وصية الشيخ جمال الدين القادري بودشيش عن انتقال "الأمانة الروحية " إلى نجله منير القادري بودشيش

الأنوال نيوز
كلمة سيدي خالد المختاري مقدم الطريقة القادرية البودشيشية بمدينة الرباط
بمناسبة زيارة الدكتورمولاي منيرالقادري بودشيش للزاوية وإحيائه لليلة الكبرى
الرباط في 23 مارس 2023.
قراءة في وصية شيخنا الدكتورمولاي جمال الدين القادري بودشيش
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله المحمود بالذات، المعظم من كل الجهات، الحي القيوم الذي بهويته قامت الهويات، والذي بقدرته أقام الحق ورفعه، وخفض الباطل وزهقه ومحقه.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الطاهر البشير، المعصوم النذير، أسوة المتحققين، ومرشد السالكين، الموصوف بكمال الأخلاق، والمعظم في جميع الآفاق. صاحب المقام المحمود، والركن الموعود، وعلى آله وصحبه وعترته، وسلم تسليما.
سيدي بشارة العارفين، الدكتور مولاي منير القادري بودشيش، حفظكم المولى ورعاكم وسدد رميتكم وخطاكم.
أما بعد، فلا أخفيكم، سيدي، أنني استخرت الله سبحانه وتعالى، قبل خط هذه السطور، ودعوته أن يفتح بصيرتي ويحل عقدة من لساني، لعلي أجد الكلمات التي تناسب مقامكم، وتوازي قدركم، وأنا أقوم بقراءة في الوصية الزكية الطاهرة العطرة، التي طوق بها شيخنا ووالدكم الروحي والشبحي أعناقنا.
وقلت في دخيلاء نفسي، من أكون -وأنا معدوم المقام- لأتجرأ على استخراج الدرر النفيسة، والجواهر المصونة، التي رصع بها شيخنا، حفظه الله، وصيته الجامعة المانعة، المرشدة إلى طريق الفلاح، والواقية من سلوك طريق المهانة والهلاك.
فلما استقر العزم، توكلت وقلت:
الحمد لله على نعمة البيان والتبيين، والإيضاح والتعيين، والشكرُ لله الواهب المعطي المتفضل بسَبْغ النعم والأسرار. فقد وشح الله جل جلاله صدر بشارة العارفين مولاي منير بوشاح الاستخلاف، للدلالة على الله، بعد عمر مديد لوالده، وجعلنا شهداء عليها، وأمرنا بصيانة العهد وتبليغ الفقراء والفقيرات بذلك.
فاللهم فاشهد علينا أننا جميعا على العهد، ثابتين متيقنين، وغير مبدلين.
معشر الذاكرين؛
لقد بين لنا شيخنا-حفظه الله وأطال في عمره، وشافاه وعافاه، في وصيته المشهودة من العالَمَيْن، عالم الغيب وعالم الشهادة، المسار النوراني للسر المصون، المنتقل والمأذون، الواقر في صدر شيخنا والمنتقل إلى من بشر به العارفون، وسلَّم له به خاصة الخاصة والأولياء والصالحون.
يقول شيخنا: "إن استمرارية هذه الطريقة المباركة لخير دليل وشاهد حي على ما أرساه شيوخها كابرا عن كابر، سلسلة ذهبية متصلة بسندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نُجَدد عزيمته اليوم بما بَشَّرَنا به أهل الله وأنا بدوري أبشركم اليوم، بأن هذا السر الذي أُذن لي به ووقر في صدري هو هو نفس السر الذي أُذن به ويقر في صدر إبني بشارة العارفين سيدي منير، سرٌّ متصل، وكما أخبرني والدي قبيل وفاة جدي سيدي الحاج العباس قدس الله سرَّهما وهو يسلمني وصيته قائلا لي بالعامية المغربية: "اللي عندي عندك" وأنا اليوم أقولها أمام الملأ، وأشهدكم وأوصيكم مكررا العبارة نفسها: اللي عندي عند ولدي منير" إن شاء الله تعالى: "الله أعلم حيث يجعل رسالته" (الأنعام/124).
اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك ورسلك وأنبيائك وأوليائك إني قد أوصيت بهذا السر لإبني البار مولاي منير من بعدي، فاقبله وأقبل عليه، وكن له ولا تكن عليه، وثبته وأيده وكن له وليا ونصيرا في الدنيا والآخرة، يا رب؛ يا أرحم الراحمين. فسيبقى بإذن الله وقوته هذا السر الرباني ذو السند الصحيح والمتين في هذه الدار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بمشيئته تعالى وقدرته. قال تعالى: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"(الجمعة/4). صدق الله العظيم.
معشر الذاكرين،
لقد وضع لنا شيخنا سيدي جمال القادري بودشيش خارطة السلوك إلى الله، والسير إليه، واعتبره منهاج حياة يلازم المريد من أخذ العهد إلى اللحد، يقوم على ثابتي الالتزام والصدق.
فأما الالتزام فهو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، فعليهما مدار الطريقة، وهدفهما استقامة الفرد، فإذا استقام الفرد استقام المجتمع، كما يقول شيخنا.
والالتزام أيضا هو التحلي بأخلاق الطريقة المبنية على المحبة، وكمال الأخلاق، وجمع الشم، ونبذ الفرقة، والاعتدال، والاشتغال بعيوب النفس، والتعاون على الخير، والإحسان إلى الخاطئ والمسيء.
والالتزام أيضا هو النزوع للخشية، وملازمة التقوى، ومحاربة النفس والهوى، والتحلي بمكارم الأخلاق، ونهج سبيل الاستقامة والصلاح.
وأما الصدق، فهو التوجه المعلوم عند القوم، وهو شرط لتزكية النفس وتهذيبها، فبه يتحقق الاتباع والامتثال، وبه يتحقق الاستمداد والترقي وصفي الأحوال، ويتأسس على العناية بالذكر الفردي والجماعي وإعمار الزاوية، والبذل والعطاء، والسخاء والانفاق والتصدُّق وفعل الخير في سبيل الله.
لقد بين لنا شيخنا سُبُل الفلاح، بنهج سلوك الامتثال والاتباع ونبذ الفرقة، وعدم الالتفات عن وصايا وتعليمات الشيخ المربي، والالتزام بما تقتضيه الصحبة في الله من الطاعة، والخدمة الصادقة والصافية والخالصة لوجه الله تعالى، والمحبة النقية الطاهرة، والكينونة الدائمة المستدامة مع الله.
معشر الذاكرين،
يوصينا شيخنا أيضا في هذه الوصية المباركة، بالتعلق والتمسك بالعرش العلوي المجيد، فهذا الالتزام هو ميثاق روحي وديني، وبيعة تضمن العزة والكرامة والنجاة، كما يوصينا بطاعة ولي الأمر لأنها أوجب الواجبات وأوكدها، فبها تُحفظ البلاد، وتعم نعمة السلام والأمن والأمان.
وعودا على بدء، سيدي ومولاي منير، بإسمي واسم مجلس الزاوية وباسم جميع الفقراء والفقيرات، أقول: لقد تشرفت مدينة الرباط ونواحيها، بزيارتكم المباركة وإقامتكم الوارفة وحَييَتْ من جذورها بفضل سقياكم الشافية المشفية، والعافية والمعافية، تحيى بكم كل أرض تنزلون بها، ويتشرف بكم ويرقى كل مجمع واجتماع تحضرونه، فأنتم أهل الغيث، والغوثية أصل فيكم، رضي الله عنكم وأرضاكم، وجعلكم خير سند لوالدكم، وأخفض جناح لإخوتكم، وأطيب قلب وأعظم خلق لهم ولجميع الفقراء.
حفظ الله شيخنا وأطال في عمره، ومتعه بموفور الصحة والعافية، وحفظ الله طريقتنا ودفع عنها وعن فقرائها ومنتسبيها ومحبيها المكاره والمكائد، ودافع عليها من كل حاقد وحاسد. اللهم احفظنا في ملكنا وأسرته العلوية الشريفة، واحفظنا في طريقتنا وأشرافنا، وارحمنا بالمرحوم فينا، وأدم علينا نعمة الذكر والشكر، واحفظنا في بلادنا وحدودنا وأدم علينا نعم السلم والأمان، والحمد لله رب العالمين.
أوكي..