سحر حب الوطن
الأنوال نيوز
عندما أراد عبد الهادي بلخياط ان يحيى الحياة ،ركبها في قطار حياة بمعنى ومغنى سليم و آمن مع أصحاب الذوق الرفيع عبر قطاره، ورصعه بالصدق والنيات الحسنة وعمل المزيانة،ونوطة وانغام دون تحجج اوحزن او سيل دمع الجهم، بالحب والود ضد الكراهية ، بالحركة دون الوقوف أو السكون أو التراجع ، بالتعلم ومراكمة تجارب الحياة بعلم و إيثار دون أنانية.
اركبنا قطار الحياة!
هكذا علمنا، تعلمنا وتغنينا في أغنيته من أراد الحياة بالصفا والنية( فل يركب كل منا قطار الحياة للأمان) يوصله هو ومن يحب.
فهل سئم عبد الهادي بلخياط من قطار حياته فاختار له مسارا آخر؟ لا يهم هذا ! وربما، له كلّ الحق في ذلك ! لكن عندما يضيق صدر المرء بمشاكل و عراقيل وطنه التي لا تنتهي، رغم حبه وموته من اجله ، تكون بداية النهاية لحب ذلك الوطن؛مهما تعاظم وتصوّر المرء أن لانهاية له.
إنها علاقة أثمن وأرقى ولا اروع أن يحب المرء وطنه ؛ لكن ليس بنهايات مفتوحة وتحت كلّ الظروف. مامعنى أن تخسر حياتك القصيرة المحسوبة ببضعة عقود في حبّ وطن تعجز حكومته في توفير بيت صغير لك بشروط مقبولة في حدود إمكاناتك الفردية ما دام حب الأوطان من الإيمان؟
وما معنى أن نتغنى معظم الوقت بحب الوطن ،وكأنّ هذا الأمر أحد مكمّلات الإيمان الديني أو الشروط الموجبة لوطنية صحيحة غير منقوصة؟
فمع حكومة مثل هاته بأحوال كاذبة، هي مجرد لعبة مخادعة خلقتها حكوماتٌ سابقة، وغيرها، فاعتادت امتصاص دماء المواطنين من غير أن تتكفل بتوفير حاجاتهم الأساسية التي التزمت بها و المتفق عليها، وهي في جوهرها أمنٌ وخدمات ومسؤوليات إجتماعية .
مامعنى القول "حبّ الوطن من الإيمان"؟.. هذه مقولة آيديولوجية متيبسة،أليس الوطن في نهاية الأمر كومة حجارة وتراب وماء وهواء الحرية والإلتزام؟
عندما نتعامل مع الوطن ،فتلك حالة مجازية مستبطن بمعنى مضمر، جوهرهُ العملي والواقعي على الأرض أنّ الوطن = الحكومة الخدومة للبلد للمواطن المشارك الفاعل المقترح الباني.....الخ ؛ وعليه ليس من المروءة أن نمنح الحكومة كلّ شئ مقابل استخفافها بحاجات من يفترضُ فيهم بموجب القانون أنهم مواطنوها وخدام الدولة و الوطن . هكذا يتصرفُ الألمان والانكليز وكلّ شعوب الارض. لاوجود لفكرة غيبية او متعالية Transandantale عن الوطن، تمتطي الحكومة صهوتها لتحلب المواطنين استنادا إلى خير شريحتها الانتخابية .
لابد أن هناك محاسبة و حساب عسير للحكومة على تقصيرها، لان علاقة المواطن بالسلطة هو (أخدمْني وإلا مصيرك الرحيل أو الاطاحة بك).
حبّ الوطن عند هؤلاء له براهين عملية يرى المواطن مصداقيتها في مورد يكفل له حياة مريحة كريمة، ومسكن يأوي إليه نهاية كل يوم، ورعاية صحية، ومنظومة بيئية تتفق مع شروط العيش البشري الكريم، على الأقل في أدنى متطلباته التي ارتفعت تكاليفها معاييرها بشكل رهيب راهنا.
