سيدي مولاي حماد الدرقاوي وزيارة "سيدي بومدين" في جبل بويحيى
_48.jpg)
قصاصات ذاكرة #14#
-سرالطريقة-
هناك بالأرض المباركة بلاد فاس بحي بدر، يوم الجمعة المبارك و الثامن عشر من شهر ماي سنة تسعين و تسعمئة و ألف ميلادية.. و الساعة تشير إلى الثانية صباحا تحدث ذلكم الطبيب الحبيب، قدس الله سره و حفظ وارث سره سيدي جمال الدين رضي الله عنهما بما يحفظ به الذكر الحكيم، عن أهل الله منهم " سيدي مولاي حماد" من أولاد مولاي أحمد بن العياشي صاحب زاوية زگزل فقال عنه: "كان من فقراء (مريدي) سيدي الهبري (درقاوي الطريقة) كانت الطريقة في زمنه في أوجها و فيها حرارة معنوية قوية، و من المعلوم أن الدرقاويين كانوا لا يعترفون بغير شيخهم و طريقتهم لكن "مولاي حماد" كان مع ذلك يأتي لزيارة "سيدي بومدين"، و كنت أسأله بعد الحين و الآخر قائلا: "أنا يا سيدي لا أفهم سر مجيئك عند "سيدي بومدين" مع العلم أن "درقاوة" عادة لا يعترفون بأحد غير شيخهم. فكان لا يزيد على التبسم و حينما كررت عليه السؤال مرارا قال لي: "تريد أن تعرف السبب؟
قلت: نعم يا سيدي أجبني من فضلك. فأجاب: لأن الماء قد تحول (بمعنى أن السر أصبح في زاويتكم). و من مناقبه كان لا ينام الليل بل يجتهد في ذكر الله: يذكر الاسم المفرد الله. قدم مرة لزيارة "سيدي بومدين" في جبل بويحيى فخاطبه بقوله: تقدم يا "سيدي حماد" و ارقبني في نومي، أريدك أن توقظني قبل الفجر بقليل، فبات يذكر بجانبه إلى أن وصل وقت الفجر فأيقظه، وصلينا الصبح و ذكرنا الله ثم نمنا إلى وقت العاشرة و هو وقت تناول "التريقة" و هو الفطور. فقال "سيدي بومدين": ما شاء الله أنا الذي ينبغي لي أن أقوم الليل تركتك تذكر و نمت. فصاح قائلا: و الله يا سيدي ما لاحظت نومك طرفة عين بل سمعتك تذكر الاسم الليل كله: الله الله، فاهتز و ارتعش "سيدي بومدين" ثم سكت لأن الرجل أفشي سرا أمام الفقراء". أضاف "سيدي حمزة" بشأن هذا الرجل الغريب: "كنت أحادثه في شؤون الطريق (طريق الصوفية) فيشخص ببصره إلى السماء و يوصيني أن إذا حصل له ذلك الحال أن أناديه: يا سيدي مولاي حماد، يا سيدي مولاي حماد، فلا يجيب فإذا قلت: الله أكبر الله أكبر يفيق و يقول: الله يا سيدي الله يا سيدي و هو يرتعش". غريب أمر هؤلاء الرجال أصحاب هذا الفن، لعل ذلك هو "الفناء" الذي يتحدث عنه الصوفية، ثم أضاف الشيخ بأن الشخص حينما يتجوهر يصبح ذاكر الله في اليقظة و المنام و يجد لذة عظيمة في النوم لأن الاتصال لا ينقطع في تلك الحالة أيضا. أكد ما كان يحصل لأحد المريدين في حضرته و يدعى "عبدالعزيز حمين" فقال: و "كان من عادتي أن أتقلب في مضجعي بين الحين و الآخر و ألقي نظرة على جوانبي، فكنت أرى ذلك الشاب جالسا يذكر الاسم الله.و في الصباح كنت أسأله عن حالته فيؤكد أنه لم يقم قط من نومه و هذا أمر عجيب". أما عن مسألة تحول الماء فهناك حكاية أخرى توضحه أكثر. "كان والدي "سيدي العباس" حينما كان يزور أحفير من أجل بناء الزاوية هناك (و هو ما يسمى بمقام مولاي عبد القادر حيث دفن أهل الخير و الصلاح من عناصر العائلة القادرية البودشيشية منهم سيدي "المرتضى" والد "سيدي الأبيض") يلتقي بأحد المجاذيب المحققين يقال له "سيدي بنطاطة" فيقول له: "ألا تذهب عند سيدي "الهبري" ليعطيك بنته، و كان ذلك في أيام "سيدي المكي" أخوه الأكبر، فكان يقول في نفسه: كيف يمكن أن يتحقق هذا و المعروف أن سيدي الهبري كان "شبه ملك" في قومه من كثرة الأتباع و ذيوع الصيت. و حينما ظهرت الطريقة مع "سيدي بومدين" سأله عن كلام "سيدي بنطاطة" فقال له: إذا لم تفهم إشارة "سيدي بنطاطة" فمعناها أن السر الموجود في زاوية سيدي الهبري سينتقل إلى هنا."
