التصريف في مصطلحات باقي المتصوفة بالمشرق وغيره
الأنوال نيوز بقلم : احمد ارحيحات
حينما نتحدث عن الصلاح بمصطلحه عند متصوفة المغرب يقابله مصطلح: التصريف في مصطلحات باقي المتصوفة بالمشرق وغيره؛ ومعناه أن المريد تكون له كرامة الضر فإذا أراد أن يضر أحدا يتوجه إليه وقد يذكر إسما من أسماء الله الحسنى بعدد معين حتى يكسر عدوه ولو كان أخا له في الله؛ وقد سبق لرواد هذه الطريقة ومنهم العارف بالله سيدي الحاج العباس أن قال مبشرا ابنه سيدي حمزة: " هذه الطريق سيكثر فيها العلم والحال والصلاح " والحمد لله فقد عشنا مع شيخنا سيدي حمزة أياما لا تنسى؛ وعلوما لا تدرس ولو أن صدقنا قليل والبلايا قد حجبت القلب عن السير حتى أن حبي في الله رحمه الله قال لي: " أنت أجعلك بريزيدون président ديال كل أصحاب الدروس " والحمد لله على فضله ما خدمنا السير إلا بالاشارة والسلوك؛وهانحن مع وارث المدد الأعظم المحمدي العلامة الدكتور جمال الدين القادري نكمل معه ما بنى أبوه فينا مع العلم أن لكل شيخ رزقه من هذا المدد ولربتما كان مدد هذا الأخير أقوى وأكثر؛ وأما الحال فلنا وقفات قريبة معه.
أما الصلاح فهو موجود ولكن تصرف بعض الجهلة من الفقراء جعل الشيخ يحد منه احتراما وتأدبا للحضرة الالهية؛ بل حتى هو ظلم - بضم الظاء - ولمن سامح؛ وأنا أتعجب في شيخ حقود يضر ولا ينفع؛ ولمن خاف من ضر الفقراء والمريدين فليحفظ حديث ابن العباس: " يا فلان أحفظ الله يحفظك......" إلى أن يقول: " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك؛ على أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد قدره الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " ولذا كانت بدعة الصلاح المذموم بدون ظلم ناتج عن المقصود بدعة خطيرة؛ أما المظلوم فلا يحتاج لصلاح ولا لتصريف إن الله تعالى قال( لأنصرنك ولو بعد حين ) حديث قدسي: وقال: ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) وقال فيما يرويه عن ربه عز وجل( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي؛ وحرمته بينكم فلا تظالموا ) إذن لسنا محتاجين لضر الظالم فالله قد تكفل بتدميره( وتلك القرى دمرناهم لما ظلموا.....الآية.
لكن بعض المتكبرين والمتعجرفين والطغاة قد يطغوا فلا ينفع معهم سوى الصلاح.
وقد مثلوا الولي الذي يضر الخلق بأن له مقام العقرب؛ وهو ليس من الواصلين لأن التأدب مع الحق يقتضي الأدب مع الخلق وآخرون وصفوه بأنه مقام الأفعى فهي لا تلبث أن تقتل من لسعة ولو أن تموت حتى هي لأن خير الورى بعث رحمة؛ ولم يبعث عذابا؛ وقد يغار الله على أوليائه دون صلاح ولا غيره؛ فهذا مولاي العربي الدرقاوي كان قد حلق رأسه حتى بقي أصلعا فجاء أحد المستهزئين فضرب على رأسه وقال: " ما ثمن هذه الدلاحة - أي البطيخ الأحمر - ثم ذهب بعد ساعات جاؤوا يحملون هذا السفيه إلى مولاي العربي الدرقاوي يطلبه ويقبل رجليه ويقول: يا سيدي سامحني فالأوجاع تقطع أمعائي؛ فقال مولاي العربي الدرقاوي " يا ولدي لم يطرأ شيء سوى أن صاحب الدلاحة غار على دلاحته؛ أي صاحب البطيخ غار على بطيخه " هذا ؛ وإن لاستشارة الحكماء والعظماء وأصحاب الرأي السديد دور في نجاح أي اتجاه كان؛ فمولاي العربي الدرقاوي هذا رغم عظم مقامه؛ ورطه فقراؤه ومريدوه في موقف ضد الدولة آنذاك خصوصا مشكل البيعة بين أهل فاس والمناطق الأخرى؛ فسجنه الخليفة مدة ثم أطلق سراحه ولذا امتاز شيخنا سيدي حمزة بالحكمة والعقلانية وعدم خلق أعداء من المجاذيب من القرابة أو الفقراء أو جميع الاتجاهات؛ حتى سلكت السفينة بخير؛ مامات حتى أرساها بشط الصلاح والجمال .
الحلول والاتحاد والفناء والبقاء.
ظهر لك سيدي ولك سيدتي بأن الصلاح محمود إذا دفع به مظلوم ومذموم وبدعة ضلالة إذا استعمل شخص يريد التدمير....
والآن نمر إلى أخطر بدعة اتهم بها الصوفية والمتصوفة معنا وحيرت العقول؛ وأسالت الدم والمداد ألا وهي الاشكالية العظمى في الحلول والاتحاد ، فهل هناك من أهل التصوف منتمين أو محبين قالوا بالحلول والاتحاد ؟
لكي نسير أغوار الموضوع لابد أن نقسم الحلول والاتحاد إلى أقسام:
1- حلول الناسوت في الناسوت .
