مبارك عثماني :أوضاع معتقلي الرأي المفرج عنهم ورهان طي صفحة الاعتقال السياسي
الأنوال نيوز
مبارك عثماني رئيس الهيئة المغربية لحقوق الانسان في ندوة تمارة حول "أوضاع معتقلي الرأي المفرج عنهم ورهان طي صفحة الاعتقال السياسي "
كلما ذكر الاعتقال السياسي إلا وتبادر إلى الذهن الاستبداد السياسي : عنصران متلازمان عبر السيرورة التاريخية الممتدة .
فعلى الأقل بالنسبة للمغرب الحديث وبالعودة للفترة الاستعمارية، نستحضر كيف أمعنت القوى الإمبريالية الاستعمارية في الاجهاز على العديد من حركات التحرر وزجت بمناضلاتها ومناضليها في السجون وطوحت بهم في المنافي ، بل ووصلت إلى مستوى الجريمة السياسية من خلال التصفية الجسدية والاغتيالات .
فيما يخص تجربة المغرب ما بعد 1955 ، فيمكن التأكيد على أن الصراع السياسي كان واضحا وهو صراع بين السلطة الحاكمة والمعارضة السياسية سليلة حركة التحرير والمقاومة . وكلما عجزت السلطة الحاكمة عن تدبير الملفات المطلبية الشعبية ، كانت تلجأ إلى استعمال العنف وتفتح أبواب المعتقلات للمناضلات والمناضلين المعارضين والمعارضات من أبناء الشعب المغربي .
في هذا الإطار نستحضر أحداث 58 بالريف وما سمي بمؤامرة 63 وأحداث 71 و 72 و73 بمولاي بوعزة .. وما تلاها من مآسي جراء الاعتقالات العشوائية - التي يحضر معنا الآن البعض ممن عانوا من الاعتقالات وفبركة التهم - .
ما إن ظهر اليسار الجدري، وتطورت فصائل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و انطلاق سياسة التقويم الهيكلي والتي اسفرت عن أحداث 81 و 84 ، بدأ فصل آخر من الاعتقالات حتى غصت السجون بالعتقلات والمعتقلين من خلال ما يصطلح عليه ب "سنوات الجمر والرصاص " .
حتى بعد أحداث ما سمي بالربيع الديمقراطي ، وعلى الرغم مما كان يلوح في الأفق من انفراج سياسي بعد مسلسل اعتقالات ارتبطت بما سمي ب "قانون الإرهاب "الذي اعتبر انذاك وفي حينه " قانونا تكبيليا " يجسد فصلا من فصول التراجع عن حقوق الإنسان . وقد تابعنا أفواجا جديدة من الـمعتقلين - ومنهم من يحضر معنا في هذه القاعة - وما خلفته موجة الاعتقالات من مآسي لا زالت ممتدة - يشهد عليها من يحضر معنا الآن -
لم يتوقف مسلسل الاعتقالات ، ولدينا في نموذج " معتقلي الريف " أسوأ نموذج بالنظر إلى حجم الأحكام القاسية الصادرة في حقهم .
5 / أمام هذه السيرورة الممتدة للاعتقال السياسي ، فهل نعتقد يوما بانتهائه ونحن نتحدث عن اعتقالات ما بعد : العدالة الانتقالية، الإنصاف والمصالحة و جلسات الاستماع وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان و طي صفحة الماضي وعدم التكرار … ومصطلحات كثيرة توحي بالقطع النهائي مع الاعتقال السياسي !!
نثير هذا السؤال وسط مخاوف كبيرة وواقع يمتلك جوابا للسؤال ولكل هذه الشعارات .
فإذا كنا في مستهل هذه الكلمة ربطنا الاعتقال السياسي بالاستبداد السياسي ، فهل الاستبدال السياسي في تراجع ام هو في تناسل وتقدم مستمرين ليس فقط على الصعيد الوطني وإنما على المستوى الدولي حيث التراجع الملحوظ على مستوى حقوق الإنسان ؟
وهذا ما نعبر عنه في الهيئة المغربي لحقوق الإنسان ب " من سلم القوة إلى قوة اللاسلم " .
