النموذج التنموي الذي نريد... تامغربيت
الأنوال بريس
إن الحديث عن النموذج التنموي الجديد، الذي احتل مؤخرا واجهة النقاش العمومي و المجتمعي لم يكن وليد اللحظة، بل كانت له جذور و امتدادات في بداية الألفية الثالثة، خاصة مع إطلاق الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية و قبيل إطلاق المشروع الإجتماعي الضخم للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ماي 2005.
الآن و بعد 15 سنة من تلك المبادرة،التي هندست لمحاربة الهشاشة و الإدماج السوسيو- اقتصادي لدى الفئات الهشة، و أيضا بعد تسع سنوات على تعاقد اجتماعي حول دستور متقدم و تصالحي مع كافة أطياف الأمة المغربية، و الذي لم يتمكن من ضمان فعلية ما نص عليه و ضمنه للمواطنات و المواطنين من حقوق ثقافية و اجتماعية و اقتصادية و بيئية و فئوية أساسية، و ذلك بسبب غياب الحسم الديمقراطي و كذا نظرا لما تسميه بعض الأدبيات في العلوم السياسية الآثار الفاسدة للربيع الديمقراطي[1]،حيث دفع الزمن السياسي المغربي ثمنا غاليا لتصدر نخبة إسلاموية غير متمرسة على السياسة، حيث لم تستطع تجاوز أثر الذهول من حسن المآل الشخصي، بعد "الفتح المبين" للفيلات و الميرسيدسات الضخمة و امتيازات السلطة و نيل القلم الذهبي المؤشر على النفقات القطاعية و الحكومية.لكل ما سبق و غيره الموضوعي المرتبط بضعف الحكامة بصفة عامة و السلطة الردعية للقانون، أعلن رئيس الدولة عن فشل كل الأحزاب في تقديم جواب عن مشروع تنموي جديد و فشل النمودج الحكاماتي الحالي في يوليوز 2019،كما عهد للجنة خاصة سيترأسها بعد ذلك الدكتور شكيب بنموسى لبلورة معالم النموذج التنموي الجديد المطلوب للمملكة ، بناء على أوسع استشارة و مشاركة مدنية ممكنة.
لماذا فشلنا؟ و ما العمل ؟
إن الجواب الدقيق على السؤال الثاني الذي تطلب من منظرين كبار كفلاديمير لينين كتب و مجلدات ضخمة،يستلزم تفكيك و استيعاب عناصر السؤال النسقي الأول المعقد ، و الذي يعبر أساسا على الإكراهات و التحديات التي لم ينجح المغرب في التعاطي معها بفعالية و نجاح منذ سنة 1956.
قد لا يحتاج المراقب لمعرفة خاصة بالواقع المغربي ليفهم طبيعة و ماهية الفرامل التنموية التي أدت إلى التشخيص الملكي الجرئ السالف الذكر،فالمغرب و على امتداد عدة عقود، عرف باختيارات سياسية و اجتماعية و ثقافية و اقتصادية أثبت التاريخ و التقييم المؤسساتي عدم نجاعتها، و التي قد نجملها في ما يلي:
1-سياسيا:ربط المغرب القسري منذ 1956 برهانات جيو- سياسية و قضايا شرق أوسطية بعيدتين،كلف المغرب استراتيجيا،حيث أدى ذلك الى تفويت فرصة لعب المغرب لدور جيو-سياسي مركزي في المنطقة و المحيط - الطبيعي- الإفريقي لصالح النظام – و ليس شعب- الجار المنافس الجزائر، و هو ما انعكس سلبا على تطورات قضية وحدته الترابية الى حدود 1998،حيث استفرد النظام العسكري لبوتفليقة و حلفاءه بالسياسة الجهوية داخل المنتظم الإفريقي،و ذلك كنتيجة لسياسة الكرسي الفارغ المغربية، و ارتباطها العاطفي بأجندات و إيديولوجيات البعث بدمشق و القاهرة.
2-اجتماعيا: تراجع دور الدولة كحاضنة و ضامنة لمبادئ العدالة و الحماية الإجتماعيتين،وكذا ضابط إيقاع التوازنات البي- طبقية داخل المجتمع المغربي. و هو ما حول بعض السياسات العمومية في المحصلة الى راعية اللاعدالة و التفاوتات و اللاتنمية و تناسلت بعض الممارسات الغير قانونية كالرشوة بكل تلاوينها و أشكالها و ظواهر الإثراء الغير مشروع و خدمة الرأسمال الخاص باستغلال و توظيف مراكز و أطر المصلحة العامة.
3-ثقافيا: ظلت اختيارات المغرب في مجال الشخصية و الهوية الثقافية المغربية، رهينة لثنائية إيديولوجية هي : القومية العروبية ( المؤدلجة[2]) من جهة و التيار الفرنكوفوني من جهة أخرى، و هو ما أدى الى تعميق الشرخ الهوياتي للشخصية المغربية لما بعد الإستقلال. تجذر الإشارة على هذا الصعيد الى أن دستور 2011 حاول بنظرة جامعة متجردة تلافي هذا التشظي بتنصيصه على الشخصية المغربية المركبة و المتنوعة،غير أن إرهاصات الأزمة التي سبقت الدستور لا تزال بادية في اللاوعي الجمعي و في الخطاب السياسي داخل بعض المؤسسات التمثيلية، و لعل السجال المؤدلج و المتوتر الذي ميز تعاطي بعض القوى المحافظة مع القانون الإطار للتربية و التكوين 2015-2030، يقدم لنا نظرة حية و كاشفة عن مدى حضور رهانات الإستثمار في الجهل المجتمعي التي تطبع الأهداف الغير معلنة للمشاريع السياسية لبعض الإطارات الرجعية ببلادنا.