2- حلول الناسوت في اللاهوت.
3- حلول اللاهوت في الناسوت.
أخيرا حلول اللاهوت في اللاهوت.
والحلول يقتضي ذاتين؛ والذاتان يقتضيان إتحادا وهنا أخطر الداهم.
أما الحلول والاتحاد الأول بين الناسوت والناسوت فهو محمود؛ وقد يكون بين روح الناسوت وروح الجان فيعقد الناسوت وجوده في روح الجان الذي ينطق على لسانه؛ فهذه بدعة ضلالة وشرك وإلحاد؛ ولكن يجب التمييز بين الناسوت والناسوت كفناء لواحد في الآخرة وهو عند أهل الحب الالهي ذوبان ثلج الوافد في ماء الآخر حتى يحس كل واحد منهم بأنه الآخر ولهذا كان أبو الحسن الشاذلي يقول لتلميذه أبي العباس المريني " يا أبا العباس إنما صاحبتك لتكون أنا أنت وأنت أنا " ويستدلون في صلواتهم المحبوبية يقول قيس بن الملوح عندما سأله: " من أنت ؟ " فقال قيس "أنا ليلى " .
إذن الفرق بين الحلول والاتحاد والفناء هو الشعور بذوبان الأرواح في بعضها حتى تصبح روحا واحدة قال عليه الصلاة والسلام( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) إذن فالاختلاف روحي كما أن الإئتلاف روحي؛ إذ التعارف بواسطة روحانية عليا فانية في أعلى روح وأعظم روحانية هي روحانية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ إذ كما أقول دائما اتصل كل الأرواح إلى بحورات الانوار والتجليات بواسطة المجاهدة والرياضات الروحية وتدل الروح إلا الوصول إلى الله فلا دخول على الله إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال البوصيري:
وقدمتك جميع الانبياء بهم.
والرسل تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم.
في موكب كنت فيه صاحب العلم
والشاهد عندنا " وانت تخترق السبع الطباق بهم " فهو الباب والمفتاح والدال والقائل للانبياء؛ فمن باب أولى أن يكون قائد الأولياء وأهل المجاهدة من أي توجه نوراني كان من أي دين كان؛ نقطة النهاية لأهل الروح؛ ونقطة البداية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأهل التكتم المحمدي لا لأهل البوح؛ إذن فتعارف الأرواح يؤلف بينها حتى تصير روحا واحدة؛ ولذا تكلم بالاشارة في هذا المقام قوم كثيرون نظرا لأن محبة العبد للعبد في الله تورث ظلا لا ظل له؛ وتعطي اجتماعا على الله يجمع ولا يشتت وحينما يفترقان تبقى الأرواح مجتمعة عليه وإن تفرقت؛ وإن كانت الأرواح متفرقة أصلا فلا فناء في بعضها؛ ولذا أصبح من الضروري خلف هذه الأجواء الروحانية للدلالة والاستدلال واللذة والتلذذ بالحب في الله حتى يتم التآلف عوض الاختلاف.
أما الحديث عن الحلول والاتحاد في هذا المقام فالحكم أنه بدعة ضلالة إذا شعرا بالاثنية؛ وهدى وسعادة؛ إذا ضمت الأرواح لبعضها وتحابت الأشباح وهنا إشارة إلى العشق الذي يحصل بين الزوجين الذكر والأنثى وقال: ( هنا لباس لكم وأنتم لباس لهن ) واللباس ملتصق بالذات؛ وبهذا الزواج المقدس تتم اللذة في القلب قبل أن تصل إلى الفرج؛ فهنيئا لمن ذاق العسيلة كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنيئا لمن ذاقت العسيلة التي تطهر ولا تنجس إلا غسلا إشارة إلى محو ما علق من السوى.
2- اتحاد الناسوت بالاهوت نعوذ بالله من الشرك! هذا النوع الذي جلب المصائب والويلات على علم التصوف كعلم ذوقي وجداني توحيدي وأحدي وهو منسوب إليهم ؛ لأن الخلط الحاصل كما أشرنا بين الحلول والاتحاد من جهة والفناء والبقاء من جهة أخرى هو الذي سبب بذلك؛ وهذا النوع وإن قلنا إنه بدعة ضلالة فالحقيقة أنه شرك بالله؛ وأفتح هذا القوس لأشير إلى موقفين اثنين لشيخنا سيدي حمزة:
الأول: هو حينما ذكرت له أن بعض الجهات من المنتمين إلى السير بلا سير شتت مجمعا للذكر فيه أطر عليا جدا حينما قال هذا الجاهل " إن التوجه هو أن تضع صورة شيخك أمامك ثم تتوجه إليه " فقام الجمع وقعد وهو الجاهل المصر على على موقفه ناسيا كيف كان يتوجه أهل التصوف قبل أن تخترع آلة التصوير ؟فلما أبلغت حبي في الله بالأمر ما رأيت يوما أشد غضبا منهم قال لي( هؤلاء هم الذين أسأوا إلى السير والسلوك؛ من توجه إلى شبحي أو صورتي فقد أشرك.
ونفس المعنى وقع معي في بداياتي الأولى في سيري إلى الله وهي إن كنت أتكلم في مذاكرة بحضور حبي في الله تناولت موضوع علاقة الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقلت جل الصحابة تعلقوا بذات الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها نورانية وبروحانيته العليا ليستمدوا التوحيد والمحبة الخ.......
