مجلس حقوق الإنسان في المغرب يناشد سلطات بلاده التصويت في الأمم المتحدة لإلغاء عقوبة الإعدام

الانوال نيوز بقلم : الطاهر الطويل
جدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان مناشدته السلطات المغربية، من أجل التصويت على قرار وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بالقضايا الاجتماعية والإنسانية ذات الصلة بحقوق الإنسان، في أفق تصويت الجمعية العامة عليه في منتصف ديسمبر المقبل.
واستند في بيان صحافي، وزع أمس الأحد، على عدد من المكتسبات المسجلة في المغرب لتعزيز مرافعته، وقال إن إلغاء عقوبة الإعدام هو أكثر من شرط مسبق لسيادة القانون، بل هو ضرورة في أي مجتمع عادل وحر، حيث كرامة المواطنين لا تُحترم فحسب بل تُحمى. وأوضح أن عقوبة الإعدام "تظل واحدة من أخطر الاعتداءات على الحق في الحياة، ذلك الحق الأصلي والأسمى والمطلق الذي بدونه لا حق ولا حرية ولا عدالة".
ويعتبر المجلس أن تصويت المغرب لصالح القرار المذكور يشكل تنفيذاً للمادة العشرين من الدستور، معتبراً ذلك ضرورياً للانتقال من الوقف الاختياري بحكم الواقع إلى الوقف القانوني بإلغاء تطبيق عقوبة الإعدام.
وكان قد ضمّن مذكرته الخاصة بإصلاح القانون الجنائي في المغرب فقرة هامة حول عقوبة الإعدام، مشيراً إلى أن هذا الموضوع يحتل الصدارة في ملف علاقة القانون الجنائي بحقوق الإنسان وملاءمته مع المعايير الدولية المتعارف عليها حالياً في تلك الحقوق. وأكد أن إلغاء تلك العقوبة يشكل حاجة ملحة باعتبارها مرتكز قانون جنائي لدولة ديمقراطية، خاصة وأن المغرب لم يعد ينفذها أصلاً، على اعتبار أنها لم تعد تساير فلسفة العقوبة في عصرنا الحاضر.
أكثر من نصف بلدان العالم ألغت العقوبة..ومن بين النقاط الأساسية في عملية الترافع عن إلغاء عقوبة الإعدام، أشار المجلس في مذكرته إلى أن تلك العقوبة أصبحت أحد المعايير الهامة لتقييم مدى تشبث الدول بحقوق الإنسان. وأوضح أن كل المحاكم الجنائية الدولية التي أنشأتها الأمم المتحدة، سواء أكانت دولية مئة في المئة (محكمة يوغسلافيا السابقة ورواندا) أو مختلطة (سيراليون، كمبوديا) لم تنص قوانينها على عقوبة الإعدام، وذلك رغم فظاعة الجرائم التي أنشئت من أجل محاكمتها، وهي الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
كما تدل آخر الإحصائيات المتوفرة على أن أكثر من نصف دول العالم ألغت عقوبة الإعدام قانونياً أو فعلياً، فهناك انخفاض ملحوظ ومستمر في العزوف عن الحكم بها وتنفيذها حتى في الدول التي أبقت عليها (مثل الولايات المتحدة الأمريكية، علماً أن الوضع يختلف من ولاية إلى ولاية وأن بعض الولايات لا تتبنى عقوبة الإعدام أصلاً). يضاف إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يقبل في رحابه أية دولة أوروبية لم تلغ عقوبة الإعدام.ولفت المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الدستور المغربي ينص على الحق في الحياة، مؤكداً أن المغرب لم يعد ينفذ عقوبة الإعدام منذ 1993 ولم ينفّذها حتى في أحداث خطيرة جداً مثل العملية الإرهابية التي وقعت بتاريخ 28 أبريل 2011 في مراكش، وتلك التي عرفتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ 16 مايو 2003. ولاحظ المجلس في مرافعته كذلك أن المحكوم عليه بعقوبة الإعدام يقضي في الواقع عقوبة سجنية لم يحكم عليه بها، وأن العقوبات الجنائية تقع تحت طائلة التقادم. وأكد أن المجتمع المدني يساند بقوة إلغاء عقوبة الإعدام، مشيراً إلى وجود تحالف يضم حوالي عشر منظمات مدنية، من جملتها منظمات حقوق الإنسان والمرصد المغربي للسجون وجمعية هيئات المحامين في المغرب وفرع منظمة العفو الدولية في المغرب وشبكة البرلمانيات والبرلمانيين من أجل إلغاء عقوبة الإعدام.
