رضوان القسطيط: صوت لفلسطين خنقوه فجرا

الأنوال نيوز بقلم : حسن بناجح
في واحدة من أكثر اللحظات قسوة ووجعا، وبينما الأمة تستقبل ليلة عرفة بقلوب واجفة وعيون دامعة، وعلى أعتاب عيد الأضحى حيث تنتظر
العائلات اللقاء وتتلمس فرحة اللمة، جاء النبأ كالصاعقة: حكم بالسجن سنتين نافذتين على المناضل المغربي رضوان القسطيط. حكم صدر فجرا، في وقت تتنزل فيه الرحمات وتُرجى فيه الاستجابة، فإذا بنا أمام فجر من نوع آخر؛ فجر يُفتقد فيه العدل وتقيد فيه الحرية، ويحاصر فيه صوت الصدق والضمير.
رضوان القسطيط لم يعتقل لأنه انتهك القانون، بل لأنه مارس حقه المشروع في التعبير السلمي عن رأيه، واصطف إلى جانب قضية عادلة تجسد التزام الأمة الديني والتاريخي والأخلاقي تجاه فلسطين. لم يسجن لأنه اعتدى على حق أحد، بل لأنه دافع عن الحق في زمن صارت فيه الكلمة الصادقة تعد جرما.
إن الحكم عليه بالسجن، على خلفية مواقفه المناهضة للتطبيع ورفضه لعبور السفن الصهيونية من الموانئ المغربية، لا يعد فقط قرارا جائرا، بل هو انتهاك صارخ للحقوق المدنية والسياسية التي تكفلها المواثيق الدولية التي تضمن لكل فرد حرية الرأي والتعبير، وحرية التظاهر السلمي، والمشاركة في الشأن العام.
إن توقيت النطق بالحكم ليس تفصيلا عابرا؛ فليلة عرفة عند المسلمين هي لحظة للصفح والمغفرة، لا للانتقام والتضييق. عشية العيد ليست زمنا لإخراس الأصوات الحرة، بل ظرفا كان يستدعي حكمة وأخلاقية قبل العدالة القانونية التي تجزم ببراءة رضوان. هذا الحكم، إذ يطفئ شموع الفرح في بيت والديه، لا يعاقب رضوان فقط، بل يعاقب الضمير المجتمعي بأسره، ويريد بعث رسالة تخويف إلى كل من تسول له نفسه التعبيرعن موقف حر في قضايا الوطن والأمة.
لقد أريد من محاكمة رضوان أن تكون عقوبة نموذجية لردع كل مناهض للتطبيع، لكن مثل هذه الأحكام لا ترهب الأحرار، بل تزيدهم صلابة، وتكشف هشاشة المنظومة التي تخشى هتافا أو لافتة أو كلمة أو تدوينة، أكثر مما تخشى الغزاة ومخططاتهم.
إننا أمام انزياح خطير عن بوصلة العدالة، حيث يجرم الدفاع عن فلسطين، ويكافأ التطبيع مع الاحتلال، وتشرعن المحاكمات السياسية تحت غطاء قانوني هش.
ما جرى هو انتهاك مركب: سياسي، وحقوقي، وإنساني. إنه اعتداء على الحق في الاحتجاج، واغتيال لمعنى النضال المدني. إنه امتداد لسياسة ممنهجة تهدف إلى تجريم التعبير، وتكميم الأفواه، وخنق كل موقف يربط المغرب بعمقه التحرري والمبدئي تجاه فلسطين.
لكننا لا نقف اليوم لنرثي رضوان، بل لنشهد العالم على قضيته، ولنجدد العهد مع ضميرنا الوطني والإنساني: أن لا نخذل المظلوم، وأن لا نبارك سجّان الكلمة، وأن لا نساير المنحدر الخطر الذي يجعل من نصرة المظلوم تهمة، ومن مناهضة الظالم جريمة.
اليوم، وفي حضرة عرفة، نقول: اللهم إن رضوان قال كلمة حق، فكانت له الزنزانة،
اللهم فاجعل له بها رفعة وحرية،
واكتب له ولأمثاله من الشرفاء العتق من سجون الأرض وسجن السكوت،
واحفظ لنا صوت فلسطين في هذا الوطن، عاليا لا يُقمع، نقيا لا يُدنس، ثابتا لا يُساوَم.
أوكي..