محاولة فرنسا تقسيم المغرب
الانوال نيوز بقلم: المعطي منجب
منذ تسعين سنة خلت، هزت المغرب مظاهرات عارمة خلال صيف قائظ الحرارة وذلك للاحتجاج على محاولة الاستعمار الفرنسي تقسيم المغرب إلى مناطق أمازيغية وأخرى عربية.
وهو حدث عظيم في تاريخ المغرب الحديث تشير إليه الأجيال المغربية المتتالية باسم الظهير البربري أو «عام اللطيف». كان هدف إدارة الحماية الفرنسية من هذا الظهير (المرسوم السلطاني) أن يزرع إسفين بين المكونين اللغويين الأساسيين للمغرب: البربر أي سكان المغرب الأصليون ويفضل تسميتهم اليوم بالأمازيغ، والعرب وهم أنفسهم في أغلبيتهم أمازيغ أصلاء مستعربون، أي أنهم يتكلمون العربية وقد ألحقوا بها بعض المفردات الأمازيغية والكثير من المعاني المجازية البربرية الرائعة وقد ترجمت أحيانا بشكل حرفي إلى العربية. وهكذا يقول المغاربة اليوم اللحم «الأخضر» ويعنون به النيء وذلك لأن الأمازيغ يستعملون نفس المفردة للمعنيين أي الأخضر والنيء. كما أنهم ـ أي المستعربين ـ قد أدمجوا الكثير من التقاليد والعوائد العربية في ثقافتهم وحياتهم اليومية.
كانت المقاربة الاستعمارية، لهذا الواقع الثقافي والهوياتي المعقد والجميل، عنصرية وتبسيطية. كما أن الاستعمار قد حاول أن يجعل من المقولة اللاتينية «فرق تسد» واقعا معيشيا وذلك باستغفال شاب لا يتجاوز عمره العشرين هو السلطان محمد بن يوسف (1927 ـ 1961) بأن دفعوه للتوقيع على المرسوم الذي هيأته الأجهزة السياسية للحماية. ويمكن تلخيص مضمون الظهير كما يلي: تنزع المناطق الناطقة بالأمازيغية من القضاء الشرعي وهذا يعني إخراجها من سيادة السلطان أمير المؤمنين لتصبح تابعة، في ما يخص الأمور الجنائية، للمحاكم الفرنسية على أن تنظر المحاكم العرفية المحلية في القضايا المدنية والشخصية. أما المناطق العربية فتبقى من حيث الأساس على الحال الذي كانت عليه قبل استتباب الأمور للاستعمار. وهنا لابد من التذكير بأنه ليست فقط الكثير من القبائل الأمازيغية تعربت وإنما حدث أحيانا العكس كذلك عبر قرون طويلة من التمازج والتداخل بين المجموعتين اللغويتين اللتين لا تشكلان إلا شعبا واحدا هو المغرب.
إن الظهير البربري قد حرك الأمواج الراكدة للمجتمع المدني المغربي الحديث والذي سيعي مكامن قوته بفضل المظاهرات وخصوصا أنها انتهت بالانتصار وسحب الظهير التقسيمي
والغريب في أمر احتجاجات الظهير البربري أن أول من انتبه إلى خطورة المرسوم على الوحدة الوطنية وبادر بالخروج للشارع للتظاهر ضده ليس العلماء التقليديين أو الأعيان المتعلمين وإنما شباب أغلبهم ذوو ثقافة حديثة أو مخضرمة. ويمكن أن نذكر من بين النخبة التي تزعمت الحراك خلال صيف 1930 أحمد بلافريج وهو حاصل على البكالوريا بثانوية هنري الرابع وهو أحد «الليسيات» الأكثر امتيازا بالعاصمة الفرنسية كما أنه مجاز في الأدب الفرنسي من جامعة السوربون. نفس الشيء في ما يخص محمد بلحسن الوزاني فقد درس العلوم السياسية والصحافة بنفس المدينة. أما بالنسبة لعلال الفاسي فرغم تخرجه من مؤسسة القرويين التقليدية بفاس، فإنه اجتهد كثيرا، وهو لازال يافعا، في تحصيل ثقافة حديثة قوية إذ كان قارئا نهما للمجلات العصرية القادمة من الشرق العربي ولأمهات الكتب المترجمة من الفرنسية والإنكليزية كما أنه سيتقن الفرنسية خلال العقد التالي للظهير البربري.
كانت المظاهرات، التي تنطلق من المساجد، تجوب الشوارع مرددة: «اللهم يا لطيف، نسألك اللطف في ما جرت به المقادر ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر». كان الناس لا يقولون إنهم يرددون شعارا وانما «يقرأون اللطيف». كما أن المظاهرة أو التجمع الاحتجاجي يسمى «قراءة اللطيف». ونظرا لاتساع الحركة التي انطلقت من سلا لتمتد إلى فاس ومدن أخرى تاريخية، فقد اضطرت الإدارة الفرنسية للتخلي عن مشروع التقسيم الدنيء. وكان مما هابته فرنسا تضامن العالم العربي والإسلامي مع الحراك المغربي المناهض لسياسة التفريق وقد شارك في الاحتجاج علماء من الأزهر بمصر وعز الدين القسام شخصيا بفلسطين ومناضلون وطنيون من باكستان وأندونيسيا.
وفي الحقيقة فإن الظهير البربري قد حرك الأمواج الراكدة للمجتمع المدني المغربي الحديث والذي سيعي مكامن قوته بفضل المظاهرات وخصوصا أنها انتهت بالانتصار وسحب الظهير التقسيمي. كان ذلك إعلانا بميلاد الحركة الوطنية السياسية والتي ستنتهي بطرد الاستعمار خمسا وعشرين سنة بعد ذلك. ومن غرائب المنطق والتاريخ أن هاته الحركة الوطنية الحضرية والسلمية قد انطلقت نفس الإبان الذي كانت فيه الحركات المسلحة القبلية تطلق آخر رصاصاتها في مواجهة الاستعمار بالجبال والبوادي.
أوكي..