التوفيق يرد على ابن كيران.. ويقول: حزبك مقتبس من نظام غربي علماني!
الأنوال نيوز متابعة
وجه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، رسالة إلى الأمين العام لحزب العدالة، عبد الإله بن كيران، بخصوص تصريحه الأخير في البرلمان، بأن المغاربة علمانيون، والذي استغل رئيس الحكومة الأسبق تجمعا حزبيا للرد عليه، مشددا على أنه كان من الواجب أن يتواصل معه لمعرفة حقيقة ما قال، ومعتبرا أن البيجيدي حزب مقتبس من نظام غربي علماني.
وفيما يأتي نص الرسالة كاملة:
شكوى إلى الله
موجهة، قصد الاطلاع، إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران
السيد الرئيس،
شكوت بثي إلى الله وآثرت أن تطلع عليه. بلغني أنك ذكرت كلامي في تجمع حزبي، ونسبت إليّ ما فاتك فيه التبيّن وجانبك اليقين. ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن.
السيد الرئيس،
لقد ألزمت نفسك بما لا يلزم، لأن مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص، لا يفيد في تغيير الحقيقة في مثل هذا الأمر الخطير. أمر لا يحتاج إلى من ينتصب “للدفاع” عنه في المجامع، وأقصد أمر النسبة للدين أو التعلل منه. فالأئمة لها صبغتها ولا تبديل لهذه الصبغة بزعم أو رأي أو تأكيد أو نفي.
أيها الأستاذ الرئيس،
كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات “عجلى” قيلت في البرلمان، كان عليك أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وماذا أردت أن أقول، وحيث إنك لم تفعل فإنك قد استعليتَ فحاديتَ بالبهتان.
أيها الرئيس،
إن الشخص الذي حاورته في الموضوع مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها.
أيها الرئيس،
إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني. وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني. وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني.
هناك عشرات من الظواهر الأخرى دخلت في حياتنا من اللقاء بهذا النظام وتتبناها بعنوانها الذي هو “التقدم” دون أن نحس بأي غضاضة، ولكي نفهم قبل أن نتوقف عند ما لنا وما لهم يجب أن نظل مستحضرين أن تاريخ الناس، كل الناس، جارٍ في كل الأحوال بقضاء الله وقدره، وسننه، سبحانه، فضاء مفتوح بين سائر في الأرض ونظر.
يجري كل ما ذكر في سياق هذه المملكة في أمن وانسجام لأن إمارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعيّاته، ولولا ذلك لعشنا العلمانية التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية، وأنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى “طيبة” متأصلة في مطبخ العلمانية.
الواقع أننا نعيش في أوضاع مركبة ليست لنا لا الثقافة ولا الإرادة الصادقة للتميز بقصد فهمها، وقع هذا منذ أن دخل حرف جرنا إلى جملة نظام صنعه الغير كما صنع أسلحة الغلبة، وكان بإمكاننا لو استطعنا أن نغزوه بالأخلاق. أما عدم التميز فهو قصور في النصج السياسي الذي لا يأتينا بالتستر والنفاق.
هكذا أيها الرئيس أقنعتُ محاوري بأن كل القيم العقلانية المتعلقة بالاجتهاد، في حرية، هي التي عليها العمل في سياقنا، سياق حرية الدين التي هي أصل في الإسلام، وإنما النعمة عندنا أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس، وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد.
السيد الرئيس،
إن الكلام عن العلمانية (Secularism) قد لا يحسنه كل “زعيم”، لأنه مفهوم معقد في الفلسفة السياسية، لم ينته فيه الجدال حتى في بيئته، فهناك لائكية فرنسا (Laïcité) التي جاءت في سياق تاريخ العلاقة المتوترة بين الكنيسة والمجتمع الذي تخففت عنه الثورة الفرنسية، وهي حالة خاصة، وهناك العلمانية التي تأخذ فيها الدولة حاجات الناس الدينية بعين الاعتبار، وهي موجودة في دول غربية أخرى، وأذكر أنني سألت في عام 2008 (انطلاقاً من نفس الاهتمام)، سألت السيد سفير ألمانيا في المغرب عن الرسم الذي تجمعه الدولة رسمياً من الناس للإنفاق على الدين، ففاجأني بأن مبلغه، بالنسبة لعام 2006، هو ثمانية مليارات ونصف مليار أورو.
