الأنوال بريس -متابعة -
النّخبة السياسيّة المِصريّة ما زالت تَعيش حالة من الصّدمة من جرّاء حالة تَرشيح، ومِن ثم انسحاب، الفَريق أحمد شفيق من الانتخابات الرئاسيّة أواخر مارس المُقبل، وما جَرى حَولها من لَغطٍ وتكهّنات وتَفسيرات مُتعدّدة، لتتلقّى ضَربةً جديدة مُفاجِئة تتمثّل في إعلان السيد سامي بلح، المُتحدّث باسم حزب مِصر العُروبة، أن الحزب اجتمع مساء الخميس واتّخذ قراره النّهائي بتَرشيح الفريق سامي عنان في الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة، وأنّه، أي الفريق عنان، سيُلقي خِطابًا للشّعب المِصري يُؤكّد فيه قُبوله الترشّح، ويَتحدّث عن برنامجه الانتخابي.
اللافت في الأمر أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يُعلِن حتى الآن عَزمِه الترشّح رسميًّا في الانتخابات، وربّما سيُؤجّل هذه الخُطوة حتى أواخر الشّهر الحالي، مَوعد نهاية تَلقّي الطّلبات، أي بَعد ما يَقرُب من أُسبوعين، ممّا يَطرح العَديد من علامات الاستفهام حول ما يَجري خَلف السّتار في دهاليز دوائِر الحُكم الضيّقة في مِصر.
أن يُنافس الرئيس السيسي خَصمًا مِثل الفريق أحمد شفيق، أهون بكثير من مُنازلة خَصم ربّما يكون أكثر شراسة، وربّما أقوى فُرصة في الفَوز، وهو الفَريق سامي عنان الذي ما زالَ يَحظى، مِثلما يَتردّد، بِدَعمٍ مِن المُؤسّسة العَسكريّة، وربّما بعض القِوى الخارجيّة مثل الولايات المتحدة الأمريكيّة الذي يَتردّد بأنّه يُقيم علاقات جيّدة معها، بَدأت مُنذ أن تولّى عِدّة مَهام تَستوجب التّنسيق معها، سَواء عندما كان قائِدًا للقوات الجوية، أو بَعد تولّيه آخر مَناصِبه كرئيس لهَيئة أركان الجيش المِصري.
لم يَمضِ إلا يَومان فقط على إطلاق قُنبلة تَرشيح الفريق عنان، ولم يُصدِر حتى الآن أي رد فِعل من قِبَل الرئيس السيسي ومُعسكرِه السياسيّ والإعلاميّ على هذا التّرشيح، وهذا أمر مَفهوم لمن يَعرف طريقة إدارة الأُمور في المُؤسّسة المِصريّة العَميقة على أيِّ حال، فقد تَبيّن أن الفريق شفيق، وبَسبب إقامته في دولة الإمارات، لم يَكُن يَعلم حقًّا بتَرتيبات الانتخابات وعَزم الفريق عنان الترشّح ومُنافسة الرئيس السيسي.
هُناك تَفسيران ظَهرا حتى الآن لخُطوة نُزول الفريق عنان إلى حلبة المُنافسة في انتخابات الرئاسة:
الأول: يقول أن هذا الترشيح جُزء من “مَسرحيّة” جرى الاتفاق على تفاصيلها، لإظهار مَدى جديّة المُنافسة بطَرح مُنافس قوي للرئيس السيسي ممّا يُضفي نوعًا من الجِديّة والإثارة معًا على العمليّة الانتخابيّة، ويَدفع الكَثير من النّاخبين للإدلاء بأصواتِهم، ولكن النّتائج سَتكون مَحسومة بِفَوز الرئيس السيسي في نِهاية المَطاف.
-
الثاني: يُؤكّد أن نُزول الفَريق عنان إلى الحَلبة ليس تمثيليّة، وإنّما خُطوة جديّة تَعكِس وجود “صِراعات أجنحة” داخِل المُؤسّسة العَسكريّة المِصريّة الحاكِمة التي تُمسِك بكُل خُيوط اللّعبة، وأن هذهِ المُؤسّسة قَرّرت الاحتكام للشّعب لدَعم القَرار النّهائي.
لا نُرجّح أي من التّفسيرين في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم”، فلَو كان الأمر تمثيلاً لجَرى الاكتفاء بمُرشّح “كومبارس″، مِثلما جَرى في الانتخابات المِصريّة الأخيرة، أمّا مَسألة صِراع الأجنحة في المُؤسّسة العَسكريّة فهو مُستبعَد، لأنّها ظَلّت في مُعظم فَترات تاريخها الحَديث مُتماسِكة، وتَلتزم بِوحدتها الداخليّة التي تُعتَبر خطًّا أحمر.
