مولاي منير القادري: التسامح والتعايش دون إقصاء هو الذي يميز النزعة الكونية للإسلام

الأنوال نيوز
أكد مولاي منير القادري رئيس مؤسسة الملتقى بالمغرب أن قيمة التسامح قيمة سامية تجعل المتصف بها أكثر إيجابية وإقدامًا على الحياة، كما تخلصه من المشاعر السلبية التي تنشأ عن الضغينة والحقد وتُوَّلِدُ ظواهر العنف والاجرام.
وقال في محاضرته التي ألقاها في الليلة الرقمية الرابعة عشرة بعد المائة، ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية "ذكر وفكر" التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال، إن حضارة الإسلام يمكننا بكل يسر وسهولة أن نصفها بأنها حضارة العفو والتسامح.
وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركائز المجتمع الإسلامي الأول على حُسن مكارم الأخلاق، ومنها التسامح والعفو، والحلم والصبر، وعدم الانسياق وراء الغضب والانتصار للنفس، وأورد في ذلك الإمام أحمد بن حنبل عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (يا عُقبة! صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَك).
وأشار مولاي منير القادري إلى أن خلق التسامح والعفو يدخل في باب زكاة النفس وصدقة العرض، وهو من الأعمال القلبية التي تورث الصفاء وحب الخير للجميع؛ ذلك أن اللين في التعامل مع الآخرين، والحلم عن المسيء والصفح عنه، من أحب الأعمال إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وأكد أن العفو والتّسامح خُلُقان كريمان تحتاجهما النفس البشرية لتتخلّص من كل الشوائب التي قد تعلق في القلب من أثر الأذى، ومتى انتشر أثرهما انتشر احترام الآخر وقبوله.
أما تغلب الغلظة والشدة والعنف على العلاقات بين الناس فإنها لدليل ضعف لا قوة، ودليل بعد عن تعاليم الإسلام، ويمكن اعتبارها من أسباب التخلف والانهيار الحضاري.
لكن متى كان الأفراد متسامحين ظهر المجتمع قويًا خاليًا من الأحقاد والضغائن التي تولّد المشكلات و النزاعات والصراعات، ومن أبرع ما قاله ويليام شكسبير في هذا الخصوص: ‘لا تُوقِدُ في صَدْرِكَ فُرْنًا لعدوك فَتَحْتَرِقُ أَنْت فِيِهِ”.
ولذلك فالتعايش دون إقصاء هو الذي يميز النزعة الكونية للإسلام، تلكم النزعة التي تنفتح على سائر الأديان والأجناس والألوان واللغات وفق الضوابط الشرعية، عبر قيمه الروحية المتاحة لكل الناس باعتباره دينا عالميا يتجه برسالته وتعاليمه إلى البشرية جمعاء. “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
ولا شك أن التحلي بخلق التسامح يقتضي مُجاهدة النفْس، وتجرُّعِ شيء من الألَم؛ ذلكم أنَّ في التسامح شيئًا من التنازل والهضم للنفْس، لكنَّه في النهاية يمثِّل قِمَّة الشجاعة وغاية الإقدام، التي لا يوفَّق إليها إلا ذَوو العقول الكبيرة، ولا يُعان عليها إلا أهلُ البصائر المستنيرة، ولا يَعرف قيمتَها إلا أصحابُ القلوب النديَّة والنفوس الرضِيَّة، الذين يستشرفون أن يعيشوا حياتَهم مع مَنْ حولهم بارتياح وطمأنينة، دون أن يستبدَّ بهم هاجسُ الكراهية، أو يقضَّ مضاجعَهم قلقُ الانتقام، وصَدَق رسول الله – صلَّى الله عليه وآله وسلَّم – الذي قال: (ليس الشديدُ بالصُّرَعة، إنَّما الشديدُ الذي يَمْلِكُ نفسَه عند الغضب).
وأوضح مولاي منير القادري أن خلق المسامحة يمكن اكتسابه، ذلك أن الإنسان يتعلم ما يتم تربيته عليه من والديه. وعليه، فينبغي تعليم الناشئة ثقافة الاعتذار واحترام الآخر ونبذ الإقصاء، وتعزيز تقبل اختلاف الرأي. وقديما قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: (الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان).
وبيَّن أن التربية الإحسانية التزكوية تستأصل جذور الشر والكيد وأخلاق السوء من أعماق النفس البشرية، وتزكيها بالأخلاق المحمدية الكريمة، قال تعالى:” قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا “(سورة الشمس الآية: 9_10) ، وقال أيضًا:” أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ “(سورة الرعد الآية: 28).
وقال ابن عربي في وصاياه: “افعل الخير ولا تبال فيمن تفعله تكن أنت أهلا له”.
وأشار مولاي منير القادري إلى أن الاختلاف فيه الرحمة والتكامل والتسامح أما الخلاف ففيه الشقاق والتنافر ومن ثم الحقد والكراهية، ولذلك قيل: “اكتب الإساءة على رمال البحر عسى موجة أو ريح للتسامح تمحيها، وانقش فعال المعروف معك على الحجر حيث يستحيل على دوائر الدهر والزمان أن تمحيها”.
وأكد أن هويتنا الدينية ترسي دعائم الأمن الروحي في مجتمعاتنا، ومهما توالت الأزمات من غلاء للمعيشة أو ضيق في سبل العيش فإنها تتكسر على قيم التآزر والتعاون والتكافل التي حثنا الإسلام على التخلق بها، بخلاف الانسياق وراء دعاة العنف والفتن فإن ذلك يجلب الخراب وسوء العاقبة.
وخلص مولاي منير القادري إلى أن مجتمعاتنا في أمس الحاجة إلى تحصين وتمنيع ثقافي شديد للمحافظة على هويتنا الثقافية والحضارية، وعلى مشتركنا الثقافي العريق، حتى نجعل من البعد الصوفي والاحساني الحضاري والإنساني للإسلام ملموسا وقابلا للإدراك والتجسيد كثقافة حية تساهم في إرساء علاقة سليمة مع قضايا المجتمعات المختلفة وتضمن الحصانة والتمنيع لأبناء وبنات هذا الوطن المبارك، فهم عماد المستقبل لهذه الأمة، رجال ونساء خبروا في دواخل أنفسهم أن التسامح ليس انكسارا، وأن الصمت ليس هزيمة.
وبهذه المعاني السامية يمكننا التأسيس لنهضة حضارية تعم بخيراتها الجميع مجندين وراء قائد الأمة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
أوكي..