حيرة الجواب بقلم: فاطمة أولاد سعيد
الأنوال نيوز بقلم: فاطمة أولاد سعيد
حيرة الجواب
طفلتان ..( ملك إبنة هناء ونور إبنة إيمان )..لا يتجاوز عمر إحداهما الست سنوات ..والأخرى عشر ..أصغر حفيدات العائلة ...
أحب روحهما المرحة ..صدقهما في الحذيث ..جديتهما في الحوار ..ملؤه الفضول والاستفهام ..طبعه السؤال المحير ...متمردتان لدرجة الوقاحة ...
كلما زرت أختي ( جدتهما ) بالرباط ..إلا وأصرتا المبيت معي ...ولو بالقوة ...
يستمتعان بالحذيث معي ...فأجدني .طفلة ..أرتع وألعب معهما ..بحركات بهلوانية ...
نور وملك ...نشاط وحيوية ...حركية فائضة ..فضول لا ينتهي ..وحب المعرفة والإكتشاف عنيد ..
ما أدركت ..أن وراء هذه الحركية المفرطة فكر ثاقب ...يتأمل ويسأل ..
( ملاحظة ..الحذيث معهما كان بالدارجة ..فقط صغته بالفصحى )
ذاث جلسة معهما ...ونحن في خضم لعبة ( الغميضة ) ..فوجئت بملك توقف اللعب ..وهي تلهث ..وقد اتسعت مقلتاها ..واحمرت وجنتاها ..تعض على شفتها السفلى ..تتأهب لقول خطير ..
أفزعني هذا التغير المفاجئ في ملامحها ..وسألتها
# = ما بك عزيزتي ملك ..هل تحسين بألم ..؟؟..
وبحزم قالت ..
# = أريد أن أطرح عليك سؤالا ...لكن لا تتجاهلينني كما فعلت معلمتي ..بل وبختني حين أعدته عليها ...
ما كدت أستفسر عن السؤال ..حتى صاحت الصغيرة نور ..مقهقهة ...وبتهكم قالت ...
# = لأنها لا تعرف الجواب ...ووبختك لأنك أحرجتها ..
ما توقعت مثل هذا التعقيب ..وبهذه السرعة ..فهل يملك الأطفال سرعة الإدراك والتحليل إلى حد الإستنتاج ..؟؟..،
انقضت ملك على ابنة خالتها نور ...محاولة الإشتباك معها
عملية شاقة ..فض الأشتباك ..وقد أمسكت كل واحدة بشعر الأخرى ...
وبلهجة قاسية ..وموبخة ..قلت ..
# = كفاكما شجارا ..ابتعدا عن بعضكما ..ولنسمع السؤال ..
ترددت ملك قليلا ..واستجمعت قواها ..وهي تصفف شعرها المنفوش ..ثم قالت ..
# = ما هي الحياة ..؟؟.. ولماذا نحيا ..؟؟..
عبارتان نزلتا كالصاعقة المذوية على فكري ..اقشعر بدني ..ورحت أفرك عيني بيدي ...
سؤالان ..مباشران ...فضفاضان ..صعب تناولهما ..سؤال عن ( ماهية الحياة ) وآخر عن( الغاية من الحياة ) ...
سؤالان لم يتوصل إلى الإجابة عنهما ... أكبر الفلاسفة والعلماء ...
عدت بذاكرتي إلى أيام التحصيل الجامعي ..عدت إلى الدكتور سامي النشار ..والفلسفة اليونانية ..إلى الدكتور زكريا إبراهيم ومحاضراته عن الأخلاق والمنطق والعدالة ..إلى الدكتور الدواي ..مبارك ربيع ....عدت إلى هيجل ..سبينوزا ..إلى ديكارت ونظريته الوجودية ( أنا أفكر ..إذن أنا موجود ) ..عدت إلى مسقط رأس الفلسفة ..اليونان ..مع ميثافيزيقا أفلاطون وسقراط الى أرسطو ..وبيثاغورس ....
