جريدة الأنوال نيوز تعزي في وفاة الراحل عبد الله الستوكي

الأنوال نيوز
توفي صباح اليوم الثلاثاء، عبد الله الستوكي، أحد الوجوه البارزة في المشهد الإعلامي الوطني، وذلك بعد صراع طويل مع المرض، حسب ما علم لدى أصدقائه.
والراحل من مواليد 1946 بمراكش. تلقى مبادئ مهنة الصحافة منذ صغره، من خلال العمل الميداني، وبعيدا عن أسوار المعاهد والجامعات.
وعرف عنه إلمامه الواسع بالعديد من الملفات الوطنية التي كان بارعا في تفكيكها بواسطة طريقة كتابته التي كانت تتميز بالصرامة، والوضوح، والإنصاف.
الراحل عبد الله الستوكي قد تولى رئاسة الجمعية العامة لاتحاد الصحافة الفرونكفونية خلال سنوات الثمانينات، في انبثاق عدد من العناوين المغربية ، ساهم في تكوين عدد كبير من الصحفيين المغاربة.
يعد الراحل عبد الله الستوكي من الأقلام الصحفية المغربية المعروفة على الصعيد الوطني والدولي وهو بمثابة موسوعة متحركة ومثال للمثقف المغربي و الصحافي المهني ، فرغم قربه من الحزب الشيوعي المغربي آنذاك وحزب التقدم والاشتراكية حاليا بحكم أنه كان مناضلا شيوعيا نشيطا في الحزب الشيوعي المغربي في تركيبته الأولى، ثم ضمن التيار اليساري المتطرف، الذي كان من بين قادته أبراهام السرفاتي، والشاعر ، إلا أنه عرف كيف يحافظ على التوازنات في علاقة مع كل التيارات، بما فيها الراديكالية والرجعية رجل عصامي صنع نفسه بنفسه ، بدأ دراسته بمدينة مراكش وبعد حصوله على الباكلوريا انتقل إلى موسكو مع أصدقاء دربه من التيار الشيوعي ودرس هناك، بدأ مشواره الصحفي منتصف الستينات بوكالة المغرب العربي للأنباء إلى جانب الراحل المهدي بنونة ،
كما شغل منصب رئيس تحرير بيومية "لاديبيش" (القصاصة) التي أسست لخلق نوع من التوازن بين الصحف المغربية في تلك الفترة، بعد أن كانت جريدتا "l'opinion" و"le petit marocain" الوحيدتان في الساحة آنذاك، وشغل منصب مدير لمجلة "لاماليف" "أنفاس" الثقافية كما كان له الفضل في تأسيس العديد من الجرائد الحزبية كرسالة الأمة لحزب الاتحاد الدستوري وجريدة الميثاق لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهو مدرسة قائمة الذات في المجال الإعلامي، ويرجع له الفضل في استقطاب العديد من الشخصيات التي لم تكن لها اهتمامات صحفية، ولكن بفضل الاستاذ عبد الله الستوكي ولجوا مجال الصحافة، الذي كان حكرا على مجموعة من الناشرين خصوصا ناشري الصحف الحزبية، التي كانت وحدها في الساحة، ولولا المجهودات التي كان يقوم بها لما ظهرت الصحف المستقلة والصحف الحديثة .
عبد الستوكي هو ذاكرة الصحافة المغربية إضافة إلى أنه معلمة ثقافية ومنارة في الإعلام الوطني، لأنه يختزن في ذاكرته تاريخ الصحافة الوطنية، ليس فقط لأنه مارسها منذ عقود طويلة، وإنما لأنه مارسها في أوقات دقيقة وخاصة في فترة السبعينات التي تعد مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب الحديث، بما عرفته من تعاقب أحداث تاريخية بخصوص قضية الصحراء المغربية، بما فيها محكمة العدل الدولية في لاهاي، وما تبعها من تأسيس لجنة لتقصي الحقائق، ثم بعد ذلك تنظيم المسيرة الخضراء سنة 1975، فكان الراحل عبد الله الستوكي، بصفته مديرا للإعلام بوزارة الإعلام آنذاك ، يبذل جهدا كبيرا ومشقة بالغة بسبب حساسية وخطورة الملف، وأيضا لأن أنظار العالم كانت متجهة نحو المغرب ، وكان الستوكي هو المكلف بعملية التنسيق لاستقبال الصحافيين الأجانب ومدهم بالمعلومات اللازمة حول النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وتوفير جو العمل المهني بشكل يرضي الجميع، وكان بطبيعة الحال الرجل المناسب في المكان المناسب وعلى الرغم من مسؤولياته الكبيرة ،إلا أنه لم يتخلى عن شغفه بالكتابة فكان يكتب من حين لآخر مقالات في الجرائد الوطنية ، خصوصا في مجال الفن التشكيلي، كما كتب سيناريو مسرحية باللغة الفرنسية تحت عنوان "كو موليير"وهي من أول المسرحيات التي ألفت في المغرب .
كل هذا الرصيد المعرفي والمهني الذي يتمتع به الراحل عبد الله الستوكي جعله ينأى بنفسه من أن ينخرط في التفاهات المثارة في الساحة الصحافية، في السنوات الأخيرة ويكتفي بكتابة بعض المقالات الرصينة دون الاشتغال مع أي جريدة على الرغم من أنه يعيش ظروفا اجتماعية صعبة ومع ذلك الرجل أنفة وعزة تغنيه عن الناس ، حيث ساهم في تكوين عدد كبير من الصحفيين المغاربة.
وقد أسس الراحل سنة 1978، يوميتي (المغرب) باللغة الفرنسية، و(الميثاق الوطني) باللغة العربية، اللتين تم إطلاقهما بتزامن مع تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار.
وعرف الراحل عبد الله الستوكي وسط زملائه كمثقف حر، مستقل، وذي مصداقية، وكرجل مواقف، ومثقف من مستوى عال يتمتع بصفات رفيعة ومتحضرة تفرض الاحترام والتقدير.
فالترفع، والشرف، والكفاءة، والمهنية، والصرامة والمثابرة سمات طبعت شخصية الراحل الذي عمل جاهدا، خلال نصف قرن من مساره المهني، من أجل تطوير الصحافة المكتوبة بالمغرب وتحسين الوضعية المادية للصحفيين.
وعن تعازينا الحارة لأسرة الفقيد وللعائلة الصحافية الوطنية، راجية من العلي القدير أن يتغمده الله برحمته الواسعة، ويسكنه فسيح جنانه إلى جوار عباده الصالحين .
أوكي..