريقيا جنوب الصحراء في رحلتهم إلى المغرب الأقصى خصوصاً، وبلاد المغرب العربي عموماً.
والمهرجان أيضاً يكرم ذاكرة مدينة الصويرة (موغادور تاريخياً) التي تشكل مهد تطور هذا الفن الشعبي الروحاني، والمقصد الأول لكبار الموسيقيين العالميين، الذين جذبتهم الرغبة في توظيف الإيقاعات الكناوية وإدماجها في محاورات موسيقية تجريبية.
ودليل مكانته العالمية، أنه يصل إلى مدينة الصويرة في كل عام، آلاف الزوار من عشاق موسيقى "كناوة". يأتون من المغرب ومن أوروبا وأمريكا لحضور المهرجان الخاص بهذا النوع من الموسيقى، التي استطاعت أن تجد لها مكانةً داخل قلوب محبي الموسيقى من أماكن مختلفة، خاصة أن نغماتها قريبة من نغمات موسيقى الجاز والبلوز.
موسيقون مغاربة شباب يحاولون أخذ الكناوة إلى مجالات أرحب، وتعريف بلدان أخرى لم تنتبه بعد إلى جمال هذا الفن، وهم بذلك يعتمدون على تطوير موسيقى الكناوة، والإضافة إليها.
أيوب فهمي، وهو موسيقي شاب من المغرب، يحاول أن يوصل الكناوة إلى منطقة الخليج العربي، وذلك من خلال المزج بين الكناوة والموسيقى الخليجية، بحسب رأيه.
أيوب قال :إنه يتمنى أن تصل موسيقى كناوة إلى أنحاء العالم كافة، مشيراً إلى أن مزجه بين الكناوة والموسيقى الخليجية "لقي قبولاً بين المغاربة".
وأضاف: "نحن نؤمن أن الموسيقى تبقى أنجع وسيلة للتقارب بين الثقافات المختلفة".
الكناوة وبالرغم من أنها موسيقى تمثل تراث بلد عربي، لكنها معروفة في دول أجنبية، في حين تجهلها الكثير من البلدان العربية، وهو ما يرجعه أيوب إلى أن الباحثين الغربيين يهتمون بدراسة تراث بلدان أخرى، ومنه التراث المغربي، ويرسلون بعثاث تدرس المجتمعات؛ لذلك لقيت الكناوة ترحيباً كبيراً واهتماماً واسعاً بين بلدان الغرب.
أيوب يؤكد أن الشباب المغاربة يهتمون بالتراث الكناوي، مبيناً أن "عدد الشباب الشغوفين بتعلم الموسيقى الكناوية بارتفاع".
وأشار إلى أن فضل ذلك يعود إلى العائلات الكناوية التي حافظت على التراث، والجمعيات التي عَرّفَت به، والمهرجانات التي تشارك فيها الكناوة كمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، والفنانون العمالقة الذين أحبوا هذه الموسيقى مثل: Jemy Handrex , Led Zeppelin ,Bill Laswell , Adam Rudolph , Randy Weston.
أوكي..