وقفت والوضع الحالي ..أجول بنظري إلى ما يحيط به بصري وفكري ..
زوبعة من النظريات والأسماء ...تتلاطم بأرجائه ..لهول السؤال ...ما تمكنت من تجميعها ..وحتى لو فعلت ..فكيف سأنقلها لطفلتين ...جل ما توصلتا إليه ..هو إثقان القراءة والكتابة ...
وأنا أصارع تلك الزوبعة ...علني أنزع منها فجوة ..تساعدني على الكلام ..وتدلني على مفتاح المتاهة ..
أدركت حينها ..لماذا تجاهلتها المعلمة ووبختها... فكم هو محرج لرجال التعليم تلقي مثل هذه الأسئلة المستعصية ...
لم أستفق من دهشتي وذهولى ..إلا على صوت نور وهي تهزني ..قالت ..
# = هههي ..هل تتهربين انت أيضا من الجواب ..؟؟.
قلت ..
# = أنا لا اتهرب .. بل أفكر قليلا ..
هنا تدخلت ملك وقالت ..
# = كلانا نريد أن نعرف ( ما هي الحياة ) ..بحثنا في غوغل ..وصفحات أخرى ..ولم نعثر على جواب ..أو بالأحرى لم نفهم ما قرأناه ..
زدت دهشة وحيرة ..لألحاحهما على التغلغل في تساؤلات فلسفية عجز عنها العديد رغم غوصهم في بحرها اللامحدود
بماذا أجيب ..؟؟..بأية لغة سأحاورهما ..؟؟..أبلغة الكبار ..أم بلغة الفلسفة ...أم بلغة المعرفة ..؟؟..
لم أجد إلا لغتي أنا ..حتى أصدق القول وأبسط الجواب مخاطبة عقليهما الصغير ...
وقاطعت حيرتي ..الطفلة نور ..قالت ..
# = مامي ..( لقب تعودتا مناداتي به نقلا عن أميهما ) ..ما سبب صمتك ..؟؟.
اسنفسارها هذا ..أعادني أليهما... فقلت ..
# = حسن ...استمعا جيدا لما سأقوله..دون شجار أو اشتباك ..
وتابعت حذيثي .. بجدية ..فقلت ..
# = الحياة ..لا تحد ..ولا تقاس ..لا يمكن رؤيتها ..لكن نحياها .. هي جوهر ..لا يتجزأ ..ولا يتحلل ..وما ندركه منها هو ما يدركه عقلنا الصغير ..فنحاول التوفيق بين مدركاتنا المحدودة هذه ..لنسهل بذلك وجودنا ..
فنحن لا ندرك من الحياة ...إلا ما يحيط به بصرنا من مظاهرها ..
تدخلت نور بتلقائية الطفولة . وقالت .
# = أنا عقلي صغير ..وملك أيضا ..لكن انت ..بابا وماما عقلكم كبير ..فلا شك أن عقلكم يدرك أكثر مما ندركه نحن ..
لم تأبه ملك لما قالته نور ..فهي تحمل بلسانها ما هو أعمق ..قالت ..
# = وماهي مظاهر الحياة هذه ...إذا كانت الحياة لا ترى إلا من خلال مظاهرها ...؟؟..
قلت ...
# = مظاهر الحياة كثيرة ... فكل ما يحيط بنا ...وكل ما تراه أعيننا ...هو مظهر من مظارها ..أشجار ..غابات ..أنهار ..بحار ..سهول ..جبال ..
حيونات ..طيور ...اسماك ..وبالطبع نحن البشر ..كل شيء على وجه الأرض تدب فيه الحياة ..لتخلق توازنا فيما بينها
أوقفت استرسالي في الشرح ..الطفلة نور ..بينما ملك تقضم أظافرها بأسنانها تارة ..وأخرى تلاعب خصلات شعرها ..تتأهب للهجوم بسؤال مستعصي..قالت نور ..
