كلمة الأستاذ محمد عبادي في افتتاح فعاليات الذكرى 12 لرحيل الإمام عبد السلام ياسين
كلمة الأستاذ محمد عبادي في افتتاح فعاليات الذكرى 12 لرحيل الإمام عبد السلام ياسين
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
سلام الله عليكم ضيوفنا الكرام ومرحبا بكم، حللتم أهلا ونزلتم سهلا، وسلام على أهل الدار من بنات وأبناء جماعة العدل والإحسان، وسلام على صاحب الذكرى الإمام المجدد وعلى أهله وإخوانه الذين سبقوه إلى الدار الآخرة والذين لحقوا به. نسأل الله لنا ولهم الرحمة والمغفرة والرضوان، وأن يلحقنا بهم مسلمين محسنين تائبين غير مبدلين ولا مغيرين.
سيداتي سادتي نحيي هذه الذكرى الثانية عشرة لرحيل مرشدنا عنا رحمه الله، وأكبادنا تتفطر حزنا وألما لما يعيشه إخواننا في فلسطين من أهوال وويلات يشيب لها الولدان من جراء الحرب الهمجية الوحشية التي يشنها الصهاينة عليهم، مستعملين أحدث الأسلحة الفتاكة التي تجعل كل ما أتت عليه من بشر وشجر وحجر رميما.
لكم الله يا أهلنا في فلسطين، فالعالم أصبح أصم عن سماع صرخاتكم وآهاتكم واستغاثاتكم، وأعمى عن رؤية أشلاء أطفالكم التي تعرض عليه صباح مساء على شاشات التلفزة. أين من يتبجحون بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان؟ أليسوا هم الذين يمدون عدوكم بما يُلقى على رؤوسكم من أطنان القنابل الفتاكة لمحوكم من الوجود وقد أوشك سكان شمال غزة حفظهم الله وأنزل ألطافه الخفية عليهم أن يصبحوا أثرا بعد عين. وأين من تجمعكم بهم روابط الأخوة في الدين واللغة والدم والتاريخ؟ لماذا لم يهبوا لنجدتكم كما هب الغرب لنجدة الصهاينة وعددهم هائل يقارب المليارين، وما يملكون من عُدة وعتاد كفيل بدحض العدو. لقد تحققت فينا نبوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل” وقُذِف في قلوبنا الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت. اللهم إننا نشكو إليك ضعفنا وعجزنا وجهلنا وذلنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس. اللهم عافيتك أوسع لنا.
لقد قتل فينا الاستعماروأزلامه من حكامنا نخوتنا وكرامتنا وعزّتنا ومروءتنا لكثرة ما مورس علينا من سياسة التمييع والتجهيل والتضليل والتفقير.
صبرا صبرا آل غزة فإن مع العسر يسرا، ولا بد لهذا الليل أن ينجلي، ولابد لهذه الغمة أن تنكشف، ولابد للعدو أن يندحر، “وتلك الأيام نداولها بين الناس” واعلموا أن ثباتكم وصمودكم، وشجاعتكم الخارقة، واستماتتكم في المقاومة، تحيي فينا وفي أحرار العالم ما كدنا نفتقده من كرامتنا الآدمية ومن أسمى تجلياتها نصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم.
إخواني أخواتي، هذا هو الوضع الكارثي في فلسطين وأحوال المسلمين في المناطق الأخرى وإن كانت أقل سوءا فهي تنذر بالشر ولا تبشر بخير، فالحروب طاحنة في السودان، وحرمات الله تنتهك في كل مكان، وبيت الله الحرام الذي أمرنا أن نسجد إليه ونعظمه، أضحى مسخرة لمن يعتبرون أنفسهم خدما له. وويل ثم و يل لمن سولت له نفسه أن ينصح الحكام أو يعترض عليهم.
وبلدنا الحبيب ليس بمنأ عن هذه الكوارث، فأنتم تلاحظون أن بعض المتنفذين حريصون كل الحرص على موالاة الكيان الصهيوني يفسحون له المجال لاستغلال ثرواتنا وطمس فطرة أبنائنا بما يفرضونه علينا من مناهج تعليمية وتثقيفية وفنية رغم الاستنكار الشعبي المتواصل أكثر من سنة في ساحات المدن.