ما العمل إذن؟
في تقديري المتواضع،إن تصور الإنتقال لمشروع مجتمعي بديل و أنجع،على أساس فعلية ما تضمنته الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، يمر بمراعاة المبحوث عنه الذي يوجد في قرى و أطلال المغرب الجميل و الرائد الغابر،مدفون في غياهب النسيان، و يحمله الإنسان و المجال و الرأسمال المادي و اللامادي لتلك الربوع. فهيا نتسلق جبال الأطلس رفقة لجان الدكتور بن موسى لنأتي بأجوبة هناك عن أسئلة عجز دستور و صندوق انتخابي شفاف في الجواب عنها منذ 2011:
*- الجبل جوابا على سؤال تمكين المرأة و إنصافها:إن المرأة في المجتمعات المغاربية و في البنيات القبلية بمراكش قديما تحظى بمكانة متميزة، و لا تعاني من أي تحقير و لا تمييز، بل إن المرأة في التراث اللامادي وصلت الى حد التقديس و التعظيم،من خلال حضورها في كل مجالات الحياة من فن و غناء الى جانب الرجل، الى ممارسة الشعائر الدينية الى العمل الفلاحي اليومي الى العمل الحربي في الجبهات،
*-الجبل جوابا عن سؤال الديمقراطية: لعل المجتمع المغربي الأصيل لديه ما يبهر به حتى فرنسا منذ 1933، حيث تروي مذكرات ضباطها و عسكرييها إعجاب الإقامة العامة و مكاتب الشؤون الأهلية ( كروبير مونطاني و جورج سبيلمان) بالتدبير الديمقراطي للمجالات الوظيفية للقبائل الأمازيغية، و بمدى الإنضباط و التقدير الذي يحظى به الرجال الكاريزميون[3] الذين يفوضون ديمقراطيا لتدبير شؤون القبائل و مجالاتها الوظيفية بالجنوب الشرقي المغربي مثلا. بالتالي فتخصيص لجنة من لجان الدكتور بنموسى لاستجلاء و المقارنة مع هيئات الحكم و التحكيم بالقبائل و البنيات الإجتماعية المغربية ك "لجماعت" كفيلان بتطوير و إغناء و تجاوز مطبات ديمقراطيتنا المحلية الحالية، مع مراعاة الشمولية و التطور المجتمعي الحاصل في قراءة البنيات المغربية الأصيلة طبعا،
*-الجبل جوابا عن سؤال ما ملتكم؟: إن البحث اللاهوتي و الأنتروبولوجي في معتقدات و طقوس الإنسان الشمال افريقي يؤكد وجود التسامح و الممارسة العلمانية كمعطى سوسيو-ثقافي بالمغرب منذ قرون، بالتالي،فإن اللجنة مطالبة فقط بالإلتفاتة ناحية الجبل و إرثه لنفض الغبار عما يزخر به من أجوبة على اسئلة أخطئنا في الجواب عنها لعقود بسبب بعض التردد أو نتيجة رهاننا المتسرع على الإستيراد العشوائي من الشرق أو الغرب.
*-الجبل جوابا على سؤال الثروة و الكرامة: إن منظومة أكادير و المخزن العائلي ذو الولوجية الحصرية "لتامغارت صاحبة المفاتيح" أو الجدة،قد تقدم لنا تصورا ميكروسكوبيا لما يجب أن يكون عليه حال الإشراف على المخزن الدولاتي أو ما يعرف اقتصاديا بميزانية الدولة و ثروتها و ناتجها الوطني الخام و تدبيره و صرفه.لذلك و إسقاطا لمبادئ العدالة الإجتماعية التي تميز المجتمع القبلي، يجب على الحكومة أن تكون تلك الدولة الحامية و الضامنة لتساوي المواطنات و المواطنين المغاربة في الولوج لحقهم في الناتج القومي لدولتهم، و هو ما يفرض لزوما إعادة نظر شاملة في المنظومة المؤسساتية المعنية بإعادة توزيع تلك الثروة على أساس الشفافية و الفعالية و التضامن الوطني و العدالة الإجتماعية.
*-الجبل جوابا على سؤال من نحن؟: يقترح المشروع المجتمعي ًتيموزغا أو تامغربييت" جوابا بسيطا مستوحى من أعماق الهوية التاريخية المغربية و ينحو صوب الكبرياء و الرفاه المغربي، بتعبير أخر يقول،نحن موريون و أفارقة و شمال افريقيون،حفدة "إيغود" أقدم إنسان عرفته البشرية و نفتخر بأننا مملكة لها 33 قرن من التراكم الحضاري.
أنوار مزروب،فاعل مدني و باحث و مدير مركز اسامر للأبحاث و الدراسات الإستراتيجية
أوكي..