# = ماذا تعني بالتوازن ..؟؟..
علمت حينذاك ..أنني كلما أقحمت لفظا معينا في شرحي ..سيصبح سؤالا ..وقلت ..محاولة التبسيط
# = مثلا حين نضع نفس المقدار في كل كفة من الميزان...ماذا نلاحظ ..؟؟..
أجابت ..
# = إن ما في الكفتين ..له نفس الوزن ..وأن الكفتين متساويتين في نفس الخط ..
وقلت مضيفة ..
# = وكيف توزع عليكم أمكم بعض الحلوى ..
قالت ..
# = تعطي لكل منا نفس المقدار ...
قلت ..
# = إذن ..فهي تساوي بينكم ...
وأضفت ..
# = مثلا إذا مرض أحد ..ماذا يحذث له ..
قالت ..
# = لا يستطيع التحرك ..يتألم ..لا يأكل ...
قلت...
# = إذن ..لكي يعود سليما معافى ..عليه أن يعيد التوازن الذي فقده بالعلاج .. هل فهمت ..؟؟.فكل شيء به خلل أو عطب ..يعود إلى توازنه بعد أصلاحه ..
ما كان علي ..إلا اللجوء للأمثلة البسيطة ..حتى لا أغوص في تفسيرات ( المفهوم ..كيفية قياسه ..وتنميته ..التوازن الإنفعالي .. التوازن الجسدي او العقلي في علاقة كل ذلك بالمشتبك العصبي ..والأليكرونات..والاعراض والمسببات ...)
ما أدركت ..أن الحذيث عن التوازن ..سيجر وراءه ..أسئلة فلسفية ..عن المساواة ..العدالة ..الحقوق ..عن التفاوت بين البشر ..وهلم جرا ..
وعادت المشاغبة ملك لموضوعها الأول ...قالت ...
# = لكني أرى أن مظاهر الحياة هذه مشوشة ..ومشوهة ..
فالمساواة تنعدم ..بينها ..وفيها ...أنها مشوشة النظام ..منافية للتوازن ...لا عدالة فيها ولا مساواة ...خاصة عند البشر ...
قلت لها مستغربة ...
# = لماذا عند البشر بالأخص ..؟؟
قالت ..
# = يمكن أن نفهم التفاوت في الطبيعة ...فقد تعلمنا أن عامل المناخ وتسلسل الفصول لهما تأثير عليها ..جبل قد يجرفه سيل بسبب الأمطار فيتغير شكله ...وسهل مخضر قد يشوهه الجفاف ..بساتين تزهر في فصل الربيع ..وأوراق تتساقط خريفا .. هذا كله بفعل المناخ وتسلسل الفصول ..أما نحن البشر ...
قاطعتها ..حتى لا نغوص في حذيث أنا في غنى عنه
قلت....
# = نحن أيضا نخضع لتغيرات المناخ والفصول ..نرتدي الملابس الخفيفة في الصيف ..والثقيلة في الشتاء ..نستمتع بالإستجمام والنزهات حسب الفصول ..
وهنا صاحت نور مبتهجة ..قالت ..
# = نعم ..نعم ..أنا أحب فصل الصيف...وأحب البحر ..
استهزأت بها ملك ..وخاطبتها ..
# = كفاك تفاهة يا نور ..أنا أبحث عن سر التفاوت بين البشر .. وعن سر اللامساواة ..بين خلق الله ...
التفت إلي وقالت ..
# = أليس هذا التفاوت ..وعدم التوازن ..واللامساواة بين البشر ...مظاهر مشوهة لنظام الحياة ..؟؟..
ملاحظة لا يمكنني تجاوزها ..أو تجاهلها ..وأحار مرة أخرى ..بأية لغة سأخاطبها ...قلت ...
# = أين وكيف لاحظت ذلك ..؟؟..،
قالت مستغربة ..
# = لماذا هناك حكام ..ومحكومون ..؟؟..الحكام يحكمون ..والمحكومون ينفذون ..رغما عن أنوفهم ..سألت أبي ذات يوم ..فأجاب ..(إنها السياسة ..وهكذا يجب أن تكون )
أية سياسة هذه ..؟؟..