6 / وجب في آخر هذه الكلمة لفت الانتباه إلى تراجع الأصوات المعارضة : أحزابا وإعلاما، وهذا مؤشر على تمادي الغطرسة والاستبداد التي بلغت بالعديد من التنظيمات مستوى من الخوف غير المسبوق ، الشيء الذي ابتعد بها عن طرح القضايا السياسية التي كانت بالامس سببا مباشرا في الاعتقال السياسي ، وتحولت الأصوات المعارضة في المجمل إلى مجرد حركات احتجاجية بشعارات مطلبية تغلب عليها الاشغالات اليومية .
أيضا لابد أن نلفت النظر إلى الخطر الداهم جراء انتشار هذه التقنية الجديدة التي يمكن اعتبارها شكلا آخر من أشكال التضييق على الرأي والحرية ، بل صارت أداة للتحكم وتوجيه الرأي العام ، عكس ما تعتقده العامة أداة لحرية الرأي والتعبير . ولذلك نلاحظ كيف انضافت لائحة المدونين والمدونات إلى لوائح المعتقلين السابقين وبتهم تذكر بنظيراتها السابقة التي تسعى إلى إسقاط حتى " صبغة معتقل سياسي أو معتقل رأيي " عنهم تتفيها وتسفيها للموقف أو الرأي الشجاع .
7 / للإعتبارات السابقة تبدو مهمة الإطارات الحقوقية والسياسية ومجمل جمعيات المجتمع المدني الجادة والحرة ومن باب المسؤولية مهمة جسيمة لمواصلة نضالاتها من أجل القطع النهائي مع ظاهرة الاعتقاد السياسي وأن يظل الموضوع على جدول أعمالها ، كما أنه لابد من تكثيف العمل الوحدوي والتنسيق بين مختلف الإطارات الوطنية والدولية مع التشديد على ضرورة ملاحقة الجنات وتقديمهم للعدالة حتى لا يتكرر ما وقع ، مطلب يجب ان نؤكد عليه ربما قبل التركيز على المطلب المهم الذي نعتبره مهما ايظا وهو جبر الضرر وتعويض الضحايا لأننا نعلم جيدا أنه مهما كانت أشكال الجبر والتعويض ، فهناك الجانب المعنوي ذو الصلة بالكرامة والتي لا يمكن جبره مهما كان الثمن نظرا لهدر وتفويت الفرص خاصة مع المدد الطويلة للاعتقال ، إذ يستحيل معها أن نعيد التاريخ إلى الوراء ولا يمكن ارجاع فترة الشباب والفرص التي ضاعت .
8 / وأنا أتحدث إليكم عن الانتقال السياسي ، اسمحوا لي وبكل تواضع شديد أن استحضر في سطور تجربتي الشخصية في هذا الباب ،
الاكيد أن منكم من يتذكر معركة " سيدي بطاش " والتي كلفتني رفقة مجموعة من الرفاق ضريبة الاعتقال " اعتقال رأيي " لا لشيء إلا لتحملنا المسؤولية كمناضلين حيث دافعنا عما كنا نراه مشروعا عمليا لإدماج واحد من ضحايا السجن الرهيب تازمامارت الصديق " عبد الله أعگاو "ورد الاعتبار إليه وضمان حقوقه كاملة لا منقوصة ، وفي مقدمتها الحقوق السياسية . ولعل فكرة ادماج المعتقلين ورد الاعتبار اليهم هو أحد محاور هذه الندوة التي بالمناسبة نشكر الحزب الاشتراكي الموحد فرع تمارة على تنظيمها .
فحتى فكرة رد الاعتبار كان لها ثمن الاعتقال السياسي ادى ضريبتة 19مناضلا ، والمؤسف أنه كان من بينهم قاصرين .
اخيرا ، الحضور الكريم ، لا يفوتني أن أنوه بالموقف الذي عبر عنه الصديق "عبدالله أعگاو " لاحقا وأثناء تقديمة شهادته في إحدى جلسات الاستماع عن معاناة تازمامارت : إا كانت الإلتفاتة حسب ما أذكر الوحيدة التي نبهت للمستقبل الذي كان حينها يقتضي الرغبة والإرادة السياسية لتجاوز ما حدث ، لكن واقعة سيدي بطاش وغيرها وما اسفرت من محاكمات سياسية كيدية ، وما تلاها ، كانت في حينها تؤكد غياب الإرادة السياسية والتي نقصد بها معرفة الحقيقة ومعرفة ما جرى والاهم هو عدم الإفلات من العقاب ومتابعة ومساءلة ومحاكمة الجناة في اطار قضاء مستقل من اجل عدم التكرار .
أوكي..