فأهبط رحمه الله رأسه حتى كاد أن يمس الأرض ولم يرد أن يحرجني أمام الجمعحتى انتهى مجمع الذكر ودخلت معه أنا وثلة كبيرة من الفقراء؛ وكان عادة ما يشعر بالفرح وبالسكر الروحي بعد انتهاء ليلة الذكر والسماع؛ فبدأ يتكلم ويتكلم كما هي عادته وكلامه كان كله إشارة كما قال القوم: " كلامنا كله إشارة فإذا صار عبارة خفي " والإشارة ذكرت في القرآن الكريم غير ما مرة منها قوله 3 على لسان سيدنا زكريا عليه السلام( فأشار إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) وقوله تعالى حاكيا عن السيدة مريم البتول مع ابنها روح الله المسيح عليه السلام( فأشارت إليه قالوا كيف نكلم في المهد من كان صبيا قال: إنني عبد الله آتاني الكتاب.....الآية.
قلت أكمل قصتي مع الأب الحنون بابا - بترقيق الباء - وهي تطلق على الأب أو الجد إذا كان محترمين ظاهرين لهم كلمة في القبيلة وحتى في السير إلى الله؛ ولذا وجدنا قصيدة با با با للعارف المحقق العمري القطب سيدنا محمد الشرقي رحمه الله 6مما جاء فيها:
مابغيب طاطي - اوتطأطؤ الرأس- ولا اعياطي
غير نظرة في العاطي "با با با.
هذا هو التصوف الحق أما ما دونه فإما خطأ في التعبير لدقة الاشارة التي تسير إلى الرمز فتصبح صعبة التفسير كما سنرى مع أحوال الصادقين وإما كلام لا يعني شيئا يسخره الرب أو يلقي به في
زنازين الشرك .
لما بدأ شيخي في الكلام أدار وجهه نحو الجهة التي هي عكس جهتي التي أجلس بها وقال: " التوجه إلى الله هو أمر لابد منه لقبول صلاة الأرواح؛ ومن توجه إلى بشريتي فقد أشرك؛ ثم ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: " حتى الصحابة لم يتوجهوا إلى بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم بل قصدوا الروحانية النورانية له قلوبهم وأكملوا السير وأشار إلى حديث حنظلة السابق الذكر. ثم دخل إلى غرفته ففهمت الإشارة بأنه يقصدني في التوجه برغم أن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم نورانية فلا يجوز التوجه إليها؛ وأن الأمر هو روحي دقيق؛ ولقد في حديث حنظلة في هذه السلسلة دون إطناب ؛وأما الذي أراد أن يتوسع فليرجع إلى كتابي " الدعوة إلى الله في رحاب التصوف " ففيه كلام كثير عن هذا الحديث وما قاله أرباب القلوب عن ذلك.
إذن فليحذر السالك صحبة الفقير الجاهل فقد قال أهل التربية والتزكية؛ الشيخ يجمعك مع الله بنظرة؛ والفقير الجاهل يشتت بينك وبين الله بنظرة؛ وما أكثر ما عرفت فقراء جهالا بمقاصد السير وضوابط التوجه يضربون أخماسا بأسداس؛ ويشيعون كلام الشيطان يتبرأ منه لخروجه عن الملة؛ ولكن من بجانب العين وشرب منها ليس كمن سمع عنها ولم يصله إلا بعض السير المختلط بالتراب!!!!
فحقيقة هذا الاتحاد والحلول في جمع ذاتين إما ذات دنيا أي ذات المخلوقات في ذات عليا هي ذات الله عز وجل التي سميناها حلول اللاهوت في الناسوت؛ وهي عنده هذه الفرق شيء مقدس هي حقيقة لاهوتية لا علاقة لها بالدين؛ ولم ينطق بها بعض المتصوفة وهم قليلون جدا وإنما تكلم عنها الرافضة والمعطلة والمحسمة ثم الباطنية المتعلقة؛ وكلما فرق خارجة عن السكة الحقيقية للدين ولمن شاء أن يتوسع أكثر فليرجع إلى الكتاب القيم " الملل والنحل " فهي تفاصيل كبرى عن ذلك .
وقد بلغ بعض شعراء البلاط قديما أن مدح خليفته فقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
نعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا فالحلول والاتحاد نؤكد مرة أخرى إنهم يهمان ذاتين: ناسوتية ولاهوتية؛ حتى لا يختلط الأمر كما أشرنا آنفا.
الحلاج ابن عربي البسطامي - الرومي.
هنا بالدارجة المغربية " الحصلة" هل هم مسلمون ؟ هل هم أولياء الله ؟ أم هم زنادقة ومشركون ؟
أبدأ القول بالاشارة إلى العلامة علال الفاسي بن الزاوية الفاسية في كتاب ناذر سماه - تاريخ التصوف الإسلامي بالمغرب - تحدث عن أشكال التصوف بالمغرب؛ وإشارة إلى أنها مدارس خلقية تميل إلى الأخلاق أكثر من ميلها إلى الحقائق.