صدمتني مرة أخرى ..وحرت في الرد ..وتهت ..أأحذثها عن أفلاطون بجمهوريته ..أم سقراط بعالمه الميثافيزيقي ...أم ابن رشد ..الفارابي ..ابن سينا ..أبن خلدون ..أم عن نشأة القبائل البدائية وكيف تم تطورها .. حتى ظهرت مفاهيم متعددة منظمة لها ..وما اصطلح على تسميته بالسياسة ...
وهل يستوعب ..عقلهما الصغير ..نظريات فلسفية عن السياسة وما يرتبط بها من أنظمة أيديولوجية لكل مجتمع ...هل أحذثهما عن علم السياسة ..علم الاجتماع ..تاريخ الشعوب ..
ذقت درعا منهما ..ولا من خلاص ..وفيما أنا منغمسة في كيفية الخروج من هذا المأزق ..وصل إلى مسمعي صوت نور ..قالت ...
# = نعم .. نعم ..سمعت ماما تقول لأبي وهو يوبخ أخي يوسف ..( تعامل معه بالسياسة ) ...سألتها ..ماهي السياسة ..؟؟..قالت لي ..( حان وقت النوم ..اذهبي لغرفتك )
كسرت التوتر والجدية ..وأدخلت لنفسي نكهة الإنفراج ..وابتسمت لذلك ..
ما كنت أدري أن كل جواب سيجر وراءه ألف سؤال ..وكأنني إحدى تلاميذ سقراط الذي كان يغرق تلاميذه في متاهة السؤال والجواب..تابعت حذيثي وقلت ..
# = هي ذي سنة الحياة ..لا بد من رئيس ومرؤوس داخل كل مجتمع ..حتى يضمن الاسقرار ولا تعم الفوضى بين الناس
وذلك من أجل تنظيم العلاقات داخله وخارجه ..من أجل تقرير مصيرها اقتصاديا واجتماعيا ..وهذا الأسلوب يسمى السياسة ...كمظهر من مظاهر الحياة البشرية ..
وحاولت التبسيط حين لمحت على محياهما الاستغراب ..قلت ..
# = مثلا ..الأسرة ..جماعة صغيرة ..يمثل الأب والأم داخلها السلطة والقيادة ..فيوفران الحماية والرعاية ..وينظمان العلاقات داخلها ..ويسهران على أمنها واستمرارها ..فيحددان بعض التدابير والإجراءات لتحقيق ذلك ..وهذا نوعا ما يمكن تسميته سياسة بالمعنى الضيق ..
هنا تدخلت نور قائلة ..
# = ولكن بابا وماما ..يفرضان علينا أمورا لا نريدها...ويرفضان ما نريد ونحب ...
قاطعتها ملك المشاغبة ..وقالت ..
# = مثل الحكومة والشعب ..الحكومة تفرض على الشعب ما لا يريده ..والشعب له مطالب ترفض الحكومة تحقيقها له ...
ثم التفتت إلي وقالت ..
# = كادت نور أن تنسيني سؤالي ..ما هي السياسة ..؟؟..وما دورها ..؟؟..
تعبت ..وفقد عقلي توازنه ...فقد تشعب الحوار ..من ماهية الحياة وغايتها ..إلى التوازن ..إلى السياسة ..والله أعلم متى سيتوقف هذا السيل من الاستفهامات ...وبتعبير سهل بسيط ..قلت ..
# = السياسة ..عبارة عن معالجة أمور المجتمع دورها ..رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية والخارجية ..توزع النفوذ والقوة داخل البلد ..كل حسب المهمة المكلف بها ( وأعطيت لهما امثلة )
ثم تابعت ..قائلة ..
# = السياسة ..هي الخيط الواصل بين الحكام والشعب ..هي إجراءات وأساليب ..تؤدي إلى اتخاذ قرارات نافعة للمجتمع والبلد ....وتضمن له العيش الكريم ...