السيد الرئيس،
ما زلت تذكر، ولا شك، أنني عشت معك أزمة رحيل الأستاذ عبد الله باها. وتذكر أنني قلت لك إن الأحوط في السياسة في بيئهن العامل فيها على النزاهة والنظافة للناس ويقنعهم بإنجازاته بدل أن يلجأ إلى تعريض الدين لضعف الإنسان بتحويله إلى شعارات لمجرد الغواية أو ما نسميه بالاستقطاب. والحالة أن الدين هو الأخلاق بكل تجلياتها ومستوياتها، ابتداءً من النوايا الصادقة، وهذا فهم فطري عند الناس. لذلك تجد بعض أهل ديننا يعجبون بأخلاق بعض أهل بلاد العلمانية. وقد كان جوابك، رداً على “النصيحة”: يظهر لي أن هذا هو ما ينبغي.
السيد الرئيس،
إن السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عدداً من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة، ولكن الأمر يتوقف على توحيد الله بدل إطلاق العنان للأنانية وهي الشرك الخفي. والحالة أن الله الذي أجرى ويجري أحوال الناس قد أرشدنا إلى فتح البصائر على هذا المشترك الإنساني في سنن الصلاح والفساد.
السيد الرئيس،
نفثت بهذه الشكوى لا لأقنعك، وأنت تعرف أنني لا أرد على المتقولين، بل القصد أن يسمعها “السميع”، وتكون أنت من الشاهدين. وعسى أن يسمعها بعض من سمعوا تشهيرك فيفهموا”.
جدير بالذكر أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية والرئيس الأسبق للحكومة، سبق أن أكد – ردا على وزير الأوقاف – بأن المغرب دولة إسلامية، مستبعدا أي توجه نحو العلمانية.
جاء ذلك في لقاء مفتوح نظمه الحزب، الأحد الماضي، مع ساكنة أولاد برحيل والنواحي بإقليم تارودانت، حيث شدد بنكيران على أن المغاربة متشبثون بدينهم وهويتهم الإسلامية عبر التاريخ.
وجاءت تصريحات بنكيران كرد غير مباشر على ما أدلى به وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، حول مفهوم العلمانية في سياق حديثه مع وزير الداخلية الفرنسي خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للمغرب.
وصرح التوفيق قائلا إن وزير الداخلية الفرنسي أخبره في اللقاء الذي لم يعلن عنه في الإعلام، بأن فرنسا مقتنعة بأن الإسلام المعتدل للمغرب في صالح الجميع.
وأضاف الوزير: “وزير الداخلية الفرنسية قال لي من جملة ما قال، إن العلمانية تصدمكم، قلت له لا، فقال لي كيف؟، قلت له لأننا علمانيون، وليست لدينا نصوص عام 1905″، مردفا: “لي بغا شي حاجة عندنا كيديرها، لأنه لا إكراه في الدين، بقى حال فمو”.
وفي تلميح لافت لتصريحات التوفيق، أشار بنكيران إلى أن المغرب لم يكن يوما دولة علمانية، بل هو بلد يحكمه أمير المؤمنين، حيث يشكل الإسلام العمود الفقري للدولة.
وأضاف أن ارتباط المغاربة بالدين ليس مجرد اختيار فردي، بل هو توجه متجذر في هوية الدولة ومؤسساتها.
وأكد بنكيران أن الإسلام في المغرب هو أكثر من مجرد دين؛ فهو أساس شرعية الدولة، وأن الحديث عن العلمانية لا يتماشى مع طبيعة المجتمع المغربي الذي ظل متمسكا بقيمه الدينية منذ قرون.
واختتم أمين عام حزب العدالة والتنمية بالقول: “المغاربة ليسوا بحاجة إلى تعريف جديد لهويتهم. نحن دولة إسلامية، وهذا أمر محسوم ولا يمكن المساس به”.
أوكي..