وقد سبقت الإشارة إلى بعض السلفيين القدماء من أهل الحديث الذين أنكروا بعض الحقائق الدينية الروحية؛ واليوم نجد فرقا أكثر تسلفا من السلفية تبدع الكل بل وتضع الصوفية في كفة واحدة لا نذكر اسمها فهي تعرف نفسها؛ وقد شاء الله لمحي الدين بن عربي أن يعود من جديد وأن يسلم على فكره وعقيدته الملايين من أهل الغرب ومن مجتمعات الحداثة؛ وحتى من كبار المثقفين العرب والمسلمين؛ وهنا من نقف بجانبه هل من يسمه الشيخ الأكبر أن من يسميه الشيخ الأكفر ونفسد الكلام؛ يقال عن جلال الدين الرومي وعن تجلياته ودخول أقوام كبيرة إلى الدين بسبب فكرة ؟
هنا ترجع بي الذكرى إلى 1980 حيث زارنا في الجامعة بالرباط وفد كبير من المفكرين الأندلسيين ؛ وحاضروا وتكلموا؛ وكنا إذ ذاك مع الثورة الايرانية؛ فأعجبنا بهم وباسلامهم خصوصا وأن الرومية المليحة حينما تضع الخمار على رأسها يخالطه نور الايمان فشبان لك كدرة ومرجانه؛ فالله أعلم هل أعجبنا إذ ذاك اسلامهن أم ملاحتهن ؟ هذا من باب البسط فقط دون نسيان ضعف الانسان أمام حسن الصورة؛ ولولا قصيدة: قل للمليحة في الخمار الأسود.
ماذا فعلت يناسبك متعبد
لما باع صاحب الثوب ولو مترا من ثوبه الأسود؟
ليس هذا هو قصدنا ولكن المصيبة ستأتي بعد أن يغادرون الفوج الإسباني متوجها إلى علماء ومومني الدار البيضاء ولما تبين اية كلية أو جامعة بها آنذاك.
وقد وصلوا عند ذلك٣الضرير الوهابي بالتطرف خطب عليهم وقال لهم: وكانوا قد أخذوا الورد من الطريقة الدرقاوية لأن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من عدم الالتزام بالاسلام عن طريق مشركة هو خير لكم لأن الكفر أخف من الشرك كان هذا الكلام كافيا لتذهب كل حافلة لوحدها حاملة أناسا من نفس البلد ولكن ليس بنفس الحب الذي جاؤوا من أجله ولنناقش السلفية المعروفة منذ ابن تيمية حتى نكون منصفين مع بعضنا؛ إذ أنه اتهم بالتجسيم؛ وأطلب من أخي وأختي في الله أن لا يسرعوا في الغضب لأن كل بني آدم خطاء؛ وقبل أن تحاكمني ارجع إلى كتاب " الفتاوي الشوكانية في الرد على ابن تيمية - وبعد ذلك اقرأ ما جاءت بها عقائد التسلف المعرض أو السلفية الصادقة وناقشني.
فأول نجزم بأن ابن تيمية رجل صادق ذائق من حلاوة الايمان وهو على درجة أعلى من العلم؛ وقال قولته الصوفية؛ السلفية وإن شئت فقل الاسلام الحق؛ وقولته هي: " إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة؛ وفي هذا إشارة إلى أن الرجل على قدر كبير من الذوق لأن ما تشترك فيها الجنتان هو أن كل واحدة هي جنة المعارف؛ أي جنة المعارف العليا لرب النجم إذا هوى؛ وعلى رأسها رفع الحجاب بينك وبين رب الأحباب أي مقام الإحسان( أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وهو تخصص الصوفية في مقامات الدين الثلاثة: الاسلام - الايمان - والاحسان؛ ونفتح قوسا بعجالة وهو الخلاف الحاصل بين أمنا عائشة رضي الله عنها وبين خير هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حول رؤية الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فعائشة: قالت: " من قال بأن محمدا قد رأى ربه فقد كفر؛ واستدل التابعون لها من الأصحاب والتابعين بقوله تعالى( لا تدركه الأبصار؛ وهو يدرك الأبصار ) ورد ابن عباس نظرا لأنه الرقم الأول في تفسير القرآن بأن سيد الوجود قد رأى ربه؛ واستدل بقوله تعالى: ( ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ماأوحى ما كذب الفؤاد ما رأى ) ونحن نعلم أن الرسول عليه السلام قد عرج إلى ما فوق سدرة المنتهى بدنه وروحه وهي عقيدة أهل السنة والجماعة؛ إذن لمن دنا صلى الله عليه وسلم؛ وكيف كان قاب القوس وهي ملتصقة بالقوس وزاد كتاب الله( أو أدنى ) أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من ربه جسدا وروحا مثل القاب مع قوسها بل أقرب من ذلك؛ إذن فهذا ليس تخيلا أو حلما؛ إنها الحقيقة التي لا يخفيها شيء ؟ أما تأويل آية: ( لا تدركه الأبصار ) فقال بعض المفسرين؛" لا تدركه الأبصار ولكن تدركه البصائر! وفي قوله تعالى في شأنه( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) أن هناك فرق شاسع بين ينظرون - بأعينهم - ويبصرون - بقلوبهم وبصيرتهم هذا في الذات المحمدية الكاملة؛ فيها ما تبصر ولذا قال صلى الله عليه وسلم( طوبى لمن رآني؛ وطوبى لمن رأى من رآني وطوبى لمن رأى من رأى من رآني ) ورآني هنا بالبصيرة لا بالبصر؛ ومذى تبصر أو ترى ببصيرتك في ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وماذا ترى في الوارث المحمدي لأسرار لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم ماذا نقول في الآية الكريمة( فإنها لا تعمى الأبصار؛ وإنما تعمى القلوب التي في الصدور ) فما أعظمه من رفع لهمة ولجزم الضرير الذي لا يرى بعينيه؛ ولكن قلبه ضد رفع الحجاب عنه؛ وتعلمون أنها نزلت في عبد الله بن مكتوم لما نزل قوله تعالى: ( ونحشره يوم القيامة أعمى؛ قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا؛ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) وكان سيدنا عبد الله بن مكتوم ضريرا لا يرى ينظر فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أعمى في الدنيا ويزداد عميا في الآخرة؛ فنزل قوله تعالى: ( فإنها لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور ) إذن ماذا ترى أو من ترى القلوب المبصرة وبأي نور كشرط واجب في النظر وشرط واجب في البصيرةإلا في الفرق بينهما فالأول: حادث يحتاج إلى حاسة العين والثاني: قديم يحتاج إلى الساكن في القلب؛ ولذا جاء الحديث القدسي الذي قبل به علماء الصوفية من علوم الحديث وقبلوا سنده وهو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل( ما وسعتني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ) الله الله حينما يصبح القلب بلا جهة ووفر في القلب ما ينشط الأعضاء للعمل.