وما أن نطقت ب (العيش الكريم ) حتى انهالت علي تلك المشاغبة ملك بالسؤال قالت ..
# = ألم أقل لك يا مامي ..أن مظاهر الحياة مشوشة النظام ...وتنظيمها به خلل ..
وأردفت بغضب ...
# = سأعطيك مثالا ..عن التشوه والخلل ..عن اللاتوازن واللامساواة ..عن الظلم واللاعدالة ..فكيف يضمن رجالات السياسة العيش الكريم للشعب ....؟؟...
توقفت برهة ..وتنهدت ..ثم قالت ..
# = هناك من ينام في العراء ..لا مسكن له ..ولا لقمة لمعدته ..وهناك طفل يولد مريضا ..في أسرة فقيرة ..دون كسوة ..أو علاج ..وآخر تستقبله الحياة ..محاطا بالعناية وسبل الراحة في أسر ميسورة...يهنأ بالدفء داخل الفيلات والمنازل الفاخرة ..
تنهدت واغرورقت عيناها ...ثم همست ..
# = اين العيش الكريم ..؟؟..اين المساواة ..؟؟..أين الحقوق ..؟؟..وأين ..وأين ..وأين ..لماذا يسمح السياسيون بهذا التفاوت بين الشعب ..؟؟..إن الحياة ..قاسية في مظاهرها ..والسياسة ظالمة في تدبيرها لشؤون البلاد والشعب ...
فكرت مليا ..لا فكري أهداني لجواب ..ولا هما توقفا عن السؤال والاستفسار ..
وتابعت ملك ..بنفس اللهجة الحزينة ..بينما كانت نور تغط في نوم عميق ..أتعب حذيثنا فكرها الفتي البريء...فاستسلمت للنوم ... أما ملك ..فطاقتها متجددة.. قالت....
# = هل هذا التفاوت في مظاهر الحياة ..ظلم من الحياة نفسها ..أم هو عقاب ...أم خلل في تنظيماتها ..أم هو جور سياسي ..أم ماذا ..؟؟..
وتابعت ..
# = هل وجود الغني والفقير ...توازن طبيعي .. هل هذا مساواة...عدل ...عيش كريم ...حقوق ..أين دور الحكام وواجباتهم تجاه هذا اللاتوازن وللا مساواة ..؟؟
وجدت نفسي أقف على ملتقى سبل الحياة ..وقد حرت أين أدير وجهي ...أحث فكري على إنقاذي ...فأجده قد شلت إرادته ..وتسمرت أفكاري بزاويته ...تأبى التحرك ..وما توقفت ملك عن التساؤل ..قالت ...
# = هل يمكن اعتبار هذا قاعدة تابثة ..مفروض علينا تقبلها والاستسلام لها ..؟؟..
ما أكاد أستفيق من ذهول ..حتى أدخل في ذهول آخر .
جف حلقي ..وفر الكلام من لساني ..وهي لا تزال تسأل قالت...
# = إذا كانت الحياة هبة من الله كما قالت جدتي ..والله لا يريد بعباده السوء ..فكيف يسمح لهؤلاء الحكام ...بألحاق السوء بالبشر ..؟؟..لا يساعدون ..الفقيروالمحتاج .. ولا ينقذون الضعيف والمعوز .. ولا ينصفون المظلوم ...
بتعليقها هذا فتحت لي منفذا للخلاص قلت لها ..
# = اسمعيني عزيزتي ملك ..أنت حائرة فيما تراه ..ولم تجد تفسيرا لذلك ...
قالت .... نعم ..نعم ...
قلت مستطردة ..
# = الحيرة وإن كانت محطة من محطات الفكر ..في مسارنا الحياتي ...فهي ليست سوى معبر ..نمر به لنصل ألى جواب أو استنتاج ..
ولم أقل الحقيقة حتى لا أتوه معها في المفهوم الفلسفي ..اهي مطلقة أم نسبية ..و هل وهل وهل ...
قالت ....أنا لا أفهم
وتابعت قولي ..
