المجلس الوطني لحقوق الإنسان يصدر توصية إضافية للمذكرة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد ذات الصلة بالذاكرة

الأنوال نيوز
صادقت الجمعية العامة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في دورتها العادية الثالثة المنعقدة يوم الجمعة 4 دجنبر 2020، على توصية إضافية للمذكرة التي قدمها المجلس للجنة الخاصة بالنموذج التنموي ذات الصلة باستحضار الذاكرة في التنمية من خلال التأكيد على أهمية حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة نموذج تنموي جديد.
وقد دعا المجلس من خلال هذه التوصية إلى ضرورة الارتكاز على حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي المنشود، فضلا عن وضع خطة وطنية مندمجة لحفظ الذاكرة ذات أساس قانوني تحدد مجالات التدخل والاشتغال وتضمن إلتقائية وانسجام البرامج التي ستنجزها مختلف المؤسسات العمومية في هذا المجال.
جدير بالتذكير أن مذكرة المجلس، التي تحمل عنوان "فعلية الحقوق والحريات في المغرب...من أجل عقد اجتماعي جديد"، قد قدمت عناصر تصور المجلس لاستراتيجية تنموية تهدف إلى جعل فعلية الحقوق والحريات مدخلا أساسيا لضمان الحق في التنمية، وجعله في قلب الخيارات الاستراتيجية لبلادنا في المرحلة المقبلة وذلك ترجمة لاستراتيجية عمله المرتكزة على فعلية الحقوق والحريات، كما صادقت عليها جمعيته العامة المنعقدة في شتنبر 2019
من أجل تنمية تستحضر إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة
- I. خلفية مواقف المجلس الوطني لحقوق الانسان في موضوع اضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة
حرص المجلس الوطني لحقوق الإنسان عند إعداد مذكرته حول النموذج التنموي الجديد على استحضار مجمل السياقات المؤطرة للكثير من عناصر التوتر والاحتقان التي عرفتها بلادنا،وذلك انسجاما مع منهجيته في التعاطي والتفاعل مع مختلف القضايا او معالجتها.
وقد توقف المجلس في هذا الإطار عندالعديد من الأسباب المباشرة لمجموعة من الاحتجاجات وما افرزته من مطالبتم التعبير عنها منطرف ساكنة جهات المملكة. إذ تبينأن هذه المطالب ذات صلة وطيدة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،وقد تمظهرت عبر أشكال احتجاجية متعددة عرفتها بعض المدن والقرى،بما فيها القنوات المؤسساتية المتاحة على المستويين المحلي والمركزي،والتي أثارت في العمق قضايا واشكالات تنمـــــــوية بامتياز.
ويذكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتأكيدتقريره على اهتمامه بتعزيز وحماية جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،بما في ذلك الحق في التنمية مستحضرا التزام المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، وتشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
ويستحضر المجلس الوطني، في ذات السياق، بعض المرجعيات الدولية الأساسية،ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 دجنبر 2013، الذي ينص في بنده العاشر على حث وتشجيع الدول على وضع سياسة وطنية للمحفوظات تضمن حفظ وحماية جميع المحفوظات المتصلة بحقوق الإنسان،وسن قانون ينص على صون التراث الوثائقي للأمة وحفظه، ويضع إطارا لسجلات الدولة، بما ينسجم مع الجهود التي يبذلها مجلس حقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان،ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وكذا المنظمات الإقليمية،بخصوص المعايير القائمة في مجال الوصول إلى المعلومات وحماية السجلات وحفظها وإدارة المحفوظات .
ويستحضر المجلس الوطني كذلك، انسجاما مع تشبته بالقيم الحقوقية المؤسسة،ما تضمنه الدستور المغربي من تنصيص بارز على ثراء الهوية المغربية في تعددها اللغوي وتنوع مكوناتها،وبتأكيده على الوحدة الوطنية المتعددةالروافد كإحدى الثوابت الجامعة للأمة المغربية.