سيجانبُ الصوابَ كثيراً من يتصوّرُ أنّ المواطنين المغاربة يحبون بلدهم. بعد كل هذا ،دعونا من المشاهد الفلكلورية الهزيلة. تشغلني اسباب عديدة جعلت أغلب المغاربة يكرهون بلدهم وراغبين في مغادرته الى
المجهول، ودعونا لاننسى أنّ كراهية عدد كبير من شريحة المغاربة لوطنهم تعني كراهية الحكومة بما يدعو ل: المعادلة القائمة دوماً: الوطن = الحكومة في سياقات السلوك العملي اليومي وخدمة المواطن .
البوابة التي تجعلُ المغربي– وسواه كذلك –،يحبّ بلده من غير فلكلوريات كاذبة هي أن توفر له سقفاً يأوي إليه. لعلّ معظمنا جرّب إيجار مسكن حيث يضطر إلى اقتطاع مبلغ كبير من دخله الشهري للتسديد بدل الإيجار. الايجار دَيْنٌ، وكلّ دَيْنٍ همٌّ في الليل وذلٌّ في النهار. جرّبتُ الإيجار مثل معظم المغاربة في بدايات حياتي، وجرّبته ثانية وأنا في ديار المهجر . كنتُ أرثي نفسي وأخاطبها كلّ نهاية شهر : أهذه حصيلتكِ بعد كلّ شقاء العمر؟ ماذا لو لم يساعدني الأبناء في التكفل بمعظم مستحقات الإيجار؟ ما أبغض تلك السنوات وما أثقلها على قلبي!
لكن لنكنْ منصفين ! كانت في المغرب منذ عقود برامج لتوزيع أراضٍ على المغاربة وإقراضهم لبنائها.وفي القريب أيضا مع الترحيل القصري، وقد توسّعت تلك البرامج كثيراً عقب برامج وتخطيط التهيئة والتعمير وتوسع الحضر مع ضيق المجالات الحضرية، ساعدت وقدمت حكومات سابقة قروض للمواطنين ،وأيّةُ مساكن فارهة؟؟ عبارة عن أكياس مربعة ربحت من وراءها شركات أرباحا و أراباح طائلة !! تلكم كان و لازال القرض ثم القرض على القرض إلى ما لا نهاية إلى فالربا. وظلّ المصرف العقاري علامة مميزة في إسكان المواطنين المشنوقين بضيق ذات اليد وخفة الجيب.
لن ينسى المغاربة قروض حكومية إن هي صانت كرامتهم في كبرهم وعجزهم ومرضهم في عهد الديمقراطية الزائفة، وحفظت ماء وجوههم أمام أولادهم ،
و بشأن إسكان المغاربة (هذا إذا افترضنا وجود حكومة حقيقية)؟
لم تفعل شيئاً في قطاع الإسكان أوغيره.
لاتعرف الحكومة شيئاً سوى التلاعب العَجُول بسعر صرف الدرهم مع البنك الدولي في وجوه المغاربة كلّما حصل خرقٌ في قدراتها المالية المتطفلة على الريع مثل دودة شريطية تلتصق بأمعاء المغاربة تنتفخ و تستنزف كلّ مايتغذي به. تركت الحبال على الغوارب، وبات كلّ طامع يفعلُ مايريدُ ،وكيفما يريد تحت غطاء الاقتصاد الحرّ الذي جاء إنقاذاً للمغرب من سطوة الشمولية الإقتصادية والتخطيط المركزي الموجّه.
أيُّ كذب وأية صفاقة ؟
صار من المشاهد اليومية المعتادة في المغرب؛ كظهورُ إعلانات تبشّرُ المغاربة بتملّك شقة العمر التي لطالما تخيلها في أحلامه، تخبره بتفاصيل السعر والدفع : تدفعُ تدفع وتزيد في الدفع ولا يكفيك.
أرتعبُ كثيراً كلما فكرت بالأعوام القادمات عندما يكبرُ جيل جديد تقطّعت أواصرُه بالمغرب تماماً حتى كفرَ به زمانه وضاقت مساحات عيشه.
جياع ببطون ضامرة مقابل كروش تزداد انتفاخاً بالأموال المنهوبة: تلك هي الوصفة السحرية لتكره وطنك.
أحمد العسّلي إعلامي
أوكي..