و تحقيقا لهذا المعنى رأى "سيدي العباس" رؤيا مفادها أن "سيدي الهبري" كان يأتي إليه في المنام و يقول له مرارا أقبل مني سري أدفعه إليك فلم يقبل، فاستشار مع شيخه فاذن له في قبول ذلك فرآه في المنام قد فتح له صدره ثم استقاء فيه، إشارة إلى إفراغ ما كان من الأسرار في باطن الشيخ الهبري و جعلها في صدر "سيدي العباس".
*********************
الثلاثاء 22 ماي 1990 تحدث الشيخ "سيدي حمزة القادري" عن كرامات أخرى لأهل الله آخرين فيقول: "يعجبني حال سيدي بومدين، كان لا يقبل ان يعزم أي لا يرقي أحدا من المرضى إلا بعد أن يعرض نفسه على الطبيب فإذا عجز الأطباء جعل له التعزيم أو كتب له ما تيسر من القرآن ليعلقه
كان الناس في القديم يلجؤون إلى الأضرحة و الروضات الحويطات للاستشفاء و كثيرا ما كانوا ينالون مرغوبهم. فذلك باب قد أغلق لأن أطباء ذلك الوقت كانوا هم | أولئك. أما الآن فإن الكرامات و الاستشفاء التقليدي قد أغلق بابه لحكمة لا يعلمها كثير من الناس". سئل الحاج محمد الهبري عن الكرامات التي اختفت ما سبب ذلك؟ فأجاب بأن أهل الله اتفقوا على إخفائها لن تجر إلا على يد المجاذيب من أجل أن يستعيشوا بها، أما من أظهرها من السالكين فإنه يؤدي عليها من رأسه. أما إخفاؤها فيكون تأدبا مع صاحب الوقت أي الإمام المهدي و الله أعلم
في شهر غشت من كل سنة تفد جموع المريدين من كل حدب وصوب للمشاركة في "الجامعة الصيفية" هناك بالدار العامرة، مذاغ، أغلبهم طلبة و رجال تعليم... اعتكاف شهر غشت و ما أدراك ما اعتكاف غشت !!... محطة لتزود كل فقير معتكف لحت السير إلى المنتهى.. "إلى ربك المنتهى"، فالبرنامج اليومي لنشاط الزاوية في هذا الشهر هو على الشكل الآتي: بين الأذان و الإقامة، الذكر لمدة نصف ساعة: الله! الله! ... يبدأ البرنامج من صلاة العشاء، بعد الصلاة و تناول وجبة العشاء التي تكون خفيفة في كثير من الأحيان. حوالي العاشرة ليلا انعقاد الجلسة الليلية التي تفتتح بما تيسر من القرآن تجويدا، ثم قراءة "منظومة ابن عاشر" في العبادات و العقائد يتلوها الفقه بشرح المنظومة، يقوم به عالمان أحدهما خريج دار الحديث و الآخر خريج القرويين.. بعده درس في "السلوك" (التربية الصوفية)... ففقرة الاسم المفرد: ذكر "الله" ل ساعة.. تتلوها قراءة البردة "للبوصيري" و ختاما استراحة النوم لمدة ساعتين من الواحدة ليلا إلى الثالة ليلا.. الاستيقاظ لصلاة الصبح.. بعده ورد "الوظيفة قبل الصبح" و تتضمن: 1- "الفاتحة" ثلاث مرات.