المشير حسين طنطاوي، زعيم المجلس العسكري المِصري السّابق، و”صانِع المُلوك” في نَظر الكثيرين، ونحن من بَينهم، هو الذي حَسم نتائج الانتخابات الرئاسيّة قبل الماضية الني جاءت بالدكتور محمد مرسي رئيسًا للبِلاد، وتَردّدت أنباء قَويّة، نُسبت إلى شخصيّاتٍ قَريبة من دائِرة الحُكم، على رأسِها المَرحوم محمد حسنين هيكل، تُفيد بأنّ الفريق أحمد شفيق كان هو الفائِز الحقيقي، ولكن بعَدد مَحدود من الأصوات في الجَولة الثانية والنهائيّة من انتخابات الرئاسة، ولكن المُشير طنطاوي والمجلس العسكري، الذي كان الفريق عنان عُضوًا فيه، قرّروا إعلان الدكتور مرسي مُرشّح حركة “الإخوان المُسلمين” فائِزًا لتَجنيب حُدوث ثَورة في مِصر، لأن الفريق شفيق كان مِن أكثر المُقرّبين للرئيس مبارك، وفَوزِه يَعني استمرار عَهد الأخير، وإجهاض الثّورة المِصريّة عمليًّا، وأن الشّعب المِصري “الثّائِر” لن يَقبل بهذهِ النّتيجة وسيَنزِل إلى الشّوارع.
كما تَرّددت أنباء أُخرى مُماثلة، ومن المَصادر نفسها، تقول أن المَجلس العَسكري الذي جَرى حَلّه شَكليًّا، وعد الفريق شفيق بدَعمِه في الانتخابات الرئاسيّة المُقبِلة، ولكن ما زالت هذهِ الأنباء غير مُؤكّدة من جِهات رسميّة، سِواء داخِل الدّولة أو أوساط المَجلس العَسكري، ولم تَظهر حتى الآن شَهادات ووثائِق تُرجّحها.
الرئيس عبد الفتاح السيسي ذَكَر في بِداية تَولّيه لوزارة الدّفاع، ثم بَعد ذلك أثناء المَرحلة الانتقاليّة التي تَلتْ حِراك 30 حزيران (يونيو) الذي استغلّه الجيش كغِطاءٍ للإطاحة بالرئيس مرسي، أنّه لا يُريد الترشّح في انتخابات الرئاسة، ولن يَخلع البِزّة العَسكريّة، وعِندما “اضطر” للترشّح في انتخابات الرّئاسة، ذَكرت أوساط قَريبة مِنه أنه سيتولّى الرّئاسة لفَترة واحدة فقط، أي أنّه لن يَخوض الانتخابات المُقبِلة.
السّؤال الذي يَطرحْ نَفسه بقُوّة يَتعلّق بنوايا المُؤسّسة العَسكريّة الحقيقيّة في الأعوام المُقبِلة، فهَل تَطبخ سيناريو مُفاجِئ يُريد نَقل الرّئاسة إلى وَجه جديد من “بَطنِها” لتَزعُم المَرحلة وتَحدّياتِها، أم تَهيئة المَناخ لانتخابات حَقيقيّة، وليس صُوريّة، تكون المُنافسة فيها قَويّة، وتَأتي نِتائجها لتَعزيز مَكانة الرئيس السيسي، ومَنحِه وِلايةً رئاسيّةً ثانية، وتَفويضًا شَعبيًّا وعَسكريًّا مَفتوحًا؟
من الصّعب الإجابة على هذا السّؤال في ظِل ضبابيّة المَوقِف حاليًّا، لكن ما يُمكِن قَوله أن مِصر تُواجِه تَحدّيات ضَخمة جدًّا داخليًّا وخارجيًّا، وتَحتاج إلى رئيس يَتمتّع بَدعمٍ واسِع وغير مَحدود من المُؤسّستين الشعبيّة والعَسكريّة مَعًا، يُؤهّله لاتّخاذ قراراتٍ مَصيريّة من بَينِها “إعلان الحَرب”، إذا تَطلّب الأمر ذلك.
لا نَستبعد وجود “سيناريو” سِرّي لدى المُؤسّسة العَسكريّة المِصريّة، التي لا بُد مِن التّذكير بأنّ المُرشّحين الثّلاثة الأبرز للرئاسة، وهم السيسي، وعنان، وقَبلهُما شفيق، هُم من أبنائها، ومَلامح هذا السّيناريو ستتبلوَر في الأيّام أو الأسابيع القليلة المُقبِلة، ولذلك نُفضّل البُعد عن النّزول إلى مَيدان التكهّنات، ونَعتقد أن من الحِكمة الانتظار حتى يَنقشِع غُبار الغُموض، وتَظهر الحقائِق واضِحَةٍ للعَيان.. والله أعلم.
أوكي..