# = طبيعي أن لا تفهمين ..فانت وكذلك نور ..ما زلتما صغيرتين وستجدان أجوبة لكل هذه التساؤلات حين تكبران ...سأعطيك مثالا ...
# = هناك العديد من العلماء والباحثين ..مروا بالحيرة أيضا ..منهم من حاول دراسة المجتمعات وتوصلوا إلى نظريات جد مهمة ..فمثلا أبن خلدون عالم الاجتماع .. مر بالحيرة والسؤال ..فتعمق في دراسة المجتمع والعلاقات بين أفراده .. وأهميه السلطة ..داخله ..كما درس كيفية تطور المجتمع وعمرانه ....وحين تكبرين ستقرأين ..كل هذا وتفهمين ...
قالت ...
# = سمعت في أحدى البرامج ..أن المجتمع ..كالجسد ..اذا تداعى أحد أعضائه تداعى الجسم كله...كيف ذلك ...؟؟..
كدت أصرخ ..واطلب النجدة.. لكني تمالكت وقلت..
# = هل أصابعك متساوية ...؟؟.. هل تستطيعين المشي برجل واحد ..؟؟..هل تستطيعين سد أزرار قميصك بأصبع واحد ..؟؟.
ونزلت عليها بمثل هذه الأسئلة ...
نظرت إلى أصابعها ..وحركت يديها ورجليها..وقالت ..
# = لا ..لا لا أستطيع ..وأصابعي ليست متساوية ..
قلت ...
# = وهل تستطيع الإستغناء عنها..؟؟.
قالت ..
# = لا ..لا استطيع الإمساك بشيء إلا بها ..وكذلك رجلي ..لاأستطيع المشيء إلا بهما معا ...
قلت ....
# = إذن ..إذا فقد الجسم أحد الأعضاء ..فلن يحقق التوازن
قالت ...أجل ...
قلت لها وانا متدمرة ...
# = كذلك المجتمع ..يحتاج إلى حكام ..والى قضاة ..إلى رجال أمن وجيش ..إلى أطباء وأساتذة ..إلى حرفيين وصناع ...إلى عمال ومصانع .. قولي لي ..أذا لم يوجد بالمدينة أصحاب النظافة... ماذا سيكون مصيرها ..؟؟.
قالت ...
# = ستمتلئ الشوارع بالنقايات ..وتظهر الأوبئة ويتلوث الفضاء ..
قلت ..
# = إذن ..إذا نقص أي عضو او فرد له دوره في توازن المجتمع ...فسوف يختل ..ويتداعى ..مثله مثل الجسد ..
وهذا كله مظاهر الحياة في شموليتها ..تتكامل فيما بينها لتستمر ..ولله وحده حكمة في ذلك ...
مصمصت شفتيها ..وكانها غير مقتنعة ..احسست أنها تريد الاستفسار عن غنى البعض وفقر البعض ..فهي من البداية تحوم لمعرفة السبب ..ولم ارد ان ادخل معها في ..أهمية التعليم... وما يمكن أن يوفر للفرد من دخل ..أو اهمية الاستثمارات ..والمشاريع الخ ...لان ذلك سينقلنا في اتجاه عقيم ..واكتفت ..اذ قلت لها ...
# = حان وقت النوم ...نكمل حذيثنا غدا ..
قالت ..# = الحمد لله ..على الاقل ..استفذت قليلا ..وصرت أفهم بعض الأمور ..
قبلتني ..وشكرتني ونامت...
كانت جلسة شاقة ..مثيرة ..وضعتني بين ..إما الغوص في بحر الفلسفة ..أو الألتفاف ..لأتمكن من مخاطبة عقلها الصغير ..الفتي ..الذي قادها إلى أسئلة محيرة ..وما زالت الأسئلة تتراكم ..وتتوافر ..عن مفهوم الزمن ...مفهوم المكان ..وعلاقتهما ..معا وبالحياة ..
دمتم (ن) بعيدا عن أسئلة الأطفال .هههه
مودتي ..وليلة سعيدة
أوكي..