2- "الله لطيف بعباده يرزق من يشاء و هو القوي العزيز"، "يا لطيف" مئة مرة. 3- "الله" منة مرة 4 "هو الحي لا إله إلا هو " مئةمرة
5." يا حي يا قيوم" مئة مرة
6. "سلام قولا من رب رحيم" مئة مرة
7- آية الكرسي" 3 مرات
8- "الله الله " لمدة نصف ساعة
9- سورة "الأعلى" 3مرات.
10- ناقلة الفجر
11-صلاة "الصبح".
12-حزب من القرآن.
13- سورة "ياسين".
"و ظيفة ما بعد الصبح" و هي كالتالي:
1- سورة "الفتح". 2- "يا قوي يا عزيز" 400 مرة. 3- آية "الكرسي" 7مرات. 4- "محمد رسول الله و الذين معه" إلى آخر الفتح 5- آية "الكرسي" 7 مرات. 6- الدعاء
7- الذهاب لزيارة الضريح. 8- الجلالة بمد الصوت. 9-الختم.
النوم من 5 صباحا إلى 10، بعد الاستيقاظ يتناول الفقراء وجبة الإفطار ثم يستقبلون القبلة و يذكرون "الهيللة" لمدة ساعة و نصف ثم تلاوة القرآن: ختمات قرآنية إلى وقت صلاة الظهر.. قبل إقامة الصلاة: نصف ساعة من الاسم فصلاة الظهر بعدها وجبة الغذاء ثم الختمات القرآنية إلى العصر. - الذكر قبل العصر فصلاة العصر من قبل، ثم تناول الشاي يتلوه درس رسمي بمحضر "الشيخ" فالاستعداد لصلاة المغرب بعد استراحة قصيرة فصلاة المغرب و بعد أداء نافلة 6 رکعات و تلاوة حزب المساء من القرآن ينقسم الفقراء فرقا: ففريق يؤدي "الوظيفة المسائية".. و فريق ثان يعقد مجلس "اللطيف الملفوف الأكبر" أي مع ختمتين من القرآن و الدليل و "الحزب الناصري" و "المنفرجة" و عند فريقين آخرين درس التكوين للكبار و الصغار. هذا وتبلغ عدد ختمات القرآن يوميا مئة ختمة ،من المريدين من يكمل ختمة واحدة، مئتي ختمة من دلائل الخيرات، 200 ختمة من "البردة".. و ختمات من البخاري و "الشفا"
للقاضي عياض...
الصيف من ذلك العام، خمس و تسعون و تسعمئة و ألف للميلاد، شارف على الانتهاء، و اليوم يوم السبت ثاني شتنبر، قال خادم الفقراء و تراب نعالهم العبد الضعيف المنكسر الذليل "سيدي محمد الرحالي" في مقابلة أجراها معه الباحث "سيدي غزالي": "قد جمعت من اللآليء و الجواهر من حكم شيخنا الأكبر في التربية الروحية في السلوك إلى ملك الملوك ما يكون ذخيرة و دليلا واضحا في معرفة علامات الطريق إلى الله، و نحن في هذه الرحلة الروحية نحتاج إلى إشارات و إرشادات نابعة من عند أصحاب الصدور و ارباب الحضور الا و هو شيخنا الأبرك، و كما قال أحد العارفين: "تجارة العارف الدلالة على الله و سوق القلب إلى الله".