وإذا حلت الهداية قلبا. نشطت بالعبادة الأعضاء
وها أنتم ترون أحاديث الإيمان( ذاق طعم الإيمان من رضا بالله ربه.....الأحاديث( ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الايمان......الحديث( يا فلان جئت تسأل عن الإيمان استفت قلبك.......الحديث ) ( فإنها من تقوى القلوب ) ( قد أنزله روح القدس على قلبك......الآية( كذلك نثبت به فؤادك.......الآية؛ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) من ترى يا ترى ؟
(ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ) بأن المعرفة المخصصة أي المؤمن الخاص؛ وأما عبدي فقد وقفنا مع طويلا من الولي إلى النبي في مباحث من هذه السلسلة.
وعبد الله بن مكتوم هو الذي قدره ربه أكبر تقدير وعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم لعدم اكتراثه به قال تعالى( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يغنيك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) ؛ وهذا من الإعجاز القرآني؛ إذ أن إنسانا كان يؤلف كتابا من نفسه لا يرضى لنفسه أن يعاتبها بهذا العتاب ويسقط من أعين الناس؛ وهنا عتاب واسع كبير لأكرم الخلق خلقا وخلقا حتى يتم التأديب الكامل لأكمل كامل عليه الصلاة والسلام إذ قال( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ولمن شاء أن يتوسع أكثر في الرؤيا والمشاهدة وأقوال العلماء خصوصا الملائكية منهم؛ فلا يغب عنه كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فمن لم يقرأه فاته ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفية الأدب معه وحبه ومعجزاته إلى غير ذلك؛ وهو يغنيك عن السيرة؛ وفيه بركة حيث جرت عادة المغاربة أن يقرؤوه بعد قراءة السلكات من القرآن ودلائل الخيرات والجامع الصحيح للبخاري أن يختموا بقراءة سلكات من الشفا وانتم تعلمون أنه الولي صالح هو القاضي عياض اليحصبي السبتي.
إذن نرجع إلى جنة المعارف التي لم ينطق بها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وإنما اكتفى بالإشارة لأنها هي باب الدخول على الله تعالى؛ ومنها إلى أفضل ما عند الخواص في جنة الزخارف والمعارف هنا وهي رؤية الله عز وجل. قال أهل بعض المحبين من هذا الفن " لولا رؤية الله في الجنة لما تمنيت الجنة " وكل حسب قصده ( تلك الدار الآخرة تجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) .صدق الله العظيم؛ فالقولة إذن تدل على أن طيب القادرية التي تعلق بها ابن تيمية تعلقا كبيرا حتى قال عن شيخنا سيدي عبد القادر الجيلاني " بلغتنا كرماته بالتواتر " قد فاض عليه؛ والغريب في الأمرأن بعض السلفيين وبعض العلماء تعامل تعاملا مزدوجا مع أقوال أهل التصوف؛ فقصائد عبد القادر الجيلاني ممتلئة بالحقائق التي كان يسميها ابن تيمية "الشطحات "ولنا رجوع إليها فمثلا قصيدة:
طف بحالي سبعا وسر بذمام. وتهيأ لزورتي كل عام
إلى أن يقول:
أنا في مجلسي أرى العرش صقا
وسائر الأملاك به قيام
إلى أن يقول:
قالت الأولياء حزما بحزم
أنت قطب على جميع الأنام
قلت:
كفوا ثم اسمعوا نص كلامي
إنما القطب خادمي وغلامي
كل قطب يطوف بالبيت سبعا
وأنا البيت طائف بخيامي
إلى أن يطمئن مريده بحرا وحفظه والإشارة إلى أن هناك وسائل ستكون في الهواء؛ - وذلك قبل اختراعها بمئات السنين -
ومريدي إذ دعاني
يشرق أو بغرب أو في بحر طام
فأغثه ولو كان فوق هواء.
أنا سيف القضا لكل خصام
والشاهد عندنا أن ولو كان فوق هواء؛ ولم يكن الطيران موجوعدا في القرن الرابع والخامس الهجريين ولكن:
قلوب العارفين لها عيون.
