قرار ترامب: المغرب نحو إعادة التطبيع وانفتاح ملف الصحراء على احتمالات الانفراج أو التأزم الخطير

الأنوال نيوز
اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء يوم 10 ديسمبر الجاري مقابل إعادة الرباط التطبيع مع إسرائيل. ويشكل هذا الحدث منعطفا كبيرا، لكن الأهمية الحقيقية ليست في إعادة التطبيع بل هو ما سيترتب عن الاعتراف الأمريكي، بمعنى هل سيساهم في انفراج ملف نزاع الصحراء نحو الحل أو حدوث مزيد من التعقيد إلى حرب إقليمية.
وكانت الكثير من المؤشرات تشير إلى استعداد الدولة المغربية لإعادة التطبيع وتبحث عن السبل المناسبة لإعلان ذلك، وأن لا يكون الاعتراف مقابل لا شيء كما فعلت عدد من الدول العربية، بل وأن يكون بدون بهرجة إعلامية وسياسية مثلما قامت به الإمارات والبحرين. ورغم تأكيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على اعتبار التطبيع خيانة في تصريحات حماسية له منذ شهور، كانت المؤسسة الملكية ومحيطها تدرس إعادة التطبيع في صمت لاسيما بعدما صرح وزير الخارجية ناصر بوريطة في البرلمان منذ شهور أنه “لا يجب أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين” ثم أضاف “قضية الصحراء هي مقدسة للمغاربة مثل فلسطين”.
والآن ينكشف السر حول تأخر المغرب، من ضمن الدول القليلة جدا في العالم، التي لم تهنئ المرشح الديمقراطي جو بايدن بالفوز في الانتخابات الأمريكية. وكان بهذا ينتظر نتائج المباحثات السرية التي كانت تجري بين واشنطن والرباط حول ملف الصحراء مقابل إعادة التطبيع.
وتولى عدد من المثقفين والسياسيين والإعلاميين التهييئ لهذا الحدث من خلال شعار “تازة قبل غزة”. وتازة هي من المدن المهمشة في المغرب، ويعني الشعار الاهتمام بمصالح المغرب الداخلية قبل الاهتمام بمصالح الآخرين في الخارج. كما أبرزت هذه الفئة بقوة الموقف، وإن كان هامشيا، لبعض الفلسطينيين سواء كأفراد أو حركات من دعمهم لموقف جبهة البوليساريو في نزاع الصحراء. وتلقي هذه الفئة الضوء على تواجد مليون يهودي من أصل مغربي في إسرائيل وضرورة أخذ المغرب بعين الاعتبار هذه الفئة التي ما زالت تعرب عن تعلقها بالمغرب.
ورغم كل هذه المسوغات والتبريرات، فقد أعلنت نسبة من المغاربة سواء رفضها أو تحفظها على التطبيع كما يحدث مع الحركات الإسلامية مثل العدل والإحسان واليسارية مثل النهج الديمقراطي ونسبة من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا ليس بالموقف الغريب عن شعب خرج في أكبر التظاهرات في تاريخ دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه. وهو الشعب الذي ردد في أكثر من مناسبة شعار “فلسطين عربية والصحراء مغربية” بمعنى لا للمقايضة السياسية المرتبطة بالأرض.
ومن جانب آخر ترى فئة أخرى من الرأي العام المغربي أن من حق المغرب نهج البراغماتية في الدفاع عن مصالحه ولاسيما في ملف الصحراء الذي استغرق كثيرا واستنزف موارده ويشكل حجرة في مسيرة التطور الديمقراطي والاقتصادي. وأن الأمر يتعلق بملف وطني مقدس ومساحة أرضية تتجاوز فلسطين مرات كثيرة. وتعتبر أن نسج علاقات محدودة مع إسرائيل ما هي إلا إعادة التطبيع الذي جرى سنة 1994 غذاة اتفاقيات أوسلو ولا يعني أبدا تطويرا حقيقيا للعلاقات الثنائية.
وفي تعليق لها على هذه التطورات، تكتب الخبيرة الإعلامية في العلاقات بين المغرب وإسرائيل، شامة درشول “إن ما تم بين #المغرب و #إسرائيل من اتفاق على إعادة فتح المكتب، وفتح الطيران المباشر، والتعاون الاقتصادي، لا يرتفع بعد إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية الرسمية الكاملة، فلم يعلن بعد عن فتح السفارات، ولا عن تبادل الزيارات الرسمية بين البلدين، ولا رئيس الحكومة العثماني عليه لقاء نتنياهو، ولا زيارة ملك البلاد لإسرائيل، وترك مناقشة هذه النقاط مرهونة بنتائج المفاوضات بين الفلسطينيين، والإسرائيليين”.
وبراغماتيا، يعد فتح مكاتب الاتصال بين المغرب وإسرائيل ثانويا بحكم أن التطبيع حصل في الماضي، سنة 1994 والعلاقات بين المغرب وأساسا اليهود المغاربة عميقة وليست جديدة، كما أن المغرب لا يسعى إلى تطبيع على شاكلة الإمارات التي نهجت البهرجة بل لا تسميه تطبيعا بل سلاما، علاوة على كل هذا، المغرب لا يعد ضمن دول الممانعة التي ترفع شعارات مضادة لإسرائيل مثل سوريا والجزائر، بل سعى دائما إلى التوازن والتحول إلى جسر كما حصل في مفاوضات كامب دافيد وأوسلو. لكن يبقى الأساسي في هذا التطور هو ما سيحصل في ملف نزاع الصحراء. بمعنى، هل سيساهم القرار الأمريكي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء في الانفراج أم في مزيد من التعقيد بما في ذلك حرب قد تمتد إلى المغرب والجزائر بدل المغرب وجبهة البوليساريو؟ الإعلان الأمريكي بتأييد سيادة المغرب على الصحراء يعد ثالث أهم منعطف في نزاع الصحراء بعد انسحاب إسبانيا سنة 1975 ثم هدنة وقف إطلاق النار سنة 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو بعد 16 سنة من حرب مكلفة. ويوجد احتمالان وهما:
الأول، القرار الأمريكي قد يؤدي إلى تشجيع الدول الغربية على الاعتراف بمغربية الصحراء، وجاءت الإشارة الأولى من فرنسا التي تعتبر الحكم الذاتي هو الحل الأنسب لنزاع الصحراء. وقد تتخذ كندا الموقف نفسه علاوة على أستراليا ونيوزيلندا. وهناك نقطة تساؤل: كيف ستتعامل الإدارة الجديدة لجو بايدن مع قرار دونالد ترامب. الغالب عدم التراجع عنه وإن كانت ستفرض شروطا منها دمقرطة حقيقية.
الثاني، القرار الأمريكي سيزيد من تأزم ملف الصحراء، من خلال دعم أكبر لروسيا للموقف الجزائري وجبهة البوليساريو، ومسبقا اعتبرت موسكو القرار الأمريكي منافيا للقانون والشرعية الدولية ونددت به بشدة. وبدأت الجزائر في تبني خطاب سياسي-عسكري مقلق اتجاه المغرب، فمن جهة، تعتبر منطقة الصحراء امتدادا لأمنها القومي، وبالتالي هذا لا يمنعها من دعم قوي لما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”. ومن جهة أخرى، تندد بوجود مناورات لجعل إسرائيل والغرب يتقربان من حدودها، وهنا يأتي تنديدها ببناء المغرب قاعدة عسكرية في الحدود المتاخمة للجزائر.
ووسط الموقف الأمريكي والروسي، تبقى الأمم المتحدة التي تؤيد قرارات مجلس الأمن وترفض حتى الآن القرار الأمريكي، وستجد نفسها في موقف حرج بين قطب تقوده روسيا التي ستنتقل إلى التطرف في قضية الصحراء، والولايات المتحدة التي ستحاول الدفاع عن الحكم الذاتي وإن كان بحماس محدود.
أوكي..