"سيدي محمد الرحالي" حفظه الله مقيم بالزاوية الأم بمذاغ ، الساهر حاليا على تسيير برنامجها اليومي طيلة أيام السنة، ما عدا شهري الاعتكاف رمضان وغشت، حيث يترك بعض التسيير لفقراء آخرين و قصة إقامته هناك بالدار العامرة عجيبةحيث يحكي أنه قدم من نواحي "تطوان".. و أبوه مقدم لزاوية من الزوايا هناك، في زيارة عادية لشيخنا "سيدي حمزة" الذي كاشفه بأنه يريده مقيما خادما معينا، في الزاوية و أمهله مدة خمسة عشر يوما للسفر و العودة بما يحتاجه من داره للإقامة بـ"مذاغ" .. فما كان من هذا الأخير إلا أن اعتذر و ذكر أنه لم يأت للإقامة إنما للزيارة... و صرح بأنه لن يعود فما زاد الشيخ الجليل عن غير التبسم، إثر عودته إلى زاويتهم الأم بـ"تطوان".. يسرد "الرحالي" أمره العجيب الذي تجلى في عدم رغبته لا في أكل و لا في إقامة منذ رجع... لم يعد يحلو له أي شيء، ضاقت به تلك البلاد و الدار و الأهل.. كان جانبا يجذبه نحو "مذاغ".. فما كان منه إلا أن سلم للأمر وحزم متاعه بعد أن كاشف والده الذي تبسم له و أذن له..، و هل الأمر يحتاج إلى إذن.. بعد أن صدر من الحضرة الحمزاوية؟!.. يحكي أنه لما دخل على شيخنا الأبرك للمرة الثانية، ضحك رضي الله عنه و أرضاه في وجهه و بادره بالقول: "جئت يا الرحالي مرحبا! مرحبا! مرحبا!" وقع هذا أواسط الثمانينات، و لازال مقیما و خادما بصدق و تفان للطريقة المباركة إلى أيام الإسعاد هذه، رزقنا و إياه الثبات و النبات و حسن التصديق في أهل الله... الإقامة هناك طلبته، فيسر الله له أمرها و أداء حقها "..رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر، و ما بدلوا تبديلا.."
أذكر بعد مدة قصيرة من دخولي الطريقة، أني سمعت أن شيخنا "سيدي حمزة"، قدس الله سره وتبثنا مع وارث سره سيدي جمال الدين رضي الله عنهم أجمعين، يطلب حسب تقريرات أهل الله مئة مقيم... خمسون قد وفيت و بقي خمسون، و لما رأيت ما عانيت من قهر نفسي "الأمارة بالسوء" و تجبرها علي.. أرتأيت أن أتطوع للإقامة هناك فطرحت الأمر على مقدم زاويتنا بالحي المحمدي "الفقيه" فنصحني ألا أفعل لأني إذا طلبتها فلن أقدر عليها... بعد أن سألني عن سبب التفكير في مثل هذا الأمر.. فوجهني رحمه الله ، إلى الإكثار من ذكر الله مع التوجه إلى وسيلتنا إلى الله شيخنا المبارك. و أنا أخط الذكرى هذه، جنح خيال قلمي نحو ربوع التي تقطن بجنابي "للانفيسة"، التي تقول: "إن حصص العلاج مع الدكتور" حول الغضب و الكذب.. أفزعتني.. فحديثه كله رصاص في رصاص.. و على العكس فإن عرضك لخدمات العيادة المولوية لسيدي حمزة أنعشتني و انتشلتني من يأسي.. فعقبت على كلامها: "إنك يا خويصتي، لما استأذنتني في الخضوع لتلك الحصص عند ذلك الطبيب.. أردت أن تخبري الفارق بينه و بين طبيب القلوب المحنك و المجاز من الحضرتين.. فأهلا و سهلا بك في حضرة العارف بالله شيخنا الأبرك رضي الله عنه وأرضاه...وتفضلي لمجالسة أحد ممرضيه الملائكيين "سيدي الرحالي"....
أوكي..