ترى ما لم يرى للناظرين
ومن قصائد أخرى فيها من الحقائق والذوقيات والأذواق ما لم يجتزه ابن العربي الحاتمي العالم الفذ بالشريعة؛ ولا البسطامي العالم الفذ كذلك ولا غيرهما من المغاربة الذين عبروا بقصائد كلها حقائق وتجليات ومنهم العالم الدرقاوي صاحب الطريقة الحراقية سيدي أحمد الحراق:
وقد قال:
ثم من بعد ذلك أيقيظتموني
فاستيقظت بفضلكم من منامي
فإذا بالغناء قد صار وهما.
قد عراني كسائر الأوهام
إذا أراني بأنني كنت وهما
فتحولت بعده لمقامي
والإمام أبو حامد الغزالي أكمل قصيدته بالقول:
فاقت إن شئت فناء سرمدا .
فالفنا يفضي إلى ذلك الفنا
وعن الكوننين كن منفصلا.
وأزل ما بيننا من بيننا
فالمسألة إذن هي أرق من الشعرة وأمضي من السيف؛ فالاتحاد في حقه الله تعالى ممنوع؛ وما أجمع عليه كل الصوفية؛ وهو خاص بالفرق الموغلة في الباطنية؛ وظهرت هذه الظاهرة منذ زمن الخليفة علي بن أبي طالب حيث أدعت جماعة على أن الله جل جلاله حل في علي؛ وان عليا هو جزء من الله؛ فقتلهم كلهم.
ولذا فالأقوال التي أتت على لسان العارفين المتمسكين بشرع الله عز وجل القاصدين للأخلاق المحمدية اللابسين حلل التقوى وحرير الاستقامة قد أولوه؛ ومنهم من تحدث عن اللغة والحرف وعدم قدرتهما على تحمل المعنى.
ومن ذلك قوله تعالى: ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قال المحققون أن الرامي الذي رمى الرمح في الأسباب هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأن الرامي الحق بيد الخلق هو رب الأرباب.
ومن ذلك أيضا قضية سجود الملائكة لآدم عليه السلام؛ وهي سبب رجوع ابليس إلى أصله الجني بعدما كفر ورفع رأسه أمام رب العالمين( أنا خير منه ) يا للمصيبة عبد جني أنكر تشريف الله إياه بضمه مع الملائكة بعدما أهلك قومه كلهم؛ يقول لرب العالمين أنا خير منه؛ وهم كلمات ثلاثة محرمة في التصوف فأنا تحجب لأن هنا انا واحد للرب الواحد( لاإلاه إلا الله )
(إنني أنا الله لا إله إلا الله فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) حتى أن علماء القراءات القرآنية وعلوم التجويد لا يمدون في ألف أن حركتين لمد طبيعي واجب؛ بل يقرؤون أناب "أن "تعظيما " لهذا الضمير الذي يدل على خصوصية على تجلي " الأنا" الالهي في وجود الوجود في القدم قيل: ( كان عرشه على الماء ) وبعد( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فيهم يعرفونني وبهم أعرف ) أو كما جاء في الحديث القدسي؛ ثم القبضة النورانية من ذات القدم وجياتها دون زرع للحياة لأن الله حي لا يموت وهي على إجماع أهل التصوف الزرعة المحمدية للأكوان حيث خلق منها الإنس والجن؛ والماء؛ والصحراء؛ وكل من عليها أو تحتها أو فوقها فان ويبقى وجه ربك النور القديم الذي كان قبل أن يقول للقبضة النورانية كوني محمدا كما جاء في الأثر؛ وكما حققه أصحاب التجليات ولذا يقول المحققون بأن الفتح الأكبر الذي يطرؤ للصوفي هو رفع الحجاب عن الحجاب الأعظم القائم لله بين يديه خير الورى صلى الله عليه وسلم؛ لكن يجب أن نميز بين الرؤيا والفتح؛ فالرؤيا - والله أعلم - يظهر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صور شتى جمعها قوله صلى الله عليه وسلم: ( من رآني في المنام؛ فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتصور بصورتي )وحقا فالشيطان من نار وسيد الورى من نور النور. قال تعالى( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا؛ فهو لم يجعله نورا فقط كما قال في آية أخرى( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) قالوا: " النور هو سيدنا محمد صلى إلا أنه في الآية قبلها جعله سراجا مضيئا أي تقوى نوره حتى أصبح ينير؛ والمحققون قالوا " لو كشف عن نور العارف لأضاء مابين السماء والأرض " فكيف بنورك أيها السراج المنير ومن قطب الأنوار ومدد الأسرار وخلق آدام من تراب في ظاهره؛ ومن روح الله النورانية من نور السموات والارض وبينهما وما فيهما حيا آدم فأمر الله بالسجود له؛ فسجدت خلائق النور إلى تجلي النور الأصلي؛ وثم كل شيء؛ وأهل المعرفة والتوحيد حلوا معضلة كبرى هي لمن سجد الملائكة ؟ هل لأدم الترابي ؟ هل لأدم صاحب اليقضة الالهية هل لأمر الله في آدم ؟ واختلفوا أو لم يقنعوا ولكن مرة سمعت أصل المحققين في هذا الزمان رحمه الله حبي ودالي على الله يقول " هذه مسألة سهلة في التوحيد؛ فالملائكة سجدوا لله تعالى في آدم عليه السلام:
الله الله هذا العارف الفذ كل عقدة عقائدية عذبت المفسرين والعلماء؛ وهي واضحة ولم تتضح لهم لأن فوق كل ذي عليم عليم! فانظر الآية الكريمة( سويته - مقابل - نفخت فيه من روحي - الامر المباشر - قعدوا له ساجدين؛ أي أن السجود وجب عند النفخ؛ والنفخة لا تنفصل عن النافخ وإلا سقطنا في التجسيم والعياذ بالله!
ومثل ذلك في السير مثل المتوجه في البيت الحرام للبيت الحرام؛ هل هو ساجد للبيت أم لرب البيت؛ وقد قال أحد العارفين( حجبت المرة الأولى فرأيت البيت وحجبت المرة الثانية فرأيت رب البيت وحجبت المرة الثالثة فلم أرى لا البيت ولا رب البيت " وصدق من قال على الحجج في قصيدتهم طويلة:
لبسوا ثيابا بيضا منشور الرضا.
وأنا من أجلهم لبست سوادي
نحروا ضحاياهم وسالت دماؤها.
وأنا من أجلهم نحرت فؤادي
إذن فمسألة السجود لآدم عليه السلام ؛ هي مسالة توحيدية مطلقة خلافا لما حار فيه العلماء فالنور سجد للنور؛ ولو استطاع الدارسون والمحللون بتعاون مع أهل الذوق والشوق أن يستخرجون نظرية النور والتنوير في الاسلام " لحلوا مشاكل جلى للباحثين والباحثات عن نظريات الأرواح والأنوار في الاتجاهات والاشراقات البوذية الكنفستية وغيرها؛ حتى يعلم بأن ديننا مبني على النور كذوق ونور كاحساس ونور كأخلاق ونور كأذواق ونور كعقيدة؛ وليس هناك من نظرية للأنوار في جميع الاتجاهات السابقة مبنية على طبقات الأنوار وتلوناتها ومقاماتها ومشاهدتها كلها في كتاب ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وهو قوله تعالى: ( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون ) هذه الآية الكريمة لو تخصص لها فريق في فن النور وفهم الطبقات النورانية التي يسلكها صاحب السير النوراني ومسالكها السبعة من( نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ) ×7 حتى يصل إلى 1 ( الله نور السموات والارض ) فإذا قطعت الأنوار السبعة في الأرض وصلت الواحد الذي ظهر بنوره فيها وفي كل المجرات والكواكب؛ فهذا النور الأول ثم تبتدئ الرحلة من الارض وسماواتها عبر النور القديم حينما تنتهي الاشراقات وتبقى المشارق والمغارب 4طبقات نورانية عبر أربع سماوات وينتهي من مغارب أنوار السير اليمني؛ وثلاثة طبقات لا يمين ولا يسار الأولى " آدمية " والثانية عيسوية والثالثة محمدية؛ فثم أصل النور وهو المقصود به والله أعلم بمرادة النور الأعلى في الآية الكريمة؛ حيث تبتدئ الآية الأخرى( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) إذن النور التحتي معبر عن النور السباعي الوتر؛ والنور الفوقي معبر عن تجليات النور الأعلى في سبع سماوات هي نور الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذا قالوا: هو هو أي هو الله دائما في نوره غير أن في هذه الطبقة المخاطر و المهالك؛ وخطورة المسالك أذ نسبنا به الأنوار لأنها دائمة قديمة وتدلياتها خطيرة؛ ولا يسلك منها إلا من أستاذه على إجازة كبيرة في السلوك في دجى الأنوار؛ وحينما يظهر المربع النوراني الأخضر فاقصد فذلك دليلك أو بعد الفتح يكون البيان؛ حين يغيب البعض من النور إلى الكل من الأنوار ولا بقاء إلا الواحد القهار.
وصرت موسى زماني.
من صار بعضي كلي
فالموت فيه حياتي.
وفي حياتي قتلي
وبتوفيق الله يكون وصولك كنور إلى نور كل الكل( وإن إلى ربك المنتهى ) .
هذا وإن السير النوراني في دين الإسلام منوط بأعمال نورانية محضة؛ وقد سبق لدينا أن تحدثنا عن الصلاة وعلاقتها بالصلة بالله وحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعباد الله الصالحين من أرواح وأفلاك وأملاك؛ ثم قبلها سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستبراء والوضوء بنور على نور ، هذا كله يدل على أن الرحلة إلى النور سبحانه كلها نورانية؛ وفي دعائه صلى الله عليه وسلم ( اللهم اجعل عن يميني نورا؛ وعن يساري نورا؛ ومن أمامي نورا ؛ ومن خلفي نورا؛ ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا واجعل لي نورا ) فهو الاكسيد للنجاح في حياة النور؛ وقد كنت أسمع الصالحين يدعون المريدين بأن ينورهم الله فهذا. أفضل؛ وقناعة من الله حرمان؛ خصوصا والطاقات النورانية تختلف من شخص لشخص والطبقات النورانية حتى هي منهم من تطوى عليهم المسافة ومنهم من تطول؛ وإذا بدى الحسن فاسجد له فسجود
الشكر فرض يا أخي.
أما المسألة الثانية التي قوت جانب العارفين في أن رب العالمين هو أقرب إليهم منهم هو سجود الشمس والقمر والكواكب إلى يوسف في الرؤيا( قال: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) وفي البداية تظهر لنا نظرية الأنوار للسير نحو الواحد القهار.