وذكّر بالعفو الذي كان العاهل المغربي محمد السادس أصدره على عدد من المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام منذ توليه الحكم في مناسبات متعددة، من ذلك العفو عن 30 محكوماً عليهم بالإعدام، منهم امرأة في صيف 2019 وهو معطى له قيمة رمزية ومعنوية ثمينة ودلالة إيجابية في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، بتقدير المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأوصت هيئة الإنصاف والمصالحة بمصادقة المغرب على البروتوكول الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد كلف العاهل المغربي المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي خلفه في مهامه «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» بتفعيل كافة توصيات الهيئة، ومن ضمنها طبعاً تلك المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام. وقد تم التركيز على أهمية هذه التوصية خلال المناظرة التي نظمها «المجلس» سنة 2008. وذكر بأن تلك المناظرة تطرقت لموضوع عقوبة الإعدام من عدة جوانب وخاصة الأبعاد الفلسفية، والاجتماعية، والقانونية، وتلك المتعلقة بعلم الإجرام. وقد تميزت المداخلة المتعلقة بالجانب الديني التي تقدم بها عالم مقتدر بتطرقها لجوانب مهمة تفيد في التفتح على المنظور المساند للإلغاء.
من الناحية الفلسفية يلاحظ المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن هناك تناقضاً في محاولة حماية الحياة بالقضاء عليها. وتساءل: كيف نعاقب على القتل بالقتل؟ موضحاً أنه بالنسبة لفلسفة العقوبة في العلوم الجنائية، يلاحظ أن تلك الفلسفة ترمي عموماً إلى إصلاح الجاني وتأهيله وليس إلى قمعه، وهو مسار حديث يصب في اتجاه "أنسنة" القانون الجنائي.
أما من منظور السياسية الجنائية فيلاحظ المجلس أن هناك تردداً في المغرب تجاه الإلغاء أو عدم الإلغاء. وقد عرفت البلاد فترات تم فيها إعطاء وعود على المستويات الحكومية (وزير عدل سابق) بأننا سائرون في اتجاه الإلغاء. وقال المجلس في مذكرته: لا شك أن الحوار حول الموضوع مهم ولكنه قد طال. والإلغاء التدريجي له مزاياه، لكنه لا ينبغي أن يطول ولا أن ينسى هدفه الأساسي وهو الإلغاء.
وأعطى أمثلة من بعض الدولة، فذكر أن عقوبة الإعدام عندما تم إلغاؤها في فرنسا كانت نسبة معارضي إلغائها حسب استطلاعات الرأي تفوق 60 في المئة من الفرنسيين. ومع ذلك، لم تتردد النخبة السياسية في تأييد إلغائها آنذاك. ومنذ ذلك الحين لم يعد موضوع إلغاء عقوبة الإعدام ذا قيمة بالنسبة للفرنسيين، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بالمطالبة بإلغائها في بقاع أخرى من المعمور. وعلاوة على ذلك، فإن عدد الجرائم لم يرتفع الآن عقوبة الإعدام حذفت من القانون الجنائي الفرنسي.
شعب اختار الحياة لا الموت..وفي رواندا التي اختارت إلغاء عقوبة الإعدام، يتساءل المجلس: ألم يكن من حق شعب هذا البلد الذي مزقته ويلات حرب أهلية طاحنة ووحشية مذابح الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أن يتشبث بتشنج وعناد بعقوبة الإعدام؟ فلماذا تخلص منها إذن؟ لأن هناك نخبة نيرة تقوده وقد اختارت لشعبها الحياة لا الموت وتخلصت بذلك من أبشع رموز الوحشية في مدونتها الجنائية وهي عقوبة الإعدام. الأمر نفسه يمكن أن يقال عن كوت ديفوار التي ألغت عقوبة الإعدام رغم مآسي الحرب الأهلية التي عرفتها خلال سنتي 2011 و2012 وبعدهما.
ويلاحظ المجلس أن تجربة المملكة المتحدة تبدو مهمة ومعبرة جداً، فقد قامت المملكة المتحدة بإلغاء عقوبة الإعدام سنة 1965 بصفة مؤقتة على أن يعود البرلمان لتقييم الوضع بعد خمس سنوات في أفق التراجع عن الإلغاء أو تكریسه.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن على التجربة لم يحدث في المملكة المتحدة ما يقتضي التراجع عن الإلغاء.
أوكي..