الحلقة 17 من "يوميات سكير... العبرة حصاد تجربة" الغربة والكآبة وأشياء اخرى
الأنوال نيوز
لا يمكنك أن تشرب القهوة في الحانة وتحتفل، كما أنه لا يمكنك أن تشرب "البيرة" في المقهى وتشعر أنك بخير. لكل فضاء خصوصياته ومقومات البقاء فيه والإحساس بنشوة الآخرين المحيطين بك.
هكذا بدأت أشعر بالغربة في "البار"، ولم أعد أنتمي إلى ذلك المكان، صرت مجرد متطفل يشرب "المونادا" ويدعي أنه "ناشط مع صحابو"...، ما عدت أستطيع البقاء أكثر من ساعة في الحانة، هي التي كانت تبتلع أكثر من نصف اليوم وجزء من الليل..
ببساطة صارت "مقناطة" جدا..
حتى تلك الضحكات المجلجلة التي كان يطلقها "الحاج" وهو جالس في صدارة "الكونطوار" لم تعد تطربني وتحرك في داخلي رغبة مجاملته وإلقاء التحية، أما جلسة ذلك الصحافي من رواد المهنة في المجال الثقافي والفني، ما عاد دخوله إلى الحانة "متسللا" يثير الفضول للحديث عنه وعن ريادته وسبقه ووصوله إلى حالة الاعتزال التي يعيشها والتساؤل عن أسبابها وخلطه لـ "البيرة" الباردة مع الساخنة، كل ذلك صار مجرد تفاصيل عابرة، في حين كانت وقائع تحلل وتناقش وتمحص.
"الحاج" الذي لم يزر مكة مطلقا، نال لقبه لكبر سنه والوقار الذي كان عليه، مرارا كان يتملص من هذا اللقب لكنه ظل لصيقا به إلى أن سألنا عنه ذات يوم فقيل لنا، مات، هكذا يغادر مقعده المعتاد ويترك ضحكته للذكرى.
الصحافي بدوره انتهى مسيره، توفي وغادر دنيا الناس، الذين رحلوا منهم من استقال من الشرب، ومنهم من حجز تذكرة السفر في قطار آخر العمر، وبعضهم نال منه المرض فكانت النهاية عز المطلب بعد مرارة الصراع من أجل البقاء قيد الألم.
لا أدري بعد كل هذا هل أواصل هذه الحلقة بنبرة حزينة أم أحول الاتجاه إلى من تبقى، لكن واجب التكريم ولو بدون ذكر الأسماء، يلزمني بالتوقف عند ذكراهم واسترجاعهم، وطبعا الترحم عليهم، فأغلبهم لم يسبب الأذى لأحد، كانوا مسالمين ومحبين وعطوفين وبعضهم منعزلا، كانوا يعيشون ما تيسر من حميمية اللحظة بطريقتهم الخاصة.
في هذه اللحظة تسلل إلي إحساس بملل القارئ وهو يقرأ الحزن والكآبة، لذلك الموعد في المقبل مع بعض ذكريات السكير الذي ما عاد سكيرا... وتلك "السكرة" الباذخة في اوروبا.
أوكي..