ويؤكد المجلس الوطني على أهمية ما استخلصه من دروس واستنتاجات، من خلال الزيارات الميدانية التي قام بها لعدد من مراكز حفظ الذاكرة، والتداول مع عدد من الفعاليات المشتغلة على القضايا الثقافية والاجتماعية والبيئية.
- II. في العلاقة بين إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة والنموذج التنموي الجديد
تعددت وتنوعت الدراسات والأبحاث والمواكبات،التي كانت التجارب الميدانية مختبرها الأساسي،في مختلف البلدان والتجارب التي عرفت إشكالية التاريخ والذاكرة وجدلية التذكر واستحضار قضايا الصفح والنسيان ومعضلات التجاوز عما قد يكون طبع بعض فترات الماضي من أخطاء او عوائق أو تعثرات.وتشير هذه الأبحاث والدراسات،إلى أهمية استثمار الذاكرة، بمختلف مكوناتها، وعبر مراحلها المتعددة وتاريخيتها الملموسة، في صيانة المشترك وضمان تلاحمه بما يتيح فهم سياقات التطور والمسار واستشراف الآفاق،وبما يسهم في تأسيس عدالة اجتماعية مجالية، وتبني ناضج لفلسفتها التأسيسية.وهذا ما يجعل كل مكونات الوطن تنخرط بشكل بناء ومنتج، بثقة وحماس، في كل ما يسهم في دفع عجلة التنمية،عبر إشراك جميع الفئات الاجتماعية والجهات في تسريع وتيرتها.
ضمن هذا المعنى وهذا الفهم فإن التنمية هي عملية مركبة لا تقف عند حدود المنظور الاقتصادي الكمي الضيق.
ومن ثمة بات من اللازم إيلاء الاهتمام الكافي، عند رسم النموذج التنموي، لخمسة أبعاد على الاقل:
- المسألة الاقتصادية والتنموية ومعاييرها ومؤشراتها الكمية والكيفية كما هي متعارف عليها في التجارب التنموية الرائدة وكماتطورت بفعل تطور مفاهيم التنمية وأدواتها التي وضعت الانسان في قلب معادلة التنمية؛
- النظرة المتحكمة في المجال الوطني والحاجة إلى تأسيسها على منظور إيجابي يثمن موقع ودور كل المناطق والجهات ويدمجها، كلها، في سيرورة تطوريةمستدامة، انطلاقا مما تختزنه من طاقات ومؤهلات، وما يمكن أن تستفيدهمن إضافات أو إغناءات عبر التضامن مع الجهات الأخرى في ظل سياسة لإعداد التراب الوطنيدامجة ومتوازنة؛
- تثمين التنوع والغنى الثقافي والخصوصيات المحلية ومخزون الذاكرة لمختلف الجهات المكونة للكيان الوطني والمعززة للحمته. بما يوفره ذلك من تولد حوافز سيكولوجية جماعية توطد الشعور والاعتزاز بالانتماء sens of belongingللمجال في أبعاده المحلية والجهوية والوطنية والإنسانية؛
- تملك ناجح وايجابي وشامل لمختلف المراحل المتعاقبة في التاريخ الوطني، ودور مختلف الاجيال والمناطق في صياغته وتشكيل تفاصيلهوملامحه الكبرى، بما يمنع تكاثر ثقوب الذاكرة وانعكاس سلبياتها على مسلسل التماسك والتعاضد والتعاقد الاجتماعي الواسع؛
- اعتبار إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة جزءا أساسيا ومكونا مركزيا في عملية حفظ وتنمية الرأسمال الرمزي واللامادي، وهو بمقاييس كل الأبحاث والدراسات الميدانية الرائدة ضروري في كل نموذج تنموي يتوخى التوطد والاستدامة.
