دلالات انتخاب الاستاذ قيس سعيد رئيسا لتونس
الانوال بريس -بدرالدين الخمالي -
انتخاب الاستاذ قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية يحمل مجموعة من الدلالات ربما سنبقى و الى وقت طويل و نحن نحاول استخلاصها و فهمها و تحليلها على ضوء التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة. من بين هذه الدلالات هي المصالحة بين المعرفة و السياسة و المصالحة بين الجامعة و المجتمع و المصالحة بين النخبة و قضايا المجتمع و المصالحة بين اللامنتمين للاحزاب و العملية الانتخابية ناخبين و منتخبين. فقيس سعيد ظاهرة سياسية جديدة بكل المقاييس يجب على جميع النخب المغاربية و العربية ان تقف عندها طويلا فهو يمثل نموذجا جديدا في العمل السياسي و اتجاها جديدا تقدميا في العلاقة بالواقع الدولي و الاقليمي و خاصة في سياق الهرولة نحو الكيان الصهيوني و التطبيع و السعي نحو تصفية القضية الفلسطينية بواسطة مشروع ما يسمى بصفقة القرن. قيس سعيد استاذ القانون الدستوري الذي نزع جبة الاستاذ الجامعي و المحلل السياسي و نزل لحلبة الصراع السياسي دون ان يكون له لون سياسي ودون التوكؤ على اي خطاب ايديولوجي... استطاع ان يجمع حوله اغلبية الشعب التونسي و ان يهزم بمنطقه و كاريزميته فلول النظام السابق و اوتاد الفساد و بائعي الوهم و مزيفي الخطابات و كشف بعلمه و قراءته الاكاديمية للواقع السياسي ضحالة منافسيه و معارضيه و مهاجميه. في المغرب ربما لازل واقعنا السياسي محتاجا لهذه الطينة من الرجال و هذه النوعية من المواقف و هذه النماذج. و اذا حاولنا ان نبحث فربما يعد الاستاذ محمد ضريف استاذ العلوم السياسية الوحيد الذي رفع شعار مصالحة السياسة بالمعرفة و الوحيد الذي حاول ان يجمع العازفين عن الخوض في الواقع السياسي و يصالحهم مع الحياة السياسية و عمل على تاسيس حزب سياسي يقوم اساسا على الشباب و الكفاءات دون الاستناد الى التحيزات الايديولوجية. ربما نحن بحاجة ماسة الى المثقفين الحقيقين لكي ينزلوا الى الميدان السياسي و بحاجة الى المصالحة مع المعرفة السياسية و اعتماد ادوات و اليات التحليل السياسي في صياغة البرامج و المشاريع السياسية بدل الشعبوية و المزايدات الحزبية و الايديولوجية. نحن بحاجة الى نخب نظيفة سياسيا و اخلاقيا و قيميا ....نخب قادرة على ان تستمع لهموم الشعب و تتجرد من اجل تحقيق طموحات الجماهير و بناء دولة الحق و القانون و المساواة على ارض الواقع وليس مجرد شعارات و ادعاءات على منصات الحملات الانتخابية سرعان ما تتهاوى بعدها. قيس سعيد يجب ان يكون نموذجا لاساتذة الجامعات في معظم العالم العربي و اساتذة القانون العام على الخصوص لانهم معنيون بتحليل الشان العام و مفروض فيهم ان يكونوا في موضع الناقد و المراقب و المصحح لاداء السلطة السياسية و الانظمة السياسية وان يجابهوا الاختلال في كل وقت وحين وان ينزلوا الى الميدان متى تطلب الامر ذلك لان وظيفة المثقف العضوي كما يذهب الى ذلك غرامشي لا تقف فقط عند حدود التنظير بل تتعداه الى الاشتباك مع قضايا المجتمع و معالجتها بالشكل المفروض فيمن يمتلك المعرفة و القدرة على الاصلاح.
أوكي..