فالشمس والقمر والكواكب كلها تستضئ بالنور الحادث للأكوان؛ والنور القديم للمكون؛ وسيدنا يوسف قد أعطاه الله نصف الجمال؛ والجمال جزء من النور؛ فالنور المكون المتجلي في العوالم العليا سجد للنور الذي كون الذات اليوسفية؛ ومنها ظهر تعلق النبي سيدنا يعقوب عليه السلام؛ فهو نبي معصوم لا يمكن لقلبه أن يتعلق بصورة كائن ، وإنما تعلق بنور المكون المنور ليوسف عليه السلام؛ ومن هنا جاء هذا التعلق الذي أدى إلى التحقق الباطني بأن يوسف عليه السلام بشر ليس كالبشر؛ ومن جاء حسد الاخوة له؛ فهم رأوا نفس الرؤية التي سيطرت على النبي يعقوب عليه السلام حتى وصل بهم الأمر إلى فتوى قبل يوسف الغلام ؟ ونظن حبا لصورة جميلة بدفع بأولاد الأنبياء أن يقتلوا أخاهم غيرة من أبيهم؛ وهم يريدون بهذا القيل أن ( وتكونوا من بعده قوما صالحين ) وانظر إلى الغيرة في الحب الإلهي؛ فهي تعمي نظر وبعد وتفكير المحب الغيور من الذي أكبر منه قربا أو مقاما حتى يندفع للقتل رغم حسن نية هؤلاء من إخوة يوسف عليه السلام يريدون القتل مقابل /الصلاح.
ولهذا تكلم القوم عن العذال وأهل اللوم وأهل الحسد في باب الله؛ وسمعت من كبار الصالحين أن بعض المريدين قتلوا واحدا منهم غيرة لما ظهرت عليه ثمار الحب وسلوك الأنوار.
وهذا الحسد في باب الله تعالى هو الذي سبب أول جريمة إنسانية ، إذ تقبل الله من هابيل قربانه؛ ولم يتقبل من قابيل فقتله.
إذن لازلنا مع الاشكالية اللغوية والقصدية التي لا تستطيع اللغة التعبير إلا وأخطأت.
وهذه الذات النورانية عذبت سيدنا يوسف عليه السلام في حياته؛ فأنزل في قاع الحب وحفظه النور من الهلاك؛ وبيع في سوق النخاسة؛ وعوض الله له بأن أدخله قصر العزيز ودعته لنفسها افتنانا به؛ وعصمه النور سبحانه من الرذيلة؛ وجرح النساء أيديهن انبهارا لهذا البشر الملائكي النوراني؛ وقبل أن يرونه قلن( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه إنا لنراها في ضلال مبين ) وقد أورد القاضي عياض في كتابه الشفا؛ أن المفسرين فسروا الضلال هنا بالحب الكبير أي نراها في عشق كبير ليوسف عليه السلام. كذلك فسروا قول إخوته عن محبة الوالد له( إن أبانا لفي ضلال مبين ) أي حب عميق وقوله تعالى( إنك لفي ضلال مبين ) أي حب عميق؛ وقوله تعالى: ( إنك لفي ضلالك القديم ) أي لفي عشق قديم؛ وإلى هنا أشار الولي الصالح القاضي عياض أن أهل الإشارة والفهم عن الله فسروا قوله تعالى في سورة الضحى( ووجدك ضالا فهدى ) قالوا وجدك تائها في حبك له فهنيئا له.
ومن القراءات الشاذة التي لا تعتمد في التعبير والتلاوة وإنما يستعان بها في التفسير: ( ووجدك ضالا فهدى ) وهذا المعنى يبين قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا محمد ومقامات النور عنده؛ ووجدك ضالا فهدى ما أجملها في تفسير الضلال عند سيد الورى؛ وهنا نجد أهل الحرف يتكلمون عن ضلال المصطفى وكيف هواه الله ناسين او متناسين ان النبي معصوم قبل النبوى وبعدها والضلال هو أكبر ذنب وحال شيطاني يصيب المرء ؟ فهل هو ضلال حب أم ضلال نسنعيذ به كل يوم وساعة ( ولا الضالين) ثم اختار عليه السلام السجن على أن يبقى معرضا لما أصبح يسمى عندنا بالتحرش الجنسي؛ لأن النور والظلمة لا يلتقيان في ذات واحدة.
فكما أن هناك طبقات الأنوار ممن هو في الأرض إله وفي السماء إله؛ فقد خلق بالمقابل طبقات ظلمانية بعضها أقوى من بعض؛ قال تعالى: ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها؛ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) .
إذن سبحان نظرية( التوازي في الخلق والحقوق ) خلقها العدل سبحانه هكذا؛ فنور على نور يقابلها ظلمات بعضها فوق بعض حتى إذا وصلت إلى النور في الوصول - كان معك النور في الظلمات حتى يجف عن الحياة إذ من لم يجعل الله له نورا فما له من نور ؟ ولذا ترى الانسان إذا وصل إلى -1 في النور أي الظلمات المكثفة لا يستطيع الجلوس مع من نور الله بل إنها يجد ثقلا وكسلا في جلوسه ، اللهم إذا جلس الهادي الذي يهدي طريق النور للوصول إلى النور الذي لا حد له في القدم والقيام والقرب؛ فإنه قد تتفتت بعض ظلماته فيحس ولكن يصعب عليه العمل.
وللحفاظ على هذا النور اختار سيدنا يوسف السجن ومن قراءات الجماعات الدينية الحديثة انها لم نر لا الجمال ولا النور كقيم انسانية وإنما رأت فقط السجن ليوسف فسموه المدرسة اليوسفية .
العلامة الجليل سيدي احمد ارحيحات رحمه الله وأعلى مقامه
أوكي..