تلكم بعض من المرتكزات التي تستدعي وتستوجب ربط النموذج التنموي بمهام حفظ الذاكرة وصيانة واستثمار مخزونها التاريخي الكبير.
تفيدنا هذه المرتكزات في استجلاء حقيقة أساسية، وهي أن تلاحم الهوية الوطنية يتم خلال التاريخ في سياق تفاعل إيجابي بين مكوناتها.وتشكل المحفوظات، في هذا الإطار،إلى جانب التراث الوثائقي مصادر لمعرفة الحقيقة ضمن فهم متجدد للتاريخ لا يختزل في فهم أحداث الماضي فقط، بل يجعل منه منطلقا لاستشراف المستقبل عبر إستدماج السيرورةالتاريخية في علاقتهابالتغيرات التي تطبع الشروط الحياتية للمجموعات البشرية، وتسمح بفهم وتفهم طموحاتها لإرتياد آفاق رحبة تمكن من إغناء الحياةالديموقراطية وتفعيل نسق الحقوق والكرامة.
إن استيعاب الشروط الحياتية للناس، وتمثل واقعهم المعيش يشكلان مدخلااساسيا لإشراكهم في إنجاح أي مشروع تنموي بعيدا عن أي تشنج او إقصاء.لذلك فإن العودة الواعية للتاريخ، بهدف إطلاق الطاقات الخلاقة لكل مكونات الوطن واستثمارها الإيجابي يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وصونها ويضمن بشكل ناجـع حقوق جميع المواطنين والمواطنات.
تأسيسا على هذه المعطيات والمتطلبات والقيم الحقوقية المرجعية، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يود التأكيد على الأهمية الاستراتيجية للعلاقة الوطيدة بين إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة والنموذج التنموي الذي ستعتمده بلادنا، مؤكدا على القناعة الراسخة بالبعد الحاسم الذي يشكله حفظ الذاكرة ودوره في إكساب هذا النموذج مزيدا من الصلابة والاستدامة، مستأنسا في ذلك -ومستوعبا -للتجارب المقارنة وخلاصات الدراسات والأبحاث الواثقة والموثقة في هذا المجال.
- III. توصيات
تأسيسا على ما سبق فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهو يطلع اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي على قرار أحداث وحدة لحفظ الذاكرة، من أجل الانكباب على النهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده وإعماله في المناهج والمقررات التعليمية تنفيذا لتوصياته التي ختم بها تقريره عن احتجاجات الحسيمة؛
وإذ يعمل على أن تكون هذه الوحدة المستحدثة، إلى جانب رئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إطارا ناظما لاستثمار التاريخ والذاكرة، انطلاقا من استلهام المعطيات المتجددة للأبحاث الميدانية والاضاءات المتعددة للعلوم الإنسانية في هذا المجال.
يوصي بما يلي:
على مستوى المقاربة:
- ضرورة الارتكاز على حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي المنشود، في إطار منهجية عمل حاضنة للطاقات الخلاقة من مختلف الجهات، ومنفتحة على المؤسسات الوطنية المتعددة، في أفق إزاحة الكوابح المعطلةلقاطرة الانخراط في التنمية، بسبب ما راكمه ثقل التاريخ وأثر الذاكرة من إحباطات سابقة.
- ضرورة استحضار النموذج التنموي الجديد لإضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة من أجل المصالحة مع الماضي بعد أن تتم قراءته -او اعادة قراءته -بشكل ايجابي واستشرافي منتج،بما يفسح المجال لجميع المواطنين والمواطنات للانخراط في ورش التنمية المستدامة على قاعدة عدالة مجالية واجتماعية وثقافية تشمل الجميع.
على المستوى الإجرائي:
- وضع خطة وطنية مندمجة لحفظ الذاكرة ذات أساس قانوني تحدد مجالات التدخل والاشتغال وتضمن إلتقائية وانسجام البرامج التي ستنجزها مختلف المؤسسات العمومية في هذا المجال.
.
أوكي..