إخواني أخواتي هل لهذه الأزمات التي تمر بها الأمة من حل؟ وهل لهذه الأدواء من دواء؟
إن صاحب الذكرى هاله ما عليه الأمة من تشتت وهوان فعكف على باب الله سنين مستلهما سبل الخلاص فهداه الله إلى وضع مشروع شامل للتغيير فصل فيه نظريته الاجتهادية التجديدية التي أودعها كتبه القيمة التي مازالت بكرا تحتاج إلى من يغوص فيها لاستخراج كنوزها، وهي تتمحور حول نقطتين ثنتين،
أولاهما: كيف نربي أجيالا صالحة مصلحة تتحرر من طغيان النفس، والشيطان، والهوى، وتشتاق إلى لقاء الله، فتبذل الغالي والنفيس طلبا لمرضاة الله وسعيا في إنقاذ خلق الله مما يقطع طريقهم للوصول إلى الله.
وثانيهما: كيف نبني مجتمعا يسوده العدل والأمن، والرخاء والتكافل الاجتماعي بين أعضائه، أطلق عليه العمران الأخوي.
إخواني أخواتي، دأبت جماعة العدل والإحسان في مثل هذه المناسبات أن تقيم ندوات تستدعي إليها الفضلاء أمثالكم، لمناقشة قضية من القضايا التي أولى لها الإمام اهتماما بالغا لما يترتب عن معالجتها إحراز تقدم في مجال التغيير والإصلاح، إيمانا منا بأن اليد الواحدة لا تصفق، وأن القوى الحية في المجتمع لا تمكن أن تحقق الأمل المنشود في الإصلاح إن لم تتكاثف وتتآزر وتتعاون، وليس شرطا أن يذوب بعضنا في بعض، فدائرة الأهداف التي تجمعنا أوسع وأشمل من دوائر الخلاف. فما أحوجنا أن نكثف اللقاءات الحوارية فيما بيننا لتبديد الأوهام والأفكار الخاطئة التي يتهم بها بعضنا بعضا حتى لا يجد عدونا منفذا إلينا لتمزيق صفنا، وزرع الشكوك في عقولنا.
وموضوع هذه الندوة كما هو مكتوب في اللافتة “الشباب ورهانات البناء والتحرير” وقد كان الإمام رحمه الله يحتضن الشباب، ويربيهم على الفتوة والرجولة، ويزرع فيهم الأمل ويشحذ عزائمهم ليشتد عودها، ويحرضهم على الاجتهاد في الدراسة والتقرب إلى الله وحمل هم الأمة، ومن رحم هذه المخاض ولدت جماعة العدل والإحسان التي تشعر بأن كل ما حباها الله من نعم يرجع الفضل فيه إلى مرشدها، وأنها عاجزة عن مكافأته مهما بذلت من الجهود للوفاء بحقوقه.
ولا أحب أن أتطفل فأخوض في الموضوع احتراما للأساتذة الكرام الذين سيتحفوننا بما يجري الله تعالى على ألسنتهم إن شاء الله تعالى، فليسمحوا لي فقط أن أختم كلمتي بمقتطفات من كلام الإمام تبين مدى اهتماماته بالشباب. يقول رحمه الله: “مسؤوليتنا أن نجند الشباب لمعركة العلم وأن نسترجع أدمغتنا من بلاد الجاهلية ونحبك شبكة علمية نجمع فيها الخيرات المتاحة لنبدأ عملية تأثيل التكنولوجيا في بلادنا وتوطينها وتغذيتها وإشاعتها وتصنيعها” (المنهاج النبوي ص352).
ويخاطبهم في بعض لقاءاته بهم مذكرا إياهم بنعم الله عليهم ومستنهضا لهمهم لطلب أعز ما يطلب وهو مقام المحبوبية “إنكم معشر الشباب أُعطيتم ومُنحتم واستودعتم شيئا لا يعوض؛ هو عمركم، وأيامكم، ولياليكم، وحياتكم، وسنواتكم، وشهوركم، ومنحتم قوة بدن، وصفاء فكر، لكي تنفقوا كل ذلك فيما ينفعكم نفعا أبديا” إلى أن يقول “خصصوا كل ذلك لكي تتقربوا إلى الله عز وجل بالفرض والنفل حتى يحبكم”.
ويقول محددا مسؤوليتنا تجاه الشباب: “إننا بحاجة لبناء أمة، والشباب يُكونون في مجتمعاتنا المفتونة جيشا من العاطلين الذين أسيء تعليمهم وتربيتهم، فإذا حصلوا بين أيدينا قبل قيام الدولة وبعده يجب أن نُعدهم إعدادا جادا ليكونوا جند التحرير والبناء” (المنهاج النبوي، ص49).
جزاكم الله خيرا سادتي سيداتي على تلبية الدعوة، وألهمكم الرشد والسداد فيما تطرحونه من أفكار واقتراحات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوكي..