الديمقراطية..القصور الذي يأبى التفكير في البديل!
الأنوال نيوز الكاتب: ذ منير الحردول
إذا كانت الديمقراطية وسيلة من الوسائل المتعددة التي تتيح لبعض الأحزاب أو الأفراد الوصول إلى السلطة في بلد ما، وإتاحة الفرصة للوصول للمراكز التدبيرية التي تسمح بأخذ القرارت، فإن الغايات والأهداف المرجوة منها قد لا تنطبق مع الفلسفة الفكرية التي وجدت من أجلها، والقائمة على الاختيار وتدبير أمور الدولة، والمؤسسات ومبدأ التناوب على المسؤولية الحزبية أو الجماعاتية أو غيرها من المؤسسات، التي تعتمد على نظام التصويت والاختيار المتنوع، بحسب طبيعة القوانين الانتخابية المعمول بها.
لذا، فإن هذا النظام المفاهيمي الفلسفي، قد يتجه أو ينجر صوب الانحراف في بعض الأحيان، وطبل وقد يبتعد عن كينونة الأصل والمرامي المختلفة الأبعاد، تلك المرامي المشجعة على المشاركة الفعالة في تسيير الأمور التي تهم الشعب، والمجتمع ككل.
فعوض أن يكون الهدف من الديمقرطية خدمة المصالح العامة لعموم الشعوب دون تمييز، قد ينحرف اتجاه البوصلة في اتجاه معاكس تماما، لرغبة عامة البشرية، بحيث تتعاظم التجادبات السياسية في اتجاه ترسيخ المصالح الشخصية أو الحزبية أو العرقية القبلية المحدودة التفكير، أو العمل على تكميم الأفواه الحرة، من خلال قوانين من السهل تكييفها مع بعض الوقائع للزج بأصحبها في السجون، وذلك للحيلولة دون سماع الأصوات المخالفة المعبرة عن ضرر ما!
إذ، أن الديمقراطية التي تشتغل بجدلية الأغلبية العددية في ظل غياب المشاركة الواسعة، تعد ديكتاتورية بكل المقاييس!
فكيف لفكر يتبنى القيم الديمقراطية و كيفما كان، حين يصل إلى مراكز القرار، يرفع ويتبجح بشعار ملخصه، نحن لدينا المصداقية من الأغلبية التي صوتت علينا، في حين تعد هذه الأغلبية مجرد أقلية داخل أغلبية لم تشارك في التصويت! في المقابل تلك الأغلبية الصامتة أو غير المبالية للمشاركة السياسية، والتي ترفض الانخراط في الحياة السياسية
ولاتشارك أو لم تعبر عن رغبتها، لظروف متنوعة، ذاتية وقد تكون موضوعية، بحكم التجارب التي أظهرت الخداع في الوعود، والاختباء وراء الإكراهات، أو العزف على أوتار خيوط جيوب المقاومة، وغيرها من أشكال البوليميك السياسي، الضيق غير الواقعي.
ولعل تمرير القوانين باسم الأغلبية العددية، وفي ظل نظام انتخابي يقوم على الطوائف، أو الولاءات والمصالح الذاتية الضيقة، وذلك
من خلال تبادل الأدوار، وتوزيع المناصب في إطار التحالفات أو التوافقات، هو في الأصلا نكوصا للمفهوم التشاركي، وللعمل الديمقراطي المحدود في نتائجه بشهادة الواقع، والتاريخ السياسي لأغلب الدول العربية وغير العربية كذلك، وحتى التي تدعي التحضر المفترى عليه في الكثير من الأحيان، والتي لا زالت لم تستوعب بأن الديمقراطية تحتاج للتعايش المطلق مع الخلاف والاختلاف مهما كانت الظروف والمؤثرات.
إذ، أن فرض الأمر الواقع، وتجاهل رغبات ومتطلبات الجماعات، والأقليات، هو نوع من القمع الديكتاتوري للأغلبية العددية، التي غالبا ما تفرزها أو تصنعها الديمقراطية المشجعة للولائم والولاءات، أو التي تتقن اللعب على أنغام الدين، والعرق، والجهة، والمقاونة، والتفاوتات الاجتماعية، بدل الانخراط في خدمة الصالح العام لجل الشعوب والحضارات آن واحد، وبدون مزايدات على الوعي القيمي للطبقات الوسطى التي تميل شيئا ما للوعي الشامل، والمصالح المشتركة للمواطنين والمواطنات في أقطار عربية وغير عربية ملخصه الشعارات وجوهره الخداع والتناحرات!
ولعل محاولة خلق قاعدة ثابتة للأصوات، من خلال توزيع المصالح أو المناصب أو استغلال ثقافة التضامن، أواستغلال الجانب النفسي لثقافة المجتمع من خلال ضرب فئة بفئة أخرى، بهدف كسب أحد الفئات الاجتماعية المحرومة من خدمة ما، لضمان ولائها الدائم، كخزان انتخابي لتحقيق الأغلبية لاغير فقط سوى الوصول للسلطة، هو نوع من التحايل الديمقراطي وليس هي الديمقراطية بمفهومها العفيف!
فكسب التعاطف المنشود، لربح أصوات جديدة في الانتخابات، هو في الحقيقة تدمير لقيم الاجماع على الحق والمساواة، والكرامة التي لا يمكن لأحد ما، يؤمن بالتعددية أن يلجأ إليها في ظل الخداع الأغلبي، وبالتالي الدفع في اتجاه رهن وطن بأفكار مسمومة، تتكتل في عبارة أنا ثم أنا، ولن أتراجع عن أنا.
فالقول بأن تعدد وتناسل الأحزاب السياسية من صميم الديمقراطية، قول لا يستقيم، لأن هذا التعدد هو دليل على غياب الديمقراطية داخل الهياكل التنظيمية لتلك الأحزاب، إذ تصنع و تخلق ديمقراطيات، تدعي أنها تحترم ارادة الأغلبية، وذلك بواسطة الانزالات والمال وقوة الخطابات، التي تستغل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحتى النزاعات الإقليمية والتجاذبات الأديولوجية الدولية، للركوب عليها وكسب تعاطف الجماهير.
فلو كانت حقا للأحزاب والتنظيمات العربية السياسية المختلفة، رغبة في النهوض و تقوية المسار الديمقراطي، لبادرت إلى نتظيم المشهد السياسي الذي يتسم بالضبابية، في المواقع والقرارات والتحالفات وحتى في المعتقدات الكونية المرتبطة بحقوق الإنسان بصفة عامة.
لكن وواقع الحال الغريب، يظهر التناقض الصارخ، إذ يتحول اليسار لليمين، واليمين للوسط، وهكذا دواليك يتعلق بباقي التوجهات الاديولوجية المصلحية.
فالأحزاب في معظم دول المعمور أضحت غريبة حتى على نفسها، يتحالفون ويتجادلون ويضحكون ويمرحون، وحين تقترب الانتخابات يتراشقون وفي الوزيعة يتفقون ويضحكون!.
في المقابل يتناسون أن العبث السياسي، يولد النفور من الأحزاب، والمشاركة في تدببر الشأن العام، وهو ما يؤدي إلى خلق بيئة خصبة، مليئة باليأس، وفقدان الثقة، مما ينعكس سلبا على المبادرة الحرة، واخراج الأموال لتشجيع الاستثمارات، وخلق الثروة وانقاذ جحافل المعطلين والأرامل من الفقر، والاهتمام أكثر بالوعي، من خلال دعم وتوسيع الطبقات الوسطى بقوانين تحميها من الموت البطيء؛ والهشاشة المهددة لوجودها.
كما أن الديمقراطية العددية تتحول إلى ديمقراطية متطرفة في بعض الأحيان،خصوصا في حالة استمرار العزوف عن التصويت، وهو مايفتح المجال لصعود وجوه حاقدة لا تفكر إلا بالتحدي ولو على حساب مصير شعب واحد فرقته السياسة قبل أن تفرقه العقائد المتعددة الأبعاد والمشارب.
فالوطن العربي على الخصوص يحتاج للجميع، لا للإنتقام من صراحة الحقيقة المؤلمة، وليس للديمقراطية الموسمية العددية فقط.
المساواة في الحقوق والواجبات وتحقيق العدالة المجالية الاجتماعية هي الغاية من الديمقراطية،أما المنافسة من أجل الوصول للتمتع بالسفريات، وتعدد التعويضات، بدون أي نتيجة تذكر، فهذا يعني أن ديمقراطيتنا العربية إما أصبحت معاقة، أو أمست تمارس في إطار الديكتاتورية العددية، التي بأساليبها القمعية لحرية الرأي والتعبير تتحول أو ربما تنحرف في اتجاه ديمقراطية مصابة بانفصام يميل للهلوسة.
فالنظام الديمقراطي بشكل عام في هذا العالم المترامي الأطراف أضحى عاجزا عن وقف لهيب الصراعات وتعميق الخلافات، وتهميش شعوب، وخلق قلاقل هنا وهناك..إرضاء لأديولوجية الاستعلاء وغيرها كثير..
أوكي..