مواقف الفلاسفة الألمان المعاصرين من القضية الفلسطينية
الأنوال نيوز العلمي الحروني - قيادي يساري
قبل الحديث عن مواقف بعض الفلاسفة الالمان المعاصرين عن القضية الفلسطينية، وجب الاشارة الى المواقف السياسية للفيلسوفين نيتشة وكانط التي قد تكون اتجاه القضية وذلك بناء على اطروحتيهما الفلسفية.
فلو تخيلنا " نيتشة" بيننا اليوم لكانت مواقفه السياسية من القضية الفلسطينية كالتالي:
- معارضته الأفكار القومية كموقف أصيل طبع فلسفته كانت ستقوده ربما إلى اتخاذ موقف معارض لإقامة دولة قومية لليهود. و رغم مركزية " إرادة القوة" في فلسفته، فلن ينزلق إلى الدعوة للعيش بسلام تحت احتلال يدهس الكرامة ويخنق الحرية ذلك لأن الوجود الحر والتخلص من القيود وتحطيم الأصنام هو الدستور الوحيد للفلسفة النيتشوية، وعندها تكون المقاومة هي الأداة من أجل تحقيق الخير المطلق.
- كونه من المعارضين الأشداء لمعاداة السامية ورفضه لجميع الأفكار والقيم التي تنتج عن المسيحية، التي كان من بينها آنذاك معاداة السامية، كان سيقوده لاعتبار القضية الفلسطينية انعكاسً لمعاداة السامية أصلًا.
وبخصوص كانط، فإن الفلسفة الأخلاقية هي اللبنة الأساسية لمشروعه الفلسفية، والتي كان دافعه فيها ناتج عن أفول عصر الأخلاق الدينية في أوروبا تزامنًا مع حركة التنوير. لقد وضع قانونًا أخلاقيًا صارمًا ينص على أن الفعل لكي يكون خيرًا في ذاته يجب أن يكون قابلًا للتطبيق في أي زمان ومكان دون أن يحدث تناقض، أي أن يصبح قانونًا كونيًا.
فكرة كانط الشديدة المثالية عن المعايير الأخلاقية دفعته إلى تأليف كتاب «مشروع للسلام الدائم» الصادر عام 1795، وضع فيه دستورًا يجب على جميع حكومات العالم تطبيقه من أجل تحقيق سلام شامل ودائم للعالم بأسره.
لو تخيلنا الفيلسوف كانط بيننا اليوم، فسوف يتجنب اتخاذ أي موقف واضح من القضية الفلسطينية، لأن العنف لا يتفق بالضرورة مع القانون الأخلاقي. وليمكن أن نتخيله يدين الطرفين ويدعوهما إلى التهدئة وتفكيك ترسانتهما العسكرية.
*ماذا عن مواقف الفلاسفة الألمان المعاصرين من القضية الفلسطينية؟*
يتضمن كتابه "نظامان مجنونان"(1983) لـ "جيل دولوز" نصوص مهمة نشير منها إلى "عظمة ياسر عرفات" ، و مقال "المزعجون" (1978)، يتناول دولوز القضية الفلسطينية، بإنصافٍ وأخلاقيةٍ تليق بفيلسوف مهمٍّ مثله، فينتقد الصهيونية وداعميها ومؤيديها، الأمريكيين والأوروبيين خصوصًا، لكونها حوَّلت "الهولوكوست" الذي تعرض له اليهود إلى شرٍّ مطلق، لتقوم، لاحقًا، بممارسته على الفلسطينيين الأبرياء، مع مطالبتها لهم بالاعتراف بها دولةً مشروعةً، بدون أن تعترف هي بهم أو بدولتهم المنشودة. ويشير دولوز إلى أن "الفلسطينيين لم يُمنحوا أي خيار سوى الاستسلام دون قيدٍ أو شرطٍ. ولا يُعرض عليهم سوى الموت. وفي الحرب الدائرة بينهم وبين إسرائيل، تعتبر تصرفات إسرائيل ردودًا مشروعةً (حتى لو بدت غير متناسبةٍ)، في حين يتم التعامل مع تصرفات الفلسطينيين باعتبارها جرائم إرهابية حصرًا. والعربي الميت ليس له نفس القياس أو الوزن مثل الإسرائيلي الميت".
على النقيض من دولوز، أتى البيان الألماني "مبادئ التضامن" الموقف من طرف يورغن هابرماس وراينر فورست، و كلاوس غونتر وعالمة السياسة نيكول ديتهوف ليتبنى الموقف الألماني الرسمي تمامًا، ويحمل حركة حماس كامل مسؤولية "الوضع الحالي"، ورفض أي إدانةٍ لإسرائيل وكأن تاريخ الصراع بفلسطين يبدأ بالسابع من أكتوبر، ونفي وجود نية إسرائيل بالإبادة الجماعية، بدون أي إشارةٍ إلى أنه حصل في سياق احتلالٍ وقمع وحصارٍ وقضمٍ متواصلٍ للأراضي الفلسطينية، ورفضٍ إسرائيليٍّ لحل الدولتين أو الدولة الديمقراطية الواحدة، أو لأي مبادرة سلامٍ أو مفاوضاتٍ، للتوصل إلى حلٍّ، على أساس القرارات الدولية ذات الصلة.
وللإشارة، تجدر الملاحظة، أتت تلك المواقف متناقضة ومتعارضة بوضوح مع المبادئ التوجيهية لبيان " مبادئ التضامن" خاصة ضرورة "تناسب رد الفعل مع الفعل"، و "تجنب سقوط ضحايا مدنيين"، و "الحفاظ على احتمال إحلال السلام في المستقبل".
إن مواقف هابرماس، عبر تاريخه الطويل، تراوح بين الصمت الجبان والدعم والتأييد الكبيرين، والإصرار على جعل "عقدة الذنب الألمانية تجاه اليهود" حاضرةً حضورًا مرضيًّا في ألمانيا، دولةً ومجتمعًا وفكرًا أو فلسفةً. إن موقف كهذا، وإن كان ليس مفاجئًا، فإنه موقف صادم لكونها أتى من مفكر يتبنى الفلسفة الأخلاقية والحوارية